لماذا لا أعود إلى الشمال، لو كان منزلي هناك؟
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- قبل أن تقرأوا كلماتي، أكتب هذا النص كمواطن، لا لإثارة الذعر، بل لتحفيز التفكير والنقاش. فلو كنت في منصب رسمي في الوحدة التي خدمت فيها خلال خدمتي العسكرية، لكنت سأضعه على مكتب رئيس القسم مع نسخة لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. من الأفضل دائماً أن نتخيل ونحذر، بدلاً من أن نتجاهل ونُفاجأ.
- إذاً، لماذا لو كنت أعيش في مستوطنة قرب الحدود الشمالية - في المطلة، أو "مسغاف عام"، أو حتى "كريات شمونة" - لما كنت سأعود إلى المنزل؟ ولماذا، في رأيي المتواضع، يزداد خطر وقوع حادثة اختطاف في الشمال؟
- النية: لم تتغير نية حزب الله. فهو تنظيم ديني جهادي، يكمن في عقيدته كتنظيم، وفي معتقدات أفراده، الافتراض القائل إن الضرر الذي يمكن أن يكبّدوننا إياه أهم من حياتهم الشخصية، أو منافعهم الفردية. هؤلاء يعتبرون المخاطرة، أو التضرر، أو حتى الموت، أموراً تستحق العناء، في مقابل مجرّد احتمال إلحاق الضرر بنا.
- الوسائل: إن المعدات اللازمة لتنفيذ عملية تسلل، ثم خطف، ثم عودة إلى لبنان، تتطلب 12 فرداً يتمتعون بقدرات حركية، وأسلحة خفيفة، وسترات واقية لكلٍّ منهم، وثلاث مركبات، وثلاث مجموعات من قواطع الأسلاك لقص السياج، فإذا ما أردنا المبالغة، يمكن إضافة خمس قاذفات RPG. إن الغنائم الكبيرة التي حصلت عليها قواتنا في قرى الجنوب اللبناني كانت مثيرة للإعجاب، ومحفّزة، لكن، حتى لو صودرت الملايين من بنادق الكلاشينكوف من هؤلاء، فلا شك في أنهم سيتمكنون من الحصول على 15 أُخرى بطريقة ما.
- الدافع: إن الدافع القائم لدى حزب الله بهدف إلحاق الضرر بنا، وتكبيدنا الخسائر، وجرّنا نحو أزمة استراتيجية، بقي على حاله، مثلما كان عليه قبل الحرب، بل يبدو أنه ارتفع. مرة أُخرى، يجب أن نفهم عقلية الجهادي: فالأمر الوحيد الذي يمكن أن يغيّر رأي الجهادي هو موته. فوعي الجهادي ثابت تماماً لا يتغير، وهذا ما أغفلناه بشكل كبير في غزة: إن المهمة المقدسة، بالنسبة إلى الجهادي، تفوق أيّ شيء آخر، وهو مستعد للاستمرار في تنفيذها حتى الموت. أمامنا خياران فقط للتعامل مع ذلك: إمّا قتله (والتأكد من أن الأجيال القادمة لن تتربى على الفكر الجهادي (وهو غير ممكن حالياً في أيٍّ من الجبهات، للأسف)، أو سلبه قدرته على تنفيذ مهمته بالكامل. وحسبما يتضح في السطور التالية، لم ننجح في سلب مقاتلي حزب الله هذه القدرة بشكل كامل.
- قابلية التنفيذ: المنطقة التي تمرّ الحدود عبرها هي ذات تضاريس شديدة الانحدار، مليئة بالأشجار والكثافة النباتية. لا توجد مشكلة في التسلل إليها، ولا في عبور السياج، ولا حتى في دخول مستوطناتنا، سيراً على الأقدام، إذ يقع بعضها بجوار السياج مباشرةً. وفي غضون دقيقة ونصف، سيراً على الأقدام، يمكن الوصول إلى الصف الأول من المنازل بسهولة. ويمكن لتخطيط دقيق من جانبهم أن يحقق نجاحاً بسهولة. إذ يتم وضع مراقبين مسبقاً للتأكد من أن المنطقة خالية، ويتحققون أيضاً من المنازل الآهلة حينها، في الوقت الذي ينتظر ثلاثة سائقين في شمال السياج داخل مركبات محركاتها مشغّلة، وينطلقون بمجرد وصول المختطفين.
- المعلومات الاستخباراتية: من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، اعتراض ورصد عملية "إرهابية"، يشارك فيها عدد قليل من الأفراد. لقد أثبتت صبيحة السابع من أكتوبر أنه حتى العمليات التي تضم عدداً كبيراً من المشاركين فيها، يمكن إبقاؤها في السر، إذا كان المنفّذون على دراية بمستوى الضعف لدى الطرف الآخر، وحرصوا على السرية التامة. (لمن يرغب في الاستماع إلى تحليلي بشأن طريقة تخطيط يحيى السنوار لهجوم السابع من أكتوبر، مع فهم كامل لقدراتنا وتعطيلها ببساطة عبقرية، يمكنه الاستماع إلى الحلقة رقم 1 من مدونتي الصوتية، حين استضفتُ يائير شاركي [محلل القناة 12]).
- الردع والتوازن الاستراتيجي الذي نملكه: لنتخيل أن حزب الله قام غداً باختطاف ثلاثة من مواطنينا، فما هو الثمن الذي قد يدفعه؟ هل سنقوم بتصفية قائده؟ أم سنستهدف قادة قطاعاته؟ هل سنقصف مقراته؟ لقد ضربنا هذا التنظيم إلى أقصى حد ممكن. لقد قمنا بضرب كل موقع في الجنوب اللبناني علمنا بوجود عناصر من حزب الله فيه. وفي مدن، مثل بيروت وصور، استهدفنا فقط أهدافاً عليا جداً، أو مخازن أسلحة وعقارات كانت خالية من السكان، بعد صدور أوامر الإخلاء. فما هي الخطوة التصعيدية التالية التي يمكننا القيام بها عندما يكون بعض مواطنينا مختطفين لديهم؟ ما هي الأداة التي نملكها لتهديدهم؟ إن الأمر الوحيد الذي لم ندخله في المعادلة حتى الآن هو استهداف البنية التحتية للدولة اللبنانية. فما الذي قد يقوله حزب الله لنفسه الآن؟ "يا إلهي.. سيقطعون الكهرباء عنا؟" ربما قد يناسبه سيناريو "عليّ وعلى أعدائي". ربما لن يشعر بالانزعاج من الضرر الذي قد يلحق ببقية الطوائف في لبنان. لذلك، في رأيي، نحن لا نملك، حالياً، أيّ وسيلة ضغط حقيقية على حزب الله، والآن، وهو في حالة ضعف، قد تدفعه هذه الحال إلى مزيد من التصعيد ضدنا.
- الردع الداخلي في لبنان: لعلنا نفترض أن مصلحة أغلبية المواطنين اللبنانيين، الذين قد يُهجّر مئات الآلاف منهم من منازلهم، وربما إلى الأبد، في حال وقوع حادثة اختطاف كهذه، قد تمنع مجموعة "إرهابية" صغيرة من تنفيذ مثل هذه العملية. لكن الجهادي لا يأخذ هذا النوع من الاعتبارات في حساباته، حتى لو كان الأمر يتعارض مع مصلحة المواطن الشيعي العادي. لقد كانت "مجزرة" السابع من أكتوبر ضد مصالح الأغلبية العظمى من سكان قطاع غزة، الذين حُولت أحياؤهم إلى أنقاض بسببها. لكن هذا لم يمنع مجموعة صغيرة، تمتلك الإرادة والوسائل، من جرّنا جميعاً إلى هذا الوضع.
- مثلما نرى في الجبهة الجنوبية، إن احتجاز بعض الأسرى الإسرائيليين لدى الجهاديين يشكل إنجازاً استراتيجياً كبيراً لا يمكن مقارنته بأيّ شيء آخر. لذلك، في الوقت الراهن، يُعد خطر تنفيذ عمليات الاختطاف نقطة ضعفنا الأساسية، ونحن لا نملك أدوات ضغط وقائية كافية في هذا الصدد. وبما أنه من الواضح أن أشخاصاً منهم لديهم تفكير استراتيجي، فمن المؤكد أن هذا ما يطمحون إليه.
- بناءً على كل ما سبق، فإن مَن يدّعي أن تهديد تسلّل حزب الله نحو الشمال زال تماماً، هو ببساطة، غير دقيق. لذلك، لو كنتُ أحد سكان هذه البلدات، لما عدتُ إلى منزلي، ليس الآن فقط، بل في المستقبل أيضاً، إلّا إذا حدث أحد أمرين: إمّا تحوُّل كامل للطائفة الشيعية في لبنان إلى ديانة أُخرى، أو بناء منطقة عازلة حقيقية، كبيرة، خالية تماماً من كل شيء، ومن أيّ شخص، تخضع للمراقبة والسيطرة النارية على مدار الساعة.