هذه إشارة إلى تغيُّر الشرق الأوسط بأسره. حزب الله عالقٌ من دون الأسد
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- قد تصبح الأحداث التاريخية في سورية أخباراً جيدة لإسرائيل. ففكرة "أنشوطة النار" التي نشأت في أوساط إيران، انهارت فعلياً، ومعها النظام السوري الذي شكّل عنصراً رابطاً في محور الوكلاء الذي بنته طهران على مدار عقود، بعد بذل جهود هائلة. والآن، قد تتطور في سورية سيناريوهات مختلفة، إيجابية أو سلبية، بدرجات متفاوتة، بالنسبة إلى إسرائيل.
- وإلى أن تتضح الصورة، لا ينبغي لإسرائيل التدخل بشكل مباشر في التطورات في سورية، باستثناء مواجهة التهديدات الكبيرة المحتملة، وتصميم الدفاعات على الحدود، وتحديد "قواعد اللعبة" مع الجيران الجدد. وعلى إسرائيل التركيز على تهيئة الأرضية للفرص الكبيرة المطروحة على الطاولة.
- هذا الانهيار السريع للنظام السوري يمثل حدثاً دراماتيكياً آخر، ربما لن يكون الأخير في سلسلة الخضّات الاستراتيجية في الشرق الأوسط منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. لقد تغيّرت المنطقة التي كنا نعرفها بشكل جذري، وبصورة خاصة في الأشهر الأخيرة، نتيجة الضربة القاسية التي تعرضت لها حركة "حماس" في غزة، والضربة التي تلقاها حزب الله في لبنان، ومعرفة إيران بالثمن الباهظ الذي قد تدفعه إذا ما عادت إلى مهاجمة إسرائيل.
- أمّا الآن، بعد أن وصلت تداعيات الزلزال إلى سورية، مع انهيار النظام الذي تبيّن أنه أضعف عسكرياً وأكثر خواءً من الناحية المعنوية مما كنا نعتقد، لقد انتهى الحكم العسكري للنظام الطائفي الذي أسسه حافظ الأسد رسمياً قبل 54 عاماً.
- يشكّل سقوط النظام في سورية ضربة إضافية ساحقة لمحور المقاومة الإقليمي بقيادة إيران، ويحطم الفكرة الاستراتيجية التي وضعها قاسم سليماني، والحاج محسن، ويحيى السنوار، والمتمثلة في إحاطة إسرائيل بـ"أنشوطة النار" واستنزافها عبر توحيد ساحات القتال، حتى تدميرها. فبعد سلسلة الضربات التي تلقتها إيران ومنظومة وكلائها في المنطقة، خسر المحور الآن ساحة أُخرى ذات أهمية جغرافية ولوجستية واستراتيجية حاسمة، بالنسبة إلى إيران، باعتبارها امتداداً جغرافياً يصلها بالبحر المتوسط، وجبهة مباشرة ضد إسرائيل، وممراً ضرورياً لإعادة بناء القوة العسكرية لحزب الله في لبنان.
- في المدى القريب، هذه الأخبار جيدة، بالنسبة إلى إسرائيل. أمّا في المدى البعيد، فقد يفرض الواقع الجديد في سورية تحديات كبيرة أمامنا.
- تطغي الفرص الكامنة في انهيار النظام السوري، من حيث المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية، على مخاطر هذا الانهيار. فمع سيطرة المتمردين، تم فعلياً قطع المحاور البرية والجوية الواصلة بين إيران وسورية، وصولاً إلى لبنان. في هذا السياق، من المتوقع أن يتوقف مسار إعادة ترميم حزب الله عسكرياً، بعد الحرب مع إسرائيل، وستُضطر قدراته المتبقية إلى التوجه نحو مواجهة التهديد السنّي القادم من سورية وحماية نفسه داخلياً. في ظل هذه الظروف، تزداد احتمالية أن يساهم الاتفاق، الذي تم التوصل إليه مؤخراً مع لبنان، في كبح جماح حزب الله في المدى الطويل، وتتوسع حرية إسرائيل في فرض تنفيذه.
- لقد اتضح أن "محور المقاومة" في المنطقة ليس سوى "حائط مائل"، بعد أن قررت إيران وروسيا عدم محاولة إنقاذ النظام السوري، وفرّتا من سورية، ويُفترض أن يُعتبر ما جرى خيانة من حلفائه. وعلى النقيض من ذلك، وقفت الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل في لحظاتها الصعبة بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر. هذه الظروف مؤاتية لترامب في الشرق الأوسط، إذا ما قرر محاولة تشكيل المنطقة، بدلاً من الانفصال عنها.
وعلى المستوى الأبعد، يمكننا أن نقوم
بترسيم بضعة سيناريوهات متعلقة بسورية:
- سيناريو متفائل: يتمثل في نجاح المتمردين السنّة في استقرار الدولة، مع الحفاظ على استمرار وجود الحكم الذاتي الطائفي داخل حدودها. توجد إشارات إيجابية أولية في هذا الاتجاه: فهناك النهج المرن والدهاء السياسي الذي تبناه المتمردون، وهو ما مكنهم من السيطرة على الدولة من دون مقاومة تُذكر؛ وهناك تجنُّبهم، حتى الآن، "حمام دم"، أو أعمالاً وحشية قاسية، مثلما فعل تنظيم "داعش" في السابق؛ و"هجوم الابتسامات" الذي قاده زعيمهم، الجولاني، في مقابلة مع الـCNN، حيث تعهد حماية الأقليات في سورية. هذا السيناريو سيتيح أيضاً بدء تدفُّق المساعدات وإعادة إعمار سورية، بعد الأضرار التي بلغت عشرات مليارات الدولارات في بنيتها التحتية واقتصادها المتدهور.
- سيناريو ليبي: يتمثل في فقدان الجولاني السيطرة على تحالف المتمردين، وهو ما يؤدي إلى تفكُّكه. فتبدأ الفصائل والطوائف المتعددة في سورية بفرض قوانينها الخاصة، وتشن حملات انتقام دموية، وتتصارع فيما بينها. قد يحاول المتمردون إقامة دولة إسلامية في سورية تستند إلى الشريعة، على غرار طالبان في أفغانستان، أو بشكل أقل تطرفاً، استناداً إلى أيديولوجيا حركة "الإخوان المسلمين"، التي كان لها نفوذ واسع في سورية سابقاً. في ظل هذا السيناريو، من المحتمل أن تدعم تركيا النظام الجديد، وربما قطر، وهو ما قد يشكل تهديداً للأردن، وإسرائيل، واستقرار لبنان، ويزيد في التحديات الداخلية في دول الخليج.
ما الذي يجب أن تفعله إسرائيل؟
- ما دام الوضع في سورية لم يستقر بعد، ولم يتضح السيناريو (أو خليط السيناريوهات) الذي في قيد التشكل هناك، على إسرائيل تجنُّب التدخل المباشر. باستثناء مواجهة التهديدات الكبيرة المحتملة، ومنع استيلاء الجهات الجهادية على قدرات عسكرية لا ينبغي السماح لها بالسيطرة عليها، والعمل على بناء الدفاعات على الحدود، وترسيم "قواعد اللعبة" مع القوى الجديدة في سورية. في الوقت نفسه، يجب أن تركز إسرائيل على تهيئة الأرضية، وخاصة مع إدارة ترامب، لاستغلال الفرص الكبيرة التي فُتحت أمام إسرائيل والولايات المتحدة وشركائهما في المنطقة إلى أقصى حد.
- على المستوى المباشر، بدأت إسرائيل فعلاً بتعزيز دفاعاتها الحدودية مع سورية في هضبة الجولان، مع احتلال الجانب السوري من جبل الشيخ والمناطق الفاصلة داخل الأراضي السورية، وهي المناطق التي أُنشئت في إطار اتفاقيات فصل القوات، بعد حرب "يوم الغفران"، من أجل الحؤول دون وصول جهات إرهابية إلى حدودها. إن الحفاظ على المنطقة العازلة نظيفة من قوات الجيش هو درس مهم مستقى من ترسّخ قوات النخبة والرضوان على حدودنا في غزة والشمال على مدار السنوات الماضية.
- الآن، تقوم إسرائيل، فعلاً، بمهاجمة وتدمير الأسلحة الكيميائية المتبقية في سورية، بالإضافة إلى منظومات الدفاع الجوي ومصانع إنتاج الأسلحة المتطورة التابعة للنظام. وعلى الرغم من أنه من الضروري مواجهة المواد الكيميائية الحربية في سورية، فإنه لا ينبغي المبالغة في التهديد الذي تشكّله على إسرائيل. لقد تم تدمير معظم مخزون الأسلحة الكيميائية، أو إخراجه من سورية، في سنة 2013، وقدرة المتمردين على السيطرة على عمليات الإعداد والتشغيل المعقدة لهذه الأسلحة محدودة. في أيّ حال، تتمتع إسرائيل بحُرية حركة كاملة في سورية، وستكون قادرة على تدمير أيّ تهديد، بما في ذلك قدرات عسكرية إضافية، مثل صواريخ أرض-أرض، وطائرات قتالية تابعة لسلاح الجو السوري، ومستودعات ذخيرة وصواريخ.
- في موازاة ذلك، يجب على إسرائيل إعادة إحياء علاقات "حُسن الجوار" مع الجهات السنّية المحلية على الجانب الآخر من الحدود (مثلما جرى في ذروة الحرب الأهلية السورية خلال العقد الماضي وحتى صيف 2018) وتعزيز الشركاء المعتدلين في سورية، وعلى رأسهم الطائفة الدرزية والأكراد.
- فيما يتعلق بسورية نفسها، لإسرائيل مصلحة في نشوء فيدرالية، أو كونفدرالية تكون أطرافها متوازنة فيما بينها: الأكراد في الشمال، تحت رعاية الولايات المتحدة؛ السنّة في الشمال الغربي والوسط، تحت رعاية تركيا؛ العلويون في منطقة الساحل تحت رعاية روسيا؛ والدروز والسنّة المعتدلون في الجنوب بارتباط قوي مع الأردن، وبرعاية إسرائيلية-أميركية.
- بالإضافة إلى ذلك، يجب على إسرائيل وضع خطة شاملة للتعاون ودعم حليفها الأردن واستقرار الحكم في عمّان، في ظل الهزات التي تشهدها سورية، والتي قد تمتد إلى داخل حدود المملكة. يُعد أمن حدود الأردن ذا أهمية كبيرة في منع تدفّق الأسلحة والذخيرة إلى "يهودا والسامرة" [الضفة الغربية].
ظروف مريحة للتوصل إلى حلّ على جميع الجبهات:
- على المستوى الاستراتيجي، ومع ازدياد ضُعف المحور الذي تقوده إيران، بعد خسارتها سورية، تراجعت حركة "حماس" إلى أسفل القائمة، بعد انقطاع الصلة بين غزة ولبنان، وأظهرت مزيداً من الإشارات إلى الاهتمام بصفقة تبادُل. يجب على إسرائيل استغلال ضُعف "حماس" وازدياد عزلتها لتحقيق أولويتها العليا التي تتصدر الأجندة الوطنية، وهي استعادة جميع المختطفين في أسرع وقت ممكن، عبر صفقة.
- إن إنهاء الحرب في غزة، بعد فترة طويلة من انتهاء العمليات العسكرية الرئيسية هناك، يصبّ في مصلحة إسرائيل الاستراتيجية الأوسع في المنطقة. وهذا سيمكّن إسرائيل من "تنظيف الطاولة"، استعداداً لدخول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، وتركيز الحوار معه على مواجهة التهديد الأكثر أهميةً بالنسبة إلينا، وهو برنامج إيران النووي. يبدو أننا ندخل فترة حساسة في مسألة البرنامج النووي الإيراني، بعد أن فقدت إيران أهم أدوات الردع والتأثير الرئيسية في الساحة الإقليمية، وقد تسعى لتعويض ذلك من خلال الساحة النووية.
- يعلن فريق ترامب أنه ابتداءً من "اليوم الأول" لتولّيه المنصب، سيفرض "أقصى الضغوط" على إيران لتجفيف مواردها المخصصة لـ"الإرهاب"، والصواريخ والبرنامج النووي، ودفعها إلى العودة إلى اتفاق نووي محسّن. سيتعين على إسرائيل تذكير ترامب بأنه من دون تهديد عسكري موثوق به تجاه إيران، سواء من الجانب الأميركي، أو الإسرائيلي، والاستعداد لاستخدامه، فإن الضغوط الاقتصادية على طهران لن تنجح، مثلما حدث خلال ولايته الأولى.
- يبدو أن انهيار النظام السوري يخلق ظروفاً أكثر ملاءمةً أيضاً في سياق التطبيع. يخشى قادة الدول العربية من أن الأحداث الدراماتيكية في سورية قد تُلهم الإخوان المسلمين، فيرفعون رؤوسهم داخل دولهم وتهديد أنظمتهم. في ظل هذه الظروف، تزداد "أسهم" إسرائيل وقيمتها، وكذلك الاهتمام بتحالفات إقليمية تحقق الاستقرار. هذه القضية الإضافية يجب على إسرائيل أن تسعى لتحقيق أقصى قدر من التنسيق بشأنها مع إدارة ترامب، بهدف الدفع بنظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط.
- وأخيراً، يتوجب على إسرائيل أن تتوقع مزيداً من المفاجآت. فنحن لا نزال في خضم زلزال إقليمي، ومثلما هي الحال مع أيّ تغيُّر تكتوني، يجب علينا الاستعداد لـ"هزات ارتدادية" وصدمات إضافية. ليس فقط في الدول العربية المعتدلة، بل أيضاً في إيران، حيث النظام مكروه من أغلبية الشعب، ويعيش حالة ضعف؛ وفي لبنان، حيث يمكن أن تعود مسألة نزع سلاح حزب الله إلى الواجهة مجدداً، بعد الكارثة الإضافية التي جلبها التنظيم على دولة الأرز.