الأكراد في سورية يمدون يدهم إلى إسرائيل، يجب ألّا نفوّت اللحظة
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- جماعة واحدة في سورية، هي في الواقع شعب، تشكل احتمالاً لتحالف حقيقي مع إسرائيل: إنهم الأكراد. هذه الجماعة تتعرض لخطر وجودي الآن، جرّاء هجوم محتمل للجهاديين الذين يعملون تحت حماية تركيا. ومن الأجدى بإسرائيل ألّا تكتفي بالكلام والوعود فقط، وأن تقدم لهم المساعدة فعلاً.
- حتى قبل سقوط النظام السوري، وعندما كان من الواضح أن نهايته باتت قريبة، وستحل مكانه فصائل جهادية، طلب الأكراد التعاون مع إسرائيل، مثلما فعلوا طوال عشرات السنوات. كان في إسرائيل مَن أوضحوا لماذا يجب عدم التقرب منهم، وتحدثوا باسم المصلحة الوطنية التي تفرض عدم إغضاب الرئيس التركي. هؤلاء كانت المصلحة الشخصية هي التي توجههم، إذ يوجد بين الذين يقومون بصوغ السياسة في إسرائيل مَن لديهم صفقات مع تركيا، وبالنسبة إليهم، يجب عدم إلحاق الضرر بالأعمال، حتى لو كان ذلك على حساب بقاء الشعب الذي يشاركنا مصيراً تاريخياً مشابهاً، ولديه الأعداء أنفسهم، ويمكن أن يشكل حليفاً حقيقياً في أكثر المناطق عداءً لإسرائيل في الشرق الأوسط.
- الأكراد هم أكبر شعب في العالم ليس لديه وطن، إذ يبلغ عدده 35 مليون نسمة. لقد قسّمهم اتفاق سايكس بيكو ووزعهم على أربع دول: سورية والعراق وإيران وتركيا. وقامت أنظمة هذه الدول بقمعهم وتدميرهم؛ هي كانت تعرف العزيمة الكردية (صلاح الدين، المحارب المسلم الأكبر في التاريخ، كان كردياً)، لذلك، لم تسمح للأكراد بفرصة للتطور.
- في ظل الثوارت في العالم العربي، نجح الأكراد في تحقيق كيان ذاتي في شمال سورية والعراق؛ وحتى الآن، هم يحاذرون من تسمية هذه المناطق بالدولة، ويتناقشون بشأن تعريفها. في سورية، حققوا حكماً ذاتياً، أو دولة، من دون تسميتها دولة، علناً، في الشمال الشرقي لسورية، بين دجلة والفرات، وذلك على أرض تشكل نحو 30% من الأراضي السورية، أي ما يساوي ثلاثة أضعاف مساحة إسرائيل تقريباً. وعندما حققوا هذا الإنجاز الكبير، دعم العالم نضالهم. وعندما هرب الجميع من محاربة "داعش"، كانوا الوحيدين الذين قاتلوا التنظيم وهزموه. وتوجد في أراضيهم مساواة مطلقة بين النساء والرجال في العمل العسكري، وفي الحياة المدنية.
- إن أعداء الأكراد هم أعداء إسرائيل (إيران وحزب الله وبشار الأسد والجهاديون الإسلاميون وأردوغان)؛ بالنسبة إلى الأكراد، إسرائيل هي النموذج. يدرس الأكراد تاريخ إسرائيل والفلسفة اليهودية في الجبال، وفي الغابات في العراق، على الحدود مع إيران، وفي سهول سورية، في الجبهة في مواجهة الجهاديين من "داعش" والقاعدة، ليس حباً بإسرائيل، بل لأن الشعبين، في نظرهم، يواجهان مصيراً واحداً. وفي رأيهم، إن اليهود، شأنهم شأن الأكراد، شهدوا إبادة جماعية، ونجحوا في النهوض من "المحرقة"، وإقامة دولة، وهذا ما يعيشه الأكراد، وما يطمحون إليه.
- هناك عبارة مأثورة للأكراد تلخص نضالهم: "أصدقاؤنا الوحيدون هم الجبال"... كل الذين غامروا في الماضي بمساعدتهم، خانوهم لاحقاً، حتى إسرائيل. في سبعينيات القرن العشرين، تعاونت إسرائيل معهم في مواجهة أعداء مشتركين، لكنها تخلت عنهم لاحقاً، وزوّد الإسرائيليون تركيا بمسيّرات استخدمتها لقتلهم، وساعدتها على تسليم قادة أكراد.
- ما من أحد يقول إنه يجب علينا الدخول في الوحل السوري، أو تحدّي تركيا. يمكننا أن نزوّد الأكراد بمنظومات مضادة للمسيّرات التركية والجهادية. ويمكننا استخدام اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس من أجل العمل على وقف النار، أو إقناع الأميركيين بالبقاء في شمال سورية وعدم التخلي عن الأكراد مع استلام دونالد ترامب منصب الرئاسة، ويمكن فعل الكثير في المجالات الاستخباراتية والسيبرانية والسلاح.
- وإذا لم تستيقظ إسرائيل، وتقيم علاقات مع الأكراد، ليس بالكلام والوعود، بل علاقة حقيقية، فإنها ستخسر حليفاً في مكان استراتيجي لإسرائيل لمصلحة الجهاديين الذين في خدمة الرئيس التركي، الذي يحلم برفع مكانة الإسلاميين في الشرق الأوسط، وبينهم حلفاؤه من "حماس".
- تجري في هذه اللحظات كتابة تاريخ سورية. إن سقوط النظام السوري أمر رائع، لكن الواقع ليس أن الأشرار رحلوا وجاء الطيبون. فالعديد من الجهاديين الذين سيطروا على سورية من قدامى المحاربين في "داعش" والقاعدة، مثل زعيمهم أبو محمد الجولاني.
- هم يصرّحون بأنهم تغيروا، كلا، لا يمكن لإسرائيل البناء على ذلك. أصدقاؤنا الحقيقيون هم الأكراد الذين تعاونت إسرائيل معهم في الماضي، وموجودون الآن في شمال سورية وشرق العراق على الحدود مع إيران، لقد دخلوا اليوم في حرب بقاء ستحسم صورة سورية الجديدة، وأتمنى ألّا تفوّت إسرائيل هذه اللحظة.