يبيعوننا الحكايات الحلوة؛ الحقيقة المرّة وراء صفقة المخطوفين، والتي لا يعرفها الجمهور
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

  • ظاهرياً، يقولون لنا إننا سنعود إلى القتال في غزة، بعد مرور فترة الهدنة، بعد 45 يوماً من المرحلة الأولى من صفقة المخطوفين. وقيل للمراسلين في إسرائيل إن الرئيس المنتخب دونالد ترامب "طمأن إسرائيل، وقال إن الولايات المتحدة ستدعم العودة إلى القتال، إذا خرقت حماس الاتفاق".
  • لقد جرى تبليغ المراسلين السياسيين في إسرائيل من أطراف حضرت النقاشات في الحكومة، أنه " من الممكن العودة إلى القتال، بعد انتهاء المرحلة الأولى". وهذا إنجاز دبلوماسي كبير، ففي البداية، كان مكتوباً أن الوسطاء تعهدوا عدم تجدُّد القتال، والآن، مكتوب في الاتفاق أن الدول الوسيطة ستبذل جهدها من أجل عدم تجدُّد القتال.
  • وعلى الرغم من تنازُل إسرائيل عن رصيد أساسي للحرب والسماح بعودة مليون غزّي إلى شمال القطاع، بدءاً من اليوم السابع للاتفاق، فإن الوزير سموتريتش قال إنه توصل إلى تفاهمات كاملة مع نتنياهو بشأن العودة إلى القتال. هل يمكننا تخيُّل الجيش الإسرائيلي وهو يعيد احتلال شمال القطاع ومحور نتساريم، المنطقتان اللتان كلّف احتلالهما خسائر مؤلمة؟
  • لقد أوضح نتنياهو في أحاديث داخلية التالي: "لقد حوّلنا الغزيين إلى بدو رحّل. وإذا أصدرنا الأمر، فسينزحون مرة أُخرى، مثلما نزحوا إلى رفح".  ونسمع تقديرات مشابهة من مراسلين عسكريين يقولون لنا إن شمال غزة تمت تسويته بالأرض بصورة كاملة، ومن غير الواضح على الإطلاق إلى أين سيعود الغزّيون. وأضاف أحد المعلّقين البارزين أنه بسبب الدمار الكبير، "تواجه حماس مشكلات سياسية داخلية في ترويج إنجازها لجمهورها".
  • كل هذه التقديرات ستتبدد بعد أسبوع، عندما نرى التدفق الشعبي الحقيقي. لا يوجد شيء يتطلع إليه مليون غزّي أكثر من العودة إلى مدينتهم غزة. لقد أعلنت حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله أنها حصلت فعلاً على تبرعات مالية من المنظمة العربية الدولية لإعادة إعمار فلسطين (AICOP)، وستدخل الجرافات من معبر رفح يوم الأحد، وستكون مهمتها الأولى البدء برفع الأنقاض من مدينة غزة، ومن جباليا.
  • لقد نشرت السلطة خريطة تفصيلية للبدء بالأشغال. في المقابل، أعلنت وزارة الداخلية في غزة (الخاضعة لحكم "حماس") أن عناصر "القوى الأمنية" وشرطة "حماس" سينتشرون في القطاع للمحافظة على "الأمن العام"، ومن خلال هذين البيانَين نستطيع أن نرى التعاون بين السلطة و"حماس". في الأيام الأخيرة من المفاوضات في الدوحة، جلس زهير جبران، المسؤول في "حماس" في الضفة الغربية، مع قدروة فارس، وزير الأسرى في السلطة الفلسطينية، ووضعا قائمة "القتلى" الذين سيُحرَّرون من السجون في إسرائيل.
  • أمّا في غزة، فإن تقاسُم المهمات بين السلطة الفلسطينية و"حماس" مختلف قليلاً: السلطة تجمع المال، وستضع عناصرها على معبر رفح (من دون زيّ رسمي)، بينما شرطة "حماس" ستحرص على المحافظة على الأمن في الشوارع. ومَن سمع بترتيب موقت لمدة 42 يوماً فقط، من الأجدى أن يتوقع رؤية مئات الشاحنات التي ستتدفق من مصر، عبر معبر رفح، المحمّلة، ليس فقط بالسلع الإنسانية والغذاء، بل أيضاً بعشرات الآلاف من الأكواخ الخشبية التي ستنتقل إلى شمال غزة لإيواء النازحين العائدين.
  • ليس هناك أيّ شك في أن "حماس" هي التي ستتولى إقامة هذه الأكواخ، فضلاً عن آلاف الخيام، في الأماكن القريبة من الحدود مع إسرائيل، على الأراضي الاستراتيجية في شمال القطاع: في بيت حانون وبيت لاهيا، وفي العطاطرة. وخلال 3 أسابيع، ستمتلىء المنطقة بدروع بشرية، مهمتها منع الجيش الإسرائيلي من إعادة احتلال شمال القطاع ومدينة غزة، أو جعل ذلك صعباً عليه.
  • كل ذلك يجري تحضيراً للمفاوضات بشأن المرحلة الثانية. لقد احتفظت "حماس" بالرجال الإسرائيليين الذين تسميهم "جنوداً" (على الرغم من وجود 4 جنود فقط)، ونُقل عن مبعوث ترامب ويتكوف أنه وعد "حماس"، إذا التزمت وقف إطلاق النار، فإنه سيشجع على إجراء مفاوضات مهمة بشأن المرحلة الثانية.
  • يحاول زعماؤنا تهدئة الجمهور الإسرائيلي برسائل، مثل: "في المرحلة الأولى، لن يُطلق سراح عناصر من النخبة، بل فقط الذين اعتُقلوا في غزة بعد 8/10، ولن يُطلق سراح "مخربين" من العيار الثقيل، مثل قائد "حماس" في الضفة إبراهيم حمد، أو عباس السيد، وهو من الذين خططوا للهجوم على بارك أوتيل. لكن أصحاب الأسماع الدقيقة يمكنهم معرفة ما يختبىء بين السطور في هذه الرسالة: إذا كان مهماً التشديد على عدم إطلاق هؤلاء في المرحلة الأولى، ماذا عن المرحلة الثانية؟
  • كل هذه الحقائق على الأرض تطرح مخاوف كبيرة من أنهم يبيعون الجمهور الإسرائيلي حكايات يتم من خلالها إخفاء الحقيقة المرّة التي تختبىء تحتها، وربما من الأفضل تسميتها حكايات حلوة ومرّة: من ناحية، سيبدأ المخطوفون بالعودة إلى البلد، ومن جهة أُخرى، هم يقومون بتضييعنا بصورة كاملة.
  • الدليل على ذلك يمكن العثور عليه، تحديداً، في قرار الحكومة الذي جاء فيه أن "الحكومة قررت السماح بمخطط المخطوفين الذي يتضمن شروطاً إضافية تظهر في الملحق ب... يبدأ الأطراف بالمفاوضات بشأن المرحلة الثانية من الصفقة، وفقاً للملحق ب.. المرحلة الثالثة من الصفقة ستتحقق، وفقاً لما جاء في  الملحق ب ".
  • ما الذي احتوى عليه الملحق ب الغامض؟ سؤال جيد. هو موجود في أدراج مكتب رئيس الحكومة، وليس لدى الجمهور سوى أن يتساءل، وأن ينتظر 42 يوماً لمعرفة ما إذا كنا سنعود مجدداً إلى القتال؟