نتنياهو يبحث عن تسوية في لبنان، لكنه متجه نحو استمرار الحرب في غزة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • على وقع عمليات تبادُل إطلاق النار المستمرة بين إسرائيل وحزب الله، والتي تستمر كل يوم في أغلب ساعاته، هناك اتصالات مكثفة لوقف إطلاق النار بين الطرفين بتشجيع أميركي، ويتم أحياناً تسريب توقعات متفائلة، إمّا من واشنطن وإمّا من القدس، بشأن فرص التوصل إلى تسوية عما قريب. أمّا التقارير التي تأتي من بيروت، فهي في الأغلب أكثر تشكيكاً.
  • لا يبدو أن هناك حماسة كبيرة لدى حزب الله (الذي لن يكون طرفاً رسمياً في الاتفاق) أو لدى الحكومة اللبنانية لتسوية تقضي بإبعاد جميع المقدرات العسكرية للحزب عن الحدود، وتخوّل إسرائيل بصلاحية فرض تنفيذ الاتفاق، بما يشمل استخدام القوة المستقلة في حال حدوث انتهاكات من الجانب اللبناني. وعلى الرغم من أن كفة الحرب تميل لمصلحة إسرائيل، وعلى الرغم من أن جميع الأطراف، بما فيها إيران، معنية بوقف الحرب في الشمال على ما يبدو، فإنه ليس واضحاً بعد ما إذا كان تحقيق هذا الهدف ممكناً قريباً.
  • لقد سارع وزير الدفاع الجديد، يسرائيل كاتس، الأسبوع الماضي إلى إعلان تحقيق الانتصار على حزب الله، لكن المفاجأة بالنسبة إليه كانت أن تصريحاته كان لها وقع، وكانت مهمة، بعكس حالها حينما كان يتولى منصبه السابق في وزارة الخارجية. وفي هذه الأثناء، تدفع قيادة الجيش الإسرائيلي، في معظمها، نحو إنهاء القتال مع حزب الله، راغبة في تسريع إنهاء الحرب على جميع الجبهات، وربما أيضاً لتحقيق الإفراج أخيراً عن الأسرى الذين تحتجزهم حركة "حماس" في قطاع غزة.
  • هناك أيضاً من يشككون بأن هذه الحماسة في السعي للتوصل إلى اتفاق الآن ربما تكون سابقة لأوانها؛ فعلى الرغم من سلسلة الإنجازات العسكرية الإسرائيلية في لبنان خلال الشهرين الماضيَين، فإن حزب الله لم يتعرض، بحسب أصحاب هذا الرأي، لضربات كافية تُمَكِّن من ردعه لسنوات قادمة، كما حدث بعد حرب لبنان الثانية سنة 2006. لذلك، يدعو هؤلاء إلى تكثيف الهجمات على مواقع الحزب، برّاً:  على الشريط   الحدودي وحتى نهر الليطاني، وجوّاً: في البقاع وبيروت، لتحقيق الردع المطلوب.
  • وإذا ما قمنا بمقارنة تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن لبنان بتصريحاته بشأن غزة، فإن الفارق الكبير يتضح في النبرة؛ ففي غزة، يستمر نتنياهو في اتخاذ موقف متشدد، وأحياناً يعد بتحقيق "انتصار كامل"، على الرغم من أن بعض مؤيديه بدأوا يشككون في ذلك، أمّا في لبنان، فهو يلتزم الحذر. يبدو أن نتنياهو يسعى لإنهاء القتال في الشمال، ومردّ الأمر أسباب عديدة: تقليل الضغط على قوات الاحتياط لتسهيل تمرير قوانين الإعفاء من الخدمة العسكرية تحت ضغط شركائه الحريديم، ثم السعي للحصول على صورة انتصار في الجبهة اللبنانية، وتلبية توقعات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي يولي أهمية كبيرة لإنهاء الحرب في الشمال، بينما يبدو أقل اهتماماً بما يحدث في غزة.
  • إن إنهاء الحرب في الشمال وسحب قوات الاحتياط من هناك سيمكّنا نتنياهو من الاستمرار في الحرب في غزة باستخدام القوات النظامية من دون الحاجة إلى التوصل إلى صفقة. وكما كتبت هنا سابقاً، يبدو أن نتنياهو يخطط لحرب طويلة الأمد في غزة، ويتجنب التوصل إلى صفقة تبادُل أسرى مع "حماس" (والتي لا تتعجل هي الأُخرى من جانبها في التوصل إليها)، وذلك خوفاً من أن يتسبب ذلك في انهيار حكومته تحت ضغط اليمين المتطرف، الذي يضغط من أجل إعادة التواجد العسكري الإسرائيلي الدائم في غزة، كتمهيد لإعادة المستوطنات هناك وتهجير السكان الفلسطينيين، على الأقل من شمال القطاع.
  • هذه الاعتبارات جميعها يمكن أن تتعارض مع حسابات ترامب، الذي يحلم، على الرغم من دعمه الكبير لإسرائيل، بتحقيق تطبيع سعودي - إسرائيلي يعيد تشكيل وجه الشرق الأوسط، ويوفر مليارات الدولارات في مبيعات الأسلحة للصناعة الأميركية. وقد أعلن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، شرطه؛ الاعتراف العلني من جانب نتنياهو بحل الدولتين. وخلال الأسابيع الأخيرة، تبنّى بن سلمان موقفاً أكثر انتقاداً للإجراءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

أشكنازي، موديل 2024 (أزمة الجيش)

  • تهدد أزمة القوى البشرية في الجيش موقف نتنياهو أكثر من الحرب نفسها، وأكثر من تكاليفها المتزايدة، ولا سيما مع نية الحكومة تمرير قوانين التجنيد. وفي الأسبوع الماضي، كشف قسم القوى البشرية في الجيش عن أرقام صادمة بشأن التكلفة البشرية للحرب؛ إذ يحتاج الجيش بشدة إلى 10,000 جندي إضافي، منهم نحو 7500 مقاتل، لتعويض الخسائر البشرية التي تكبدها الجيش على مدار 13 شهراً من القتال.
  • يبدو أن وزير الدفاع الجديد كاتس يواصل النهج الذي اتبعه سلفه يوآف غالانت في أيامه الأخيرة في المنصب؛ إذ أعلن إصدار 7000 أمر استدعاء لشبان حريديم في إطار محاولته تعزيز صفوف الجيش. ومع ذلك، فقد كان الإقبال بين الحريديم على هذه الأوامر السابقة التي أُصدرت خلال الأشهر الماضية متواضعاً للغاية، إذ شملت 3000 أمر استدعاء. ويدرك الجيش الإسرائيلي أن المصدر الأكثر توفراً لتجنيد مقاتلين جدد يكمن في توسيع قاعدة المجنَدين للخدمة النظامية، ولا سيما عبر استهداف الحريديم، إذ يمكن لإنشاء كتيبة نظامية جديدة أن يوفر، في فترات الأمن الروتيني في المناطق والحدود، استخدام عشرة كتائب احتياط سنوياً.
  • ومع ذلك، فمن المشكوك فيه أن يتحقق هذا الهدف قريباً نظراً إلى معارضة الأحزاب الحريدية وتهديدات قادتها بالانسحاب من الحكومة، وإلى اعتماد استمرار  الحكومة على بقائهم في الائتلاف. ولم يصدر عن نتنياهو أي تصريح مبدئي يدعو إلى تحقيق المساواة في توزيع الأعباء، وبدلاً من ذلك، فقد اكتفى بنشر صور من اجتماعه بزوجات جنود الاحتياط.
  • لكن الضغط على وحدات الاحتياط هائل، ولن ينتهي قريباً؛ فوفقاً لبيانات نشرتها صحيفة "هآرتس"، هناك 54% من جنود الاحتياط الذين استُدعوا إلى الخدمة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي قد خدموا فعلاً أكثر من 100 يوم، و18% تجاوزت خدمتهم 200 يوم. ونشر الجيش الإسرائيلي إحصاء مروعاً آخر يتعلق بعدد القادة الذين قُتلوا في الحرب: فنحو ربع القتلى البالغ عددهم 795 كانوا من الضباط، منهم 63 قائد سرية على الأقل، هذا بالإضافة إلى العديد من الجرحى. وهذه الخسائر الهائلة تتطلب ترقية قادة أقل خبرة. في المستويات الميدانية، فقد الجيش الإسرائيلي جزءاً كبيراً من عموده الفقري القيادي الشاب.

المصدر: قسم القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي.

جدول

  • كان ثلث القتلى في الحرب من جنود الاحتياط، وكثير منهم أرباب أسر. إن هذا العبء غير المسبوق عليهم، إلى جانب التمييز الواضح ضدهم مقارنة بالحريديم أثار ردات فعل غاضبة، لكن هذه الاحتجاجات لم تترجَم بعدُ إلى احتجاج شعبي أو سياسي فعّال.
  • لربما تكون الطريقة الوحيدة لزعزعة الواقع الراهن الحالي غير المقبول مبادرة من جانب جنود الاحتياط، على غرار ما فعله النقيب موتي أشكنازي في نهاية حرب يوم الغفران سنة 1973؛ إذ قاد موجة احتجاج أدت في النهاية إلى إسقاط حكومة الفشل الأولى (وبعد 3 أعوام ونصف العام، سقوط حكم حزب العمل)، وتغيرت الأوضاع السياسية جذرياً منذ ذلك الحين. لكن ربما تكون مبادرة مشابهة قائمة على مشاعر غضب حقيقية وإحساس بالظلم الأساسي كافية لزعزعة استقرار حكومة الفشل الحالية.

 

 

 

المزيد ضمن العدد