فصول من كتاب دليل اسرائيل
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منشغل، قبل كل شيء، بترسيم صورته العامة. فهوَس الرجل بالسيطرة على صورته أمام الجمهور هو ما قاده إلى قفص الاتهام، وهي ما يقف في قلب شهادته في قضايا الفساد الثلاث التي يُتهم بها. نتنياهو ليس عفوياً قط؛ فكلّ صورة ومقطع فيديو له يتم إخراجهما بدقة وتنظيم، ويمكن أن نقسم هذه الصور إلى ثلاثة أنماط: ارتداؤه ربطة عنق زرقاء في مكتبه، وفي المحكمة المركزية، وارتداؤه ربطة عنق حمراء خلال اجتماعاته بالساسة الجمهوريين الأميركيين، وأخيراً، ارتداؤه سترة من طراز "Uniqlo" خلال جولاته مع الجيش.
- أخيراً، تمكن نتنياهو، خلال الأسبوعين الماضيين، من العثور على صورة المنتصر التي بحث عنها، عبثاً، منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر: إنها صورة رفع العلم الإسرائيلي فوق قمة جبل الشيخ السوري. لقد تحولت الهزيمة الفادحة التي ألحقتها حركة "حماس" بإسرائيل في خريف العام الماضي إلى نشوة تذكّر بنشوة حرب الأيام الستة. فإسرائيل لم تنتصر هنا فقط على "حماس"، وحزب الله، وسورية، بل أيضاً قصفت اليمن وإيران، واحتلت أراضيَ جديدة في الجولان من دون مقاومة، أو خسائر إسرائيلية، ومن دون أن يتسبب الجيش الإسرائيلي بقتل ودمار يثيران انتقادات دولية.
- لا يمكن لمخرج مثل نتنياهو أن يفوّت فرص التقاط الصور الجديدة، لذا، طار إلى قمة جبل الشيخ، أمس، ليرتدي سترة واقية، ويعلن من هناك أن الأرض ستبقى في يد إسرائيل "إلى أن يتم العثور على تسوية أُخرى" (بمعنى: إلى الأبد، أو بحسب تعبيره: "نحن الذين سنحدد ما هي التسوية الأفضل"). في الأسبوع الماضي، التُقطت صور لنتنياهو في مرتفعات الجولان، بالقرب من الحدود السابقة، لكن هذا لم يكن مثيراً للإعجاب، مثل زيارته لأعلى نقطة في الجبل، تلك النقطة التي أصبحت الآن تحت السيطرة الإسرائيلية.
- هذا التركيز الإعلامي المفرط على حضور نتنياهو في الشمال يصبح بارزاً بشكل خاص، مقارنةً بالأماكن التي امتنع نتنياهو من الظهور فيها، مثل كيبوتس "نير عوز" الذي تُرك من دون حماية في 7 تشرين الأول/أكتوبر. إذ لا يزال العديد من سكان هذا الكيبوتس، حتى الآن، رهائن في غزة، في حين قُتل كثيرون منهم، ولا يزال مَن تبقى من سكان الكيبوتس يكافحون لإعادة بناء حياتهم ومجتمعهم. إن صورة المنازل المحترقة في الكيبوتس لا يمكنها أن تكون خلفية جيدة لصورة قائد يريد أن يُظهر نفسه منتصراً. فمثل هذه الخلفية قد تذكّر بمسؤوليته عن الكارثة التي حلّت بمستوطنات "الغلاف"، ومحاولاته المستمرة التهرب منها، حتى لو كان ذلك إلى قمة جبل الشيخ.
- نتنياهو ليس وحيداً في سعيه لالتقاط الصور في رأس الجبل، طبعاً. فقادة المنظومة الأمنية أيضاً يفضلون الظهور في جبل الشيخ والتباهي بكميات الذخائر التي دُمرت في سورية، قبل أن تُنشر تحقيقات عن أدائهم قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر وخلاله. إنها "هجمة وقائية"، بحسب الجيش الإسرائيلي، وتعاوُن ما بين الفروع ورئيس الوزراء الذي أصبح، فجأة، يتودد إليهم، بدلاً من مهاجمتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي[1].
- هذا الأمر يمكن تفهّم بواعثه: فإلى جانب الحاجة المؤلمة لنتنياهو وقادة منظومة الأمن إلى طمس كارثة 7 تشرين الأول/أكتوبر، فإن احتلال جبل الشيخ السوري مناسب أيضاً للعلاقة الهوسية التي تربط إسرائيل بجارتها الشمالية منذ قيام الدولة: إن جذور هذه العلاقة تمتد إلى عهد التوراة ("على جرائم دمشق الثلاث"[2]). لقد اعتُبرت سورية، منذ عام 1948، العدو الأكثر وحشيةً، والأكثر خطورةً على إسرائيل، ثم لاحقاً: اعتُبرت جاراً موثوقاً به، وطامحاً إلى الاستقرار، أو شريكاً في مفاوضات السلام.
- يمتلئ إرث الحرب الإسرائيلية بقصص المواجهات مع سورية، بدءاً من الدبابة السورية التي تُركت في كيبوتس "دجانيا" في سنة 1948، مروراً بالقصف من الجولان على مستوطنات الوادي، ثم "حرب المياه" في ستينيات القرن الماضي، والدعم السوري لحركة "فتح" الذي أدى إلى اندلاع حرب الأيام الستة، والقصص المرعبة التي رواها الأسرى الإسرائيليون عن السجون السورية، ومعركة جبل الشيخ في سنة 1973، وتدمير الصواريخ السورية في لبنان في سنة 1982، ثم قصف المفاعل النووي السوري في سنة 2007، وصولاً إلى "المعركة بين الحروب" في العقد الأخير، حين شنّ سلاح الجو الإسرائيلي غارات لا حصر لها على الأراضي السورية.
- وفي موازاة ذلك، وبالمثل، كان إرث السلام الإسرائيلي أيضاً مليئاً بالنقاش بشأن "المسار السوري" الذي ازدهر في التسعينيات، حتى انتهى في سنة 2000. لقد حاول كلٌّ من إسحاق شامير، وإسحاق رابين، وبنيامين نتنياهو، وايهود باراك، تحقيق السلام مع الرئيس حافظ الأسد. صحيح أن الطرفين تهرّبا من التسوية، لأنهما لم يرغبا في دفع ثمنها: إذ رفضت إسرائيل الانسحاب إلى حدود 1967، وخشيَ الأسد التنازل عن موقعه المركزي في "المقاومة" ودعم روسيا وإيران. ثم حاول إيهود أولمرت ونتنياهو مرة أُخرى التوصل إلى تسوية مع ابنه بشار، إلى أن جاء الربيع العربي لكي تضع الحرب الأهلية السورية حداً لهذه المساعي.
- سيكون أمراً مثيراً، إذا ما فتح حكّام دمشق الجدد الخزينة الدبلوماسية للأسد، وكشفوا ما عرضه نتنياهو في مقابل السلام. يزعم نتنياهو أنه رفض الانسحاب من الجولان، بخلاف ما يتذكره مشاركون آخرون في المفاوضات. لكن إلى أن يتضح مدى التنازلات التي قدّمها نتنياهو، يمكن للرجل الاستمتاع بهواء القمم في جبل الشيخ السوري وعرض نفسه كمقاتل ومنتصر. ستُنشر صوره وهو يتجول على الجبل في جميع وسائل الإعلام، حتى من دون أن يضطر إلى طلب معروف من الناشرين،[3] مثلما كان يفعل، بحسب شهادته في المحاكمة.
____________
[1] على مدار الحرب، كان نتنياهو يوجّه أنصاره ووزراءه وائتلافه الحاكم، بحسب معارضي نتنياهو، إلى مهاجمة قادة الجيش والمنظومة الأمنية وتوجيه الاتهامات إليهم بالتقصير، في سعي منهم لإزاحة تهمة التقصير عن كاهل نتنياهو نفسه. وأطلقت الصحافة الإسرائيلية على منظومة نشر التهم هذه اسماً رائجاً هو "ماكينة بث السموم".
[2] إحالة إلى اقتباس مأخوذ من الكتاب المقدس العبري، وتحديداً من سفر عاموس (الإصحاح الأول، الآية الثالثة)، يقول الاقتباس "هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِ دِمَشْقَ الثَّلاَثَةِ وَالأَرْبَعَةِ لاَ أَرْجعُ عَنْهُ، لأَنَّهُمْ دَاسُوا جِلْعَادَ بِنَوَارِجَ مِنْ حَدِيدٍ". تشير هذه العبارة إلى سلسلة من النبوءات التي ينقلها النبي عاموس، والتي يدين فيها الأمم المجاورة لإسرائيل على خطاياها وجرائمها ضد الإنسانية. وفي حالة دمشق، يعبّر النص عن إدانة لأفعالها القاسية، والتي يُعتقد أنها تشمل العنف والظلم الذي مارسته ضد شعوب أُخرى، وخاصة ما يتعلق بالوحشية في الحروب. هذه العبارة تُستخدم أحياناً في السياقات الحديثة للإشارة إلى العلاقات العدائية التاريخية بين إسرائيل وسورية، وهي جزء من الخطاب الذي يربط الصراعات الحالية بجذور دينية، أو تاريخية أعمق.
[3] التهم الموجهة إلى بنيامين نتنياهو في هذا السياق تتعلق بما يُعرف باسم "القضية 2000"، وهي واحدة من قضايا الفساد الثلاث التي يُحاكم فيها. في هذه القضية، يُتهم نتنياهو بأنه أجرى مفاوضات مع أرنون موزيس، مالك صحيفة "يديعوت أحرونوت"، وعرض عليه صفقة تتضمن تقليص انتشار صحيفة "يسرائيل هيوم"، المنافِسة الرئيسية لـ"يديعوت أحرونوت"، في مقابل الحصول على تغطية إعلامية إيجابية وداعمة له في "يديعوت أحرونوت".