عودة ترامب لا تبشّر بالخير، حتى بالنسبة إلى اليمين
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- هذه الأيام حزينة وخطِرة للمجتمع الدولي، وللولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائها القريبين. اختارت الولايات المتحدة رئيساً اعتبره المقربون منه فاشياً، وغير ملائم لمنصب الرئيس، وتظهر عليه إشارات تراجُع في قدراته العقلية. ووصفوه بأنه نرجسي ومتقلب وناقم، ومن الصعب معرفة أيّ ترامب سنواجه هذه المرة، وخصوصاً أنه متحرر من جميع الحسابات السياسية والتوازنات والكوابح التقليدية. لقد سيطر دونالد ترامب على المحكمة العليا وضمَن الأغلبية في مجلس الشيوخ، وعلى ما يبدو في مجلس النواب، بما معناه سيطرته على السلطات الثلاث. لقد حقق حلم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
- من المتوقع أن يكون لدى إسرائيل وإدارة ترامب جدول أعمال مليء بالقضايا المصيرية. وبعكس الآراء السائدة، من غير المتوقع أن يكون لدى إسرائيل فترة نعيم مع ترامب. والمجالات التي ستحظى بالاهتمام، من غير المؤكد أنها ستكون لمصلحتنا. والتزام ترامب حيال بنيامين نتنياهو هو نفعي في الأساس.
- ترامب غاضب على اليهود في الولايات المتحدة لأنهم لم يعترفوا له بالجميل، وصوتت أغلبيتهم للديمقراطيين. ولا يزال متحاملاً على نتنياهو الذي تجرأ على تهنئة بايدن على فوزه حينها. خلال ولايته الأولى، قام ترامب بكثير من الأمور المهمة، بالنسبة إلينا، وضمنها الاعتراف بالقدس وهضبة الجولان واتفاقيات أبراهام- إلى جانب إشكاليات أُخرى، وعلى رأسها الانسحاب من الاتفاق النووي. وبعكس بايدن، لن يعارض ترامب الانقلاب الدستوري. وبذلك يكون قد أزال الحاجز الأخير أمام تراجُع الديمقراطية الإسرائيلية، وستتعمق الفجوات مع يهود الولايات المتحدة، بصفتهم السند الاستراتيجي لإسرائيل.
- في سنة 2028، ستنتهي حزمة المساعدات العسكرية لعشرة أعوام. وتستند خطط بناء قوة الجيش إلى الافتراض أننا لن نحصل فقط على حزمة أُخرى، بل أيضاً على حزمة أكبر كثيراً. وفي هذا السياق، فإن ترامب والجمهوريين يتحفظون عن المساعدات الخارجية، وبصورة خاصة تلك التي لا يكون لها "مقابل لائق" - بما معناه الالتزام بمواقفهم. صحيح أن إسرائيل تُعتبر استثناء للخروج عن هذه القاعدة بشأن المساعدات، لكن لا يمكن الافتراض أن يستمر هذا الاستثناء. وبحسب مزاج ترامب، يمكن أيضاً أن تتراجع هذه المساعدات. السؤال الأكثر مصيريةً هو عمّا إذا كان سيستمر التعاون الاستراتيجي الذي كان موجوداً مع بايدن، وضمنه القتال المشترك في مواجهة ضربات إيران.
- هناك احتمال كبير ألّا يهتم ترامب كثيراً بالشرق الأوسط والقضية الفلسطينية. للوهلة الأولى، يبدو الأمرمريحاً، لكن لهذه الراحة ثمن كبير، فسيفعّل علينا ضغوطاً أقل بشأن المستوطنات وحقوق الإنسان، ومن المرجح ألّا يعارض الاحتلال المستمر لغزة والضم الفعلي. سيميل ترامب أيضاً إلى العودة إلى فرض قيود على علاقات الولايات المتحدة بالفلسطينيين، وضمن ذلك، تقليص الدعم للأونروا، ويشكك في عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة وإمكان قيام دولة فلسطينية مستقلة. إنها جنة اليمين الإسرائيلي.
- وإلى جانب ذلك، من المتوقع أن يعمل ترامب بحزم على إنهاء الحرب في غزة ولبنان، من دون الاهتمام بمصالح إسرائيل، من أجل إعادة الاستقرار إلى المنطقة وتقليل خطر الانجرار إلى الفوضى في الشرق الأوسط. وإذا اعتقد أن أمامه فرصة لتحقيق إنجاز شخصي، وهو اعتباره الوحيد، فمن الممكن أن يعود إلى "صفقة القرن" التي قدمها قبل ذلك كحلٍّ للنزاع.
- لكن حتى صفقة كهذه ستضعه في مواجهة مع الحكومة لأنها تتضمن فعلياً حلّ دولتين (سيبقى نحو 30% من الضفة الغربية في يدنا). أمّا السعوديون، فيمكن أن يروا في ذلك استجابة كافية لتحقيق مطالبهم بإقامة دولة فلسطينية في مقابل التطبيع، وسيقوم ترامب بتفعيل ضغوط كبيرة جداً لقبول الصفقة التي سيرى فيها إنجازاً كبيراً جداً.
- وللمفارقة، تتضمن مواقف ترامب أيضاً فرصة لمعسكر الوسط- يسار، يوم يصطدم بمعارضة الحكومة للصفقة التي رفضها الفلسطينيون منذ وقت طويل، سيتضح له أن هذا المعسكر هو شريكه، وليس اليمين، إذا أراد أن يثبت أنه قادر على حل الصراع. يمكن لترامب الذي يتمرد على المسلّمات أيضاً، أن يُظهر استعداده للبحث في نماذج أُخرى من حل الصراع، مثل الانفصال المدني (وليس العسكري) عن الضفة، كمرحلة وسيطة مستمرة، تحضيراً لاتفاق ثابت، أو كونفدرالية أردنية- فلسطينية تتضمن أغلبية الضفة، وغزة كلها.
- لم يتضح بعد استعداد ترامب لتوقيع اتفاق دفاع مع السعودية والاعتراف بخطتها النووية المدنية - على الرغم من أن بايدن كان جاهزاً لمنحها ذلك في مقابل التطبيع. إذا وافق، فسيكون هناك فرصة لعقد اتفاق موازٍ، يكون شاملاً أكثر مع إسرائيل. وفي جميع الأحوال، علينا العمل على إحباط إمكان أن يكتفي ترامب باتفاق منفصل مع السعودية.
- من المتوقع أن تضع إيران ترامب أمام تحديات كبيرة، إمّا عبر تسريع خطتها النووية، وإمّا باستمرارها في إطلاق الصواريخ وتدخُّلها في جبهات مختلفة. للوهلة الأولى، يبدو أن ترامب سيستطيع إدارة المفاوضات معها من موقع قوة، لكن أشك فيما إذا كانت إيران ستوافق على اتفاق نووي جديد، بعد أن انسحب من السابق. أشك أيضاً فيما إذا كانت إيران، التي تعرف تحفّظه عن التدخل العسكري خلف البحار، ستشعر بالخوف من ضربة عسكرية.
- هكذا، لن يبقى لدى ترامب إلّا العقوبات الاقتصادية كأداة ضغط دبلوماسية، ويمكن أن تجد إسرائيل نفسها أمام إيران، من دون ظهر وتعاوُن استراتيجي، مثلما كانت عليه الحال خلال ولاية بايدن، لكنها ستكون حرة في العمل منفردة. في الشمال أيضاً، من المتوقع أن يُطلق ترامب يد إسرائيل بحُرية، بشرط عدم تدحرُج الأمور إلى حرب إقليمية تتطلب التدخل الأميركي. لقد وُلدنا أحراراً، لكن ليس إلى هذا الحد.
- ترامب أيضاً سيقلص، أو يُخرج القوات الأميركية من سورية والعراق، وهو ما سيتم التعامل معه على أنه إنجاز إيراني كبير يعزز حرية عمل إيران وروسيا والصين. وبذلك، سيسمح لإيران بالتركيز على الدفاع في مواجهة الجيش الإسرائيلي، والاستثمار أكثر في تطوير القدرات الهجومية.
- حصل اليمين الأميركي والإسرائيلي على ما أرادا. لكن يمكن أن يندما، فالمخلّص لم يأتِ.