تغيير دراماتيكي في الضفة الغربية، والشاباك غير قادر على مواجهته الآن
تاريخ المقال
المصدر
- إن قرار وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس المفاجئ بشأن التوقف عن الموافقة على توقيع أوامر الاعتقال الإداري ضد يهود متطرفين يخططون، أو بدأوا بتنفيذ نشاطات سرية للقيام بأعمال إرهابية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، مثل التسبب بإزهاق الأرواح (بما في ذلك جرائم القتل)، والاعتداء على المنازل والأملاك، وتدمير الحقول الزراعية والمراعي، وقتل الحيوانات، وغيرها من الأعمال الخطِرة، يقدم دفعة معنوية لتلك الجماعات والأفراد الذين يقيمون، في معظمهم، بمنطقة الضفة الغربية.
- الاعتقال الإداري هو أداة استثنائية من الناحية القانونية وشديدة القسوة، وخاصةً في دولة ديمقراطية. لذلك، وبسبب كونه استثنائياً، يتم استخدامه بشكل محدود للغاية مع المواطنين، وبعد إجراء دراسة معمقة. وهذا أيضاً هو السبب الذي دفع إلى ظهور معارضة قانونية وجوهرية كبيرة لاقتراح وزير الأمن القومي بشأن تنفيذ اعتقالات إدارية ضد عناصر إجرامية إسرائيلية، فهذه الأداة الاستثنائية تُستخدم فقط لتلبية الحاجات المتعلقة بالأمن القومي، لا لمعالجة الأعمال الجنائية التي يرتكبها المواطنون، مهما بلغت خطورتها.
- الاعتقال الإداري ضد المواطنين هو أداة مخصصة لجهاز الأمن العام (الشاباك)، بهدف تحقيق مهماته الوقائية في مواجهة التهديدات الإرهابية، أو التحركات التخريبية. لا يُعد هذا الإجراء أداة للعقاب، إذ إن المحاكم هي التي تفرض العقوبات. بل هو أداة وقائية بكل معنى الكلمة، يتم تفعيلها في حالات الضرورة القصوى، عندما يشكل الخطر الصادر عن الجهة المستهدفة، أو المعلومات الموجودة بحوزة المنظومة الأمنية المتعلقة بنشاطات إرهابية محتملة (أو نشاطات تمت فعلاً)، أو قدرتها على توجيه وتنفيذ هجمات، خطراً واضحاً ومباشراً على سلامة الأمن الإسرائيلي. كما يتم استخدامها لمنع تلك الجهة من إدراك طبيعة التحقيقات ومدى تقدمها، والتفاصيل التي بحوزة الشاباك، للأسباب ذاتها.
- لا تحظى شدة الاعتقال الإداري واستخدامه بتمثيل واسع في المنظومة القضائية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمواطنين إسرائيليين. ولهذا، يُعتبر كل إجراء من هذا النوع استثنائياً، ويتم فحصه على أعلى المستويات في جهاز الأمن. يصل القرار إلى مكتب رئيس الشاباك، ثم يُعرض على وزير الأمن للتوقيع والموافقة، ويخضع للمراجعة القضائية. ولا يمكن أن يُستخدم الاعتقال الإداري بشكل عشوائي، أو لأن أحداً استفاق ذات صباحٍ فجأة، ليقرر استخدام هذه الأداة.
- قبل اتخاذ المنظومة الأمنية قرارها بشأن إصدار أمر اعتقال إداري ضد المواطنين الإسرائيليين، عادةً ما تستخدم الأجهزة الأمنية مجموعة من الأساليب الهادفة إلى تجنُّب الحاجة إلى مثل هذا الاعتقال ضد الفتية، أو البالغين. إذ يتم إجراء حوار مع القيادة المحلية، وتُجرى اتصالات بالحاخامات والشخصيات ذات المكانة العالية في التجمعات الاستيطانية المتعددة، وتُعقد جلسات تحذير وردع، قبل اتخاذ قرار اللجوء إلى استخدام الاعتقال الإداري كأداة وقائية. من هذا المنطلق، يُعد الاعتقال الإداري ضد المواطن الملاذ الأخير، عندما تُستنفد جميع الخيارات الأُخرى، وتستدعي المخاطر الأمنية على سلامة الجمهور استخدامه.
تآكل آليات الإنفاذ القانوني
- قد يؤدي قرار وزير الدفاع الأخير وتطبيق هذا القرار إلى مزيد من التآكل في آليات إنفاذ القانون والحفاظ على النظام في الضفة الغربية، وقد يسفر ذلك عن تصعيد وازدياد جرأة المستوطنين، الذين أُطلق عليهم في الماضي اسم "شبان التلال"، والذين نفّذوا نشاطات "جباية الثمن"، وهو مصطلح مخفف لأعمال إرهابية، وخصوصاً بعد وقوع اعتداءات على الإسرائيليين.
- من المهم إدراك التالي: على مدار السنوات الماضية، لم تعد المجموعات والأفراد مجرد "شبان تلال" يقومون بمجرد "جباية ثمن"، بل إنهم حتى لم يعودوا مجرد "شبان مؤدلجين"، مثلما يحاول البعض وصفهم وتبييض أفعالهم. ما يحدث هو تغيير دراماتيكي في أوساط الشبان اليهود، الذين يستمدون شرعية أعمالهم الإرهابية والتخريبية من زعماء ميدانيين، وقادة دينيين، وموافقة ترتكز على تشريعات دينية وكتب توراتية.
- منذ اندلاع أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، أضيف إلى عمل هؤلاء حافز الانتقام، والإدراك أن الجيش يركز نشاطه وجهده على جبهات أُخرى، والشعور السائد في أوساط المستوطنين بأن كل ما يقومون به مباح، ويجري ذلك بإيحاء وتشجيع من القيادة السياسية والقادة المنتخبين، والضعف وانعدام الدافع لدى جهاز الشرطة الإسرائيلية في الضفة الغربية في مواجهة الموقف.
- عندما يتخذ وزير الدفاع الجديد، الذي تسلم منصبه قبل أيام معدودة، قرارات شديدة الاستثنائية والشمولية، فهذا من شأنه أن يخلق إدراكاً لدى الجهات اليهودية المتطرفة بأن الشاباك صار مقيّد اليدين في أدواته، وفي الخيارات المتاحة له من جانب الدولة، ولذا، أصبح في إمكانها المخاطرة ورفع وتيرة جزء من النشاطات الإرهابية التي يقومون بها ضد الفلسطينيين وأملاكهم، وأيضاً مواجهة قوات الجيش من دون خشية، أو وجل.
- إن محاولة مهاجمة قائد الجبهة الوسطى اللواء آفي بلوط في الخليل، عشية السبت، من طرف مشاغبين من اليهود، والأعمال العنيفة التي نفّذها إسرائيليون مقنّعون قرب مستوطنة إيتمار في شمال الضفة يوم السبت، حيث جرى إلقاء الحجارة على قوات الجيش وحرس الحدود، وهما حادثتان صعبتان حدثتا في توافق زمني "مذهل"، بعد ساعات معدودة على صدور قرار وزير الدفاع، تمثلان أولى بوادر أعمال العنف الإضافية، سواء ضد الفلسطينيين، أم ضد الجنود، وفكّ لجام المستوطنين، وتسخين إضافي للجبهة، التي تغلي أصلاً .
- الإرهاب اليهودي حلقة مفرغة تغذي نفسها بنفسها، وتنتشر كالنار في الهشيم. صحيح أن جهد الاستخبارات يتركز طبعاً ضد "الإرهاب" الفلسطيني، لكن عندما يكون منفّذو أعمال الإرهاب يهوداً، فمن شأن الأمر أن يؤدي إلى أعمال "إرهابية" فلسطينية من أجل الثأر، سواء في الضفة الغربية، أو في بقية أرجاء دولة إسرائيل. وعندما تضاف إلى ذلك مسألة إضعاف القدرة الوقائية لدى جهاز الشاباك، بسبب قرار الوزير بشأن التوقف عن استخدام أداة الاعتقال الإداري تجاه الإرهابيين اليهود، فإن تدهور الحال وتفاقُم العنف سيصبحان مسألة وقت، لا أكثر، وسنشعر جميعاً بآثار ذلك.
الخطر الفعلي الذي يهدد المستوطنين
- صحيح أن المستوطنين في الضفة الغربية، إجمالاً، هم مواطنون ملتزمون القانون والنظام العام، يأنفون من العنف الذي تمارسه فئة قليلة ومنفلتة من أوساطهم. هؤلاء المستوطنون الذين يقيمون بالضفة الغربية، هم مواطنون يحترمون القانون والنظام، ويرفضون الأعمال غير القانونية التي ترتكبها أقلية يهودية عنيفة. كما أنهم في الخط الأول للقتال على الجبهات المتعددة، وللأسف، يدفعون ثمناً باهظاً جداً كنتيجة لذلك. من الصعب وصف إسهامهم في حفظ الأمن الإسرائيلي. لذلك، فإن قرار وزير الأمن القاضي بوقف استخدام الاعتقالات الإدارية يُلحق الضرر بهم أيضاً، فهو يعرّضهم لخطر جسدي في الميدان، ويؤثر في صورتهم العامة بشكل سلبي.
- لقد كتبتُ سابقاً عن الخطر المتمثل في تغذية الأعمال الإرهابية اليهودية لأعمال ثأرية فلسطينية ضد المستوطنين. ومع ذلك، فمن غير الواضح لماذا، عندما رحّب سياسيون وقادة مجتمع وشخصيات مؤثرة بقرار وزير الأمن بشأن وقف استخدام أوامر الاعتقال الإداري، تم ربط جميع المستوطنين في الضفة الغربية بأعمال الفوضى التي يرتكبها اليهود الخارجون على القانون. فما يجري هو العكس تماماً، وكل مَن لديه عينان وعقل، يجب أن يتبرأ من الإرهابيين اليهود، ويثني على المكافحة الحازمة التي ينفّذها جهاز الشاباك ضد المرتكبين، ويشجع العاملين في هذا المجال، ويعارض بشدة إلغاء استخدام الاعتقال الإداري كأداة وقائية تهدف إلى منع أعمال التخريب. فالاعتقال الإداري ليس عقاباً لكافة الجمهور، بل هو إجراء وقائي موجّه ضد مواطنين محددين يُعتبرون خطِرين، ووظيفته حماية الأرواح. هذه الاعتقالات الإدارية تُميز بين الإرهابيين اليهود وبقية المستوطنين الملتزمين القانون.
- يخضع جهاز الشاباك مباشرة لمسؤولية رئيس الوزراء، ومن المرجح أنه جرى تنسيق قرار وزير الأمن في هذه القضية معه، وحصل على موافقته. وفي الوقت الذي تكافح دولة إسرائيل ضد القرار الصعب و"المتهور" الصادر عن محكمة لاهاي، تتسبب الخطوة التي أعلنها وزير الأمن بضرر إضافي لصورة الدولة، وتزيد في تقويض شرعيتها الدولية في مكافحة الإرهاب، وتثير تساؤلات قانونية وأخلاقية في جميع أنحاء العالم، سيكون من الصعب علينا الإجابة عنها بطريقة تساعدنا على مواجهة الذين يسعون لإيذائنا. إن مسائل، مثل وجود قانون لفئة ما، وقانون آخر لفئة أُخرى، وتساهُل الدولة الذي يسمح بارتكاب مواطنين إسرائيليين أعمالاً إرهابية، وإضعاف حماة القانون الذين يكافحون الأعمال التخريبية، هي بعض الأسئلة التي سيطرحها خبراء القانون الدولي في العالم.
- هذه أيضاً ليست أخباراً طيبة بالنسبة إلى دولة إسرائيل، أو أمنها، أو مواطنيها.