إسرائيل دولة التمييز العنصري الأخيرة في العالم
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- من السائد الاعتقاد أن فكرة الدولتين لا تحظى قط بتأييد جماهيري واسع النطاق في إسرائيل بسبب استمرار "الإرهاب" الفلسطيني منذ اتفاقات أوسلو حتى أيامنا هذه. لكن الحقيقة هي أنه في السنوات الأولى لمشروع الاحتلال والاستيطان، الفترة التي كان فيها الإسرائيليون يزورون أسواق غزة من دون إزعاج، والتي يحنّ اليها الرومانسيون من أنصار الدولة الثنائية القومية، فإن الفكرة التي ستضع حداً لاحتلال شعب لشعب آخر لم تشغل أغلبية الإسرائيليين. والسبب الحقيقي لذلك كان ولا يزال ناجماً عن حقيقة أن استمرار السيطرة المباشرة، أو غير المباشرة، على الشعب الفلسطيني، لم يكبّد الإسرائيليين أثماناً باهظة.
- زيادة على ذلك، إذا كان استمرار "الإرهاب" الفلسطيني في العقود الثلاثة الأخيرة ساهم في الإحجام الإسرائيلي عن فكرة الدولتين، فإن هذا حدث بسبب عمى إدراكي تراجيدي - كوميدي عانى جرّاءه الإسرائيليون في فترة ما بعد أوسلو. ففي نظرهم، خلقت اتفاقات أوسلو واقع الدولتين، عملياً، وبعد الانفصال عن قطاع غزة، خلقت واقع ثلاث دول. لكن هذا "الواقع" لم يمنع "الإرهاب"، بل بالعكس، شجّع على ظهوره.
- لقد تعزز لدى كثيرين من الإسرائيليين الإدراك أن من بين التداعيات العملية لاتفاقات أوسلو وجود وسائل السيطرة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني إلى حين التصديق، في نهاية المطاف، على التفوق اليهودي بين النهر والبحر. كذلك، تعزز فهمهم أن هذا الوضع المشوه للأمور، الذي كان ولا يزال من العوامل المركزية لـ"الإرهاب" الفلسطيني، هو النقيض لنموذج الدولتين القوميتين المستقلتين، النموذج الذي لم يجرِ تجريبه قط هنا.
- في مواجهة هذا كله، فإن الدفع قدماً بمشروع ضم مناطق في الضفة الغربية وشمال غزة، والذي تسعى له الحكومة الكهانية – البيبية [نسبة إلى بنيامين نتنياهو] الحالية، يمكن أن يؤدي إلى تغيير جذري في الوعي وسط الإسرائيليين، وأن يزرع في عقولهم فكرة نموذج حل الدولتين، الذي لا يزال قابلاً للتطبيق على الأرض، وخاضعاً للرغبة المتبادلة من الطرفين، وأن هذه الفكرة هي السبيل الوحيد لضمان الوجود السياسي والأمني لإسرائيل كدولة قابلة للحياة.
- أولاً، سيخلق الضم دولة جديدة بين النهر والبحر، هويتها كدولة تمييز لا لبس فيها. لأنه لا يمكن أن يخطر لأيّ شخص في دولة التمييز اليهودي منح الجنسية حتى لعدد قليل من ملايين الفلسطينيين من سنة 1967. ونتيجة لذلك، من المرجح خلال وقت قصير أن تسقط كل السدود السياسية دفعة واحدة، وأن يغمر تسونامي المقاطعة والعقوبات الدولية دولة الأبارتهايد اليهودية من كل الاتجاهات. وستكون حياة الإسرائيليين أقل احتمالاً، وسيصل الاقتصاد إلى حافة الانهيار، وربما نتيجة ذلك، سيبدأ مزيد من الإسرائيليين بالتفكير جدياً في خيار تقسيم إسرائيل.
- إن تعميق الاضطهاد القومي للفلسطينيين جرّاء الضم سيزيد في حدة المقاومة الفلسطينية للقمع الإسرائيلي، ومعنى هذا أن موجات "الإرهاب" ستبلغ ذروات جديدة. وهذا يمكن أن يفتح أعين الإسرائيليين على العلاقة التي تربط ما بين النضال القومي الفلسطيني "الإرهابي" وبين دولة الأبارتهايد، ويدفعهم إلى تبنّي موقف إيجابي حيال حل الدولتين.
- وفي نظرة تحليلية باردة، إن مؤيدي حل الدولتين ليسوا بحاجة إلى الخوف من الضم. ففي الحقيقة، وعلى الرغم من التناقض الذي قد يبدو عليه الأمر، فإن السبيل إلى خلاص الشعبين في البلد من عناق الموت للاحتلال، وللخاضعين له، مضطر إلى المرور في جهنم "السياديين".
- بناءً على ذلك، يتعين على بقايا اليسار الإسرائيلي النضال بكل قوة ضد وهْم الضم لسببين: السبب الأول، لأن تحقيق هذه الرؤيا سيزيد في الألم ومعاناة السكان الذين يسكنون ما بين النهر والبحر بصورة غير مسبوقة. حتى لو كان من الواضح أنه من الدمار والخراب، ستظهر حقيقة الشعبين، لكن المنطق والعقل يفرضان عدم التضحية بالحاضر على مذبح المستقبل.
- السبب الثاني، الصراع الأيديولوجي والشعبي ضد النظرية العنصرية القومية الكهانية، والتي يشكل ضم المناطق وجهها الإجرامي، هو بحاجة اليوم إلى الاقلية اليسارية - الصهيونية من أجل صوغ سردية قومية - ليبرالية قديمة - جديدة. هذه السردية هي التي سيُبنى عليها أساس المجتمع الإسرائيلي الليبرالي النموذجي، بعد انهيار دولة التمييز العنصري الأخيرة في العالم.