الصراع من أجل إنهاء الحرب في غزة وعقد صفقة مخطوفين هو أيضاً صراع من أجل الديمقراطية
تاريخ المقال
المصدر
- لقد كان نتنياهو مستعداً فجأة لوقف إطلاق النار في الشمال، بعد أن رفض، طوال أشهر، نقل ثقل الحرب إلى الشمال من أجل إخضاع حزب الله. أمّا في الجنوب، فما زال مصراً على استمرار الحرب التي ستزيد في الضغط على "حماس" وتدفع قدماً بتحرير المخطوفين، أي أنه يمدد الحرب في غزة من دون أن تبدو نهاية في الأفق، ومن خلال التخلي، تحديداً عن المخطوفين. أمّا في مواجهة إيران، فيواصل الخطاب الحازم ضد البرنامج النووي الإيراني من دون أن يتخذ أيّ خطوة عملية للتصدي له. كيف نفسّر هذا كله؟
- إن أيّ سياسة للشؤون الخارجية والأمنية هي استمرار للسياسة في الشؤون الداخلية، أي إن العلاقة بين الشؤون الداخلية والاجتماعية والاقتصادية، والشؤون الخارجية هي علاقة وثيقة. إذ تتحول الخلافات والصراعات الداخلية دائماً إلى صراعات في الموضوعات الأمنية والخارجية.
- المفتاح من أجل فهم كل تحركات نتنياهو هو خطته المتعددة السنوات التي يشاركه فيها مسؤولون كبار في الليكود، وفي أحزاب الائتلاف، من أجل إقامة نظام ديكتاتوري. الكلام الذي قاله وزير الاتصالات شلومو كرعي في 24 نوفمبر 2024، قبل أيام من الموافقة على وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، هو دليل آخر على وجود مثل هذه الخطة، إذ قال: "نحن ممثلو الشعب نستطيع أن نغيّر الدستور، إذا شئنا..."
- لقد جرى توجيه هذه الخطة منذ سنوات كثيرة مع تقدّم وتراجُع. "الانقلاب الدستوري" الذي بدأ في كانون الثاني/يناير 2023 من خلال المبادرة إلى تغيير قوانين أساس تُضعف السلطة القضائية، كان خطوة علنية وواضحة من الناحية القانونية. وكانت الخطوات الأخيرة إصدار قوانين تقضي بإلغاء هيئة الإذاعة العامة، والتحركات من أجل إقالة المستشارة القانونية للحكومة، والتي تُعتبر "معارِضة" لرئيس الحكومة، كأن المقصود حكومة ديمقراطية شرعية، وليس حكومة تريد إقامة نظام ديكتاتوري.
- تنحو الأنظمة الديكتاتورية بصورة عامة إلى خلق أعداء لها لكي تكون في نزاع دائم معهم. فالنزاع يؤدي إلى استمرار التعبئة العسكرية والمدنية للناس من أجل المجهود الحربي، ويصبح من الصعب عليهم الدفاع عن حريتهم. هذه هي الطريقة التي تجري بواسطتها عرقلة التطورات الديمقراطية. ودولة الرفاه التي تشكل الأساس الاجتماعي - الاقتصادي للديمقراطية، تتقلص بصورة كبيرة. وهذا ما قام ويقوم به نتنياهو.
- لقد ألحق نتنياهو الضرر بدولة الرفاه باستمرار، وهو يُلحق الضرر بها اليوم أيضاً بذرائع الحرب. بدأت الأبعاد السياسية والأمنية لخطته تتحقق منذ عودته إلى السلطة في سنة 2009، وظهرت من خلال 3 أمور: تعزيز مدروس لـ"حماس" بذرائع مختلفة؛ منح حزب الله حرية التمدد في جنوبي نهر الليطاني، بعكس ما نص عليه القرار 1701؛ وتسريع التسلح النووي الإيراني.
- لقد دفع بخطته قدماً بالتدريج، بالتنسيق مع وزراء الدفاع الذين خدموا إلى جانبه. ووصل مسار تعزيز قوة "حماس" الى الذروة مع "حقائب المال" القطرية التي انتقلت إليها من أجل السماح لها بالتسلح وإقامة إمبراطورية الأنفاق. وكانت مهمة "حماس" إطلاق الصواريخ والقذائف على إسرائيل من وقت إلى آخر، والمبادرة إلى عمليات من أجل منع تقدُّم المنطقة نحو السلام. إن عدم وجود أيّ عمل للقضاء على "حماس" ومنع اغتيال قيادتها، وُضعا ضمن إطار سياسة "الاحتواء". وخُدع رؤساء الأذرع الأمنية بهذه السياسة وتبنّوها. وكانت سياسة محسوبة للصراع.
- أمّا مهمة حزب الله الذي مُنح حرية بناء إمبراطورية "إرهابية" في المواقع المتقدمة في جنوبي الليطاني، فكانت خلق تهديد كبير للجبهة الداخلية الإسرائيلية، تردع إسرائيل عن العمل ضد البرنامج النووي الإيراني. لقد سمح نتنياهو بذلك عن قصد، وعمل من أجل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، الأمر الذي أدى، حسبما توقّع الخبراء، إلى التقدم السريع لإيران نحو القنبلة النووية. واليوم، أصبحت إيران دولة على عتبة النووي. وباسم سياسة أُخرى، دفع نتنياهو قدماً بسياسة مخالِفة، وهذا درس في المكيافيلية.
- السباق النووي مع إيران، الذي مع زيادة احتدامه، سيطلب نتنياهو التخلي عن سياسة الغموض النووية الإسرائيلية، يمكن أن يدفع بالمنطقة بأكملها إلى سباق على التسلح النووي، وتحويل المنطقة عن مسار التقدم نحو السلام والديمقراطية.
- يتعاون حكام الأنظمة الديكتاتورية مع بعضهم البعض على الرغم من عداواتهم، فهُم حلفاء في السر في الصراع ضد التقدم والحرية. والجهات المحافظة في إيران ونتنياهو حلفاء في السر.
- صحيح أن الجيش والأذرع الأمنية ووزير الدفاع خُدعوا في 7 أكتوبر 2023، ولم يتوقعوا هجوم "حماس"، لكنهم أيضاً لم يكونوا ليتوقعوا هجوم حزب الله على الجليل في ذلك النهار، لو حدث، نظراً إلى احتفاظهم بقوات كبيرة في الضفة الغربية. المفاجأة خدمت نتنياهو من خلال كبح مساعي السلام مع السعودية، أو الدفع قدماً بالسلام مع الفلسطينيين على أساس حل "دولتين لشعبين".
- الحرب المستمرة تخدم نظام نتنياهو الديكتاتوري وحلفاءه في الحكومة. لكن يوجد فخ في الحرب المستمرة التي يدفع بها نتنياهو قدماً، ألا وهو القوة الكبيرة للجيش الإسرائيلي. لقد تلقّت "حماس" وحزب الله ضربات قاسية جداً من الجيش الإسرائيلي، بحيث نشأ "خطر" عدم إمكانية الاستمرار في استخدامهما كأعداء.
- لقد قرر نتنياهو إعطاء حزب الله استراحة من أجل أن يتعافى ويسترجع قواه من جديد، ولكي يكون، مرة أُخرى، قوة لحماية البرنامج النووي الإيراني، ولتبادل الضربات مع إسرائيل. فاستغل هذه الحاجة خصوم نتنياهو في الغرب، وعلى رأسهم بايدن، للدفع قدماً بالاتفاق الذي ينطوي على فرص كبيرة لمنع التعافي الكامل لحزب الله. لكن ثمة تخوّف من أن يبذل نتنياهو كل شيء، بعكس تصريحاته، لكي تخرق إسرائيل الاتفاق (ورد في مقال سرّي أن نتنياهو كان يفضّل عدم سقوط النظام السوري المدعوم من حزب الله، لأن هذا التحالف شكّل عاملاً منظماً وقوياً جداً في المواجهة مع إسرائيل التي يمكن أن تتطور إلى مواجهة نووية).
- بقيت جبهة أخرى في مواجهة نتنياهو، يجب أن تستمر الحرب فيها، لمنع أيّ عودة إلى مسار التسوية مع الفلسطينيين والسلام الإقليمي، وفي مركزه السلام بين السعودية وإسرائيل، أي الحرب ضد "حماس". نتنياهو لا ينوي إنهاءها، لأن معنى إنهاء الحرب واستعادة المخطوفين نهاية الخطة لبناء نظام ديكتاتوري، وسقوطه شخصياً.
- إن الصراع بشأن إنهاء الحرب في غزة والتوصل إلى صفقة مخطوفين هو أيضاً صراع من أجل الديمقراطية.