العلاقات بين المستوطنين والحكومة والعالم تمرّ بلحظة مصيرية؛ وهم يتصرفون على هذا الأساس
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • برز تطوران مهمّان بخصوص المستوطنين خلال الأيام الماضية: الأول، فرض عقوبات من الولايات المتحدة على حركة "أمناه"، وهي إحدى الأذرع المركزية في الحركة الاستيطانية؛ والثاني هو بيان وزير الدفاع الجديد يسرائيل كاتس بأنه سيوقف استعمال الاعتقالات الإدارية ضد اليهود. يعكس التطوران اللحظة المصيرية التي تعيشها العلاقات بين المستوطنين وحكومة إسرائيل والفلسطينيين والعالم: في الوقت الذي يشدد الغرب على مواقفه ضد مشروع الاستيطان، يبدو في الأفق نظام جديد برعاية دونالد ترامب - هذا في الوقت الذي توجد في إسرائيل أكثر حكومة داعمة للمستوطنين، تاريخياً.
  • إعلان كاتس هو استمرارية للحملة التي يقودها اليمين المتطرف ضد استعمال هذه الأداة الإشكالية بحق اليهود، والتي تصاعدت منذ وصول الحكومة الحالية إلى الحكم. أشك في أن يستطيع إعلان كاتس عبور امتحان المحكمة العليا لأنه أعلن استمرار استخدام الاعتقالات الإدارية ضد المواطنين العرب في إسرائيل. خلال شهر أيلول/سبتمبر الماضي 2023، نشرت مصلحة السجون معطيات، وبحسبها، بلغ عدد المعتقلين إدارياً في إسرائيل 40 مواطناً عربياً و7 مواطنين من اليهود. لقد وصل عدد الأسرى الإداريين إلى مستوى غير مسبوق خلال الحرب، واليوم، يوجد في إسرائيل نحو 3400 معتقل إداري. ويوقّع أوامر الاعتقال الخاصة بهم كلٌّ من قائد المنطقة الوسطى ووزير الدفاع، أمّا المحاكم العسكرية، فتصادق عليها سريعاً، بعكس ما يجري عندما يكون المعتقل يهودياً، إذ يتصدر كل أمر اعتقال إداري بحق يهودي العناوين.
  • المستوطنون على حق عندما يقولون إن استخدام الاعتقالات الإدارية تصاعد ضد اليهود في الفترة الماضية. فهذه هي الطريقة لدى "الشاباك" للتعامل مع الإجرام على خلفية قومية، في ظل إهمال الشرطة، والذي تصاعد منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. لم تقم الشرطة في منطقة الضفة الغربية يوماً بالمهمة، ولم يساعد بن غفير والمحيطون به على تحسين الوضع طبعاً. وحسبما نُشر في "هآرتس"، لقد أنكر ضابط الوحدة المركزية في منطقة الضفة الغربية، أفيشاي موعاليم، خطورة المشكلة، وهناك قطيعة بين الشرطة واللواء اليهودي في "الشاباك".
  • ويرى المستشار القضائي السابق في "الشاباك" إيلي باخار أن إعلان كاتس دليل على رأي مشوّش، ومحاولة من الحكومة لتحويل التركيز عن القضايا المصيرية، ومرحلة أُخرى من مراحل تراجُع إسرائيل. وقال لـ"هآرتس" إن الإعلان يعزز الادعاءات أن إسرائيل لا تفرض القانون على عنف المستوطنين، وتعبّر عن ذلك رسمياً. مضيفاً أنهم "في البداية، يقومون بإضعاف وإخصاء الشرطة، وبعدها، يعملون على إلحاق الضرر بالتنظيم الذي لا يزال يعمل على إحباط العمليات التي ينفّذها يهود". ويتخوف باخار من أن يعلن كاتس أمام المحكمة أنه سيفحص كل حالة على انفراد- وفي الوقت نفسه، يعمل فعلياً بحسب السياسة التمييزية. ويذكّر باخار بأن محكمة الجنايات الدولية في لاهاي تفحص الآن السلوك الإسرائيلي في الضفة، وبحسبه، "إذا أراد أيّ طرف آخر في الحكومة الحصول على بند اتهام إضافي في لاهاي، فهذه هي الطريقة المضمونة".
  • إن عدم فرض القانون في الضفة الغربية هو قضية أساسية في العقوبات التي يفرضها مزيد من الدول بحق المستوطنين. العقوبات الأكثر حدةً كانت تلك التي فرضتها إدارة بايدن على "أمناه" - وهي الحركة التي تقف عملياً خلف بناء المستوطنات والبؤر الاستيطانية، وإلى حد كبير، هي جزء من النظام الإسرائيلي. مدير عام "أمناه" زئيف حفير يخرج ويدخل من أروقة الحكم منذ عشرات الأعوام، ويُعد أحد المقربين من بنيامين نتنياهو. وبسبب هذا القرب، عبّر كثير من الشخصيات في المجتمع الدولي عن التخوف من أن يؤدي قرار العقوبات من طرف الإدارة إلى ردّ إسرائيلي، وفعلاً هذا ما حدث، حيث أعلن كاتس أن قراره هو ردّ على العقوبات. الدبلوماسيون الأجانب قلقون من إمكان أن تكون الخطوات القادمة ضد السلطة الفلسطينية. فالأزمات المحتملة جاهزة للاستعمال عند الحاجة: مثلاً، تحتاج البنوك الإسرائيلية إلى مصادقة مكتوبة من وزير المالية لبناء علاقات مع البنوك الفلسطينية، من دون أن يكون هناك شكوك في أنها تساعد "الإرهاب". وكل مرة، يقلص سموتريتش من جديد فترة هذا التصريح الذي جرى تمديده خلال الشهر الماضي، شهراً واحداً فقط. هذا أحد السيوف التي يرفعها فوق رأس الفلسطينيين بحكم دوره المزدوج [في وزارة المال، وفي وزارة الدفاع].
  • لكن، يمكن أن تنتفي الحاجة إلى ذلك أساساً. فتغيير الرئيس في البيت الأبيض يشير إلى احتمال أن تكون أيام العقوبات ضد المستوطنين معدودة. خلال الأسبوع الماضي، رفضت الهيئة الوزارية للتشريع نقاشاً بشأن مشروع قانون لتخطّي العقوبات الأميركية بحق المستوطنين، على أمل أن يقوم ترامب بذلك. ففي إسرائيل، هناك أمل بأن يؤثر تغيير السلوك الأميركي في قضايا أُخرى، ويضع حداً أيضاً لكرة الثلج التي بدأت تتدحرج من مستوطنين أفراد هددوا الفلسطينيين، ويمكن أن تصل إلى رؤساء المجالس، وحتى إلى الوزراء.
  • إذا تنفّس قادة المستوطنين الصعداء بعد الانتخابات، فالآن، الفرحة لا تسعهم، بعد أن بدأ ترامب بإعلان أسماء التعيينات. رئيس المجلس الإقليمي شومرون، يوسي دغان، طوّر علاقات كثيرة مع اليمين الأميركي، ودعا أفراداً منه لزيارات علاقات عامة في الضفة الغربية، وحصلوا على استقبال ملكي. إثنان من هؤلاء المدعوّين كانا مايك هاكبي وفيت هغست، الأول، سيكون السفير الأميركي في إسرائيل، والثاني وزير الدفاع في إدارة ترامب.
  • حالياً، يسيطر المستوطنون على كافة مراكز القوة التي تتعلق بقضايا الاستيطان في إسرائيل. فسموتريتش حصل على صلاحيات تسمح له بصوغ الحياة اليومية للفلسطينيين والمستوطنين، وعيّن المقرب منه يهودا إلياهو مسؤولاً عن "إدارة الاستيطان" التي أقامها. أمّا هيلل روت، وهو مستوطن لا علاقة له بالجيش، فتم تعيينه في منصب نائب رئيس الإدارة المدنية - في تعبير واضح عن الضم. وفي الوقت نفسه، بات مسؤولاً عن القضايا التي تتعلق بالتخطيط والبناء، وهو ما أراده المستوطنون. كانت الإدارة المدنية في الأساس لا تقوم بعمليات إخلاء بناء إسرائيلي، لكن، حتى عمليات الإخلاء التي جرت بصمت سابقاً، باتت اليوم تثير ضجة كبيرة، وترافقها ضغوط سياسية. هذا يستنزف مَن يجب أن يكون مسؤولاً عن فرض القانون، والدافع لديهم أساساً محدود.
  • صحيح أن العامَين الماضيَين تميزا بعدد كبير من تصاريح البناء، وكثير من السيطرة على الأراضي، وقليل من الهدم، إلّا إن المستوطنين يطمحون إلى المزيد. الضم هو درّة التاج طبعاً، لكنه ليس الهدف الوحيد. مؤخراً، عدّد أحد قياديي المستوطنين الخطوات التي كبحتها الإدارة الأميركية الحالية: السماح بعقد مزيد من الاجتماعات لهيئة التخطيط العليا، وهي الجهة التي تمنح تصاريح البناء؛ وإعلان مزيد من الأراضي كأراضٍ تابعة للدولة (على الرغم من أن سنة 2024 شهدت الذروة في هذا المجال)؛ وتفعيل مزيد من القوة العسكرية في البلدات الفلسطينية، بعد أن بات الجيش يقصف من الجو خلال العام الماضي، وقتل في الضفة الغربية أكثر من 700 شخص؛ بالإضافة إلى مزيد من القيود على حركة الفلسطينيين. هناك قضية أُخرى تُقلق قيادات المستوطنين، هي الضغط الدولي بشأن عنف المستوطنين، وهي ظاهرة يفضلون إنكار وجودها. ويمكن الترجيح أن الاعتقالات الإدارية ضد اليهود خلال العام الماضي جرت كي تستطيع الحكومة الادعاء أنها تقوم بشيء ما في هذا المجال، لكن يبدو أن الأمور تتغير الآن. فبعد أن عززوا سيطرتهم على السلطات الإسرائيلية، يأمل المستوطنون الآن بأن تخفف التغييرات في الولايات المتحدة ووزارة الدفاع من القيود القليلة التي تقف في طريقهم.

 

 

المزيد ضمن العدد