"حماس" تقطف ثمار هجومها، وإسرائيل ستحقق إنجازات في ساحات أُخرى
المصدر
معهد القدس للاستراتيجيا والأمن

معهد يقدم مشورة سياسية وأمنية للقيادة الإسرائيلية، ويطرح سياسات براغماتية تهدف إلى المحافظة على أمن إسرائيل. تأسس في العام 2017. رئيسه الحالي هو إفرايم عنبار.

  • إن تطبيق اتفاق تحرير الرهائن في مقابل وقف إطلاق النار لمدة 42 يوماً، والذي من المنتظر أن يتحول إلى وقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق عدد كبير من "المخربين" الفلسطينيين المعتقلين في إسرائيل، بينهم عدد كبير من "القتَلة"، وعودة السكان الفلسطينيين إلى شمال القطاع، ودخول المساعدات الإنسانية، وتخفيف وجود الجيش الإسرائيلي في القطاع، وصولاً إلى الانسحاب من محور فيلادلفيا، وبالتالي بقاء "حماس" الجهة المسيطِرة على غزة، كل ذلك يثير مشاعر مختلطة في إسرائيل، شعور بالفرح بالعودة المنتظرة للرهائن، وشعور بالإحباط إزاء الثمن الباهظ. في المقابل، "حماس" ومؤيدوها من الفلسطينيين، وفي العالمَين العربي والإسلامي، يحتفلون ويهللون. لقد خرجت "حماس" ولديها كثير مما تريده، والأهم من أيّ شيء آخر، النجاح في ضمان استمرار حُكمها في القطاع، وإطلاق سراح "مخربين" من السجون الإسرائيلية.
  • لقد حققت إسرائيل نصف أهداف الحرب: تضررت "حماس" عسكرياً، لكن حُكمها لم يتضرر، ولا تحتوي الصفقة على أيّ شيء يضمن عدم استعادة الحركة قوتها، وعندما يحين الوقت، العودة إلى العمل ضد إسرائيل من القطاع. وفي المقابل، حققت "حماس"، تقريباً، كل أهداف حربها، لكن بعد أن دفعت ثمناً باهظاً جداً، أكثر كثيراً من تقديراتها، لكن ليس إلى حدّ الإضرار بالادعاء أن هجوم 7 أكتوبر كان خطوة مبررة أثبتت نفسها. ونتيجة لذلك، من المحتمل أن يتعزز موقعها وسط الجمهور الفلسطيني، وأن تتعزز مكانة الإسلام المتشدد عموماً. لقد تحدثت إسرائيل كثيراً عن ضرورة محاربة التطرف الديني وسط الفلسطينيين. وفي الواقع، من المحتمل جداً أن نشهد، تحديداً، مزيداً من التطرف الراديكالي وسط الجماهير العربية والإسلامية، والذي يمكن أن يشجّع، بمرور الوقت، على محاولات شنّ هجمات على أهداف إسرائيلية ويهودية وغربية.
  • بالإضافة إلى ذلك، يجب الإقرار أيضاً بأن فرص تجدُّد القتال في غزة ضئيلة (ترامب لا يرغب في ذلك، ومن المعقول أن "حماس" لن تقدم ذريعة لذلك في الزمن القريب)، والاتفاق لا يسمح لـ"حماس" باستعادة قوتها من جديد، لكنه أيضاً لا يمنح إسرائيل، بخلاف الاتفاق مع لبنان، حرية العمل ضد محاولات التنظيمات "الإرهابية" في القطاع استعادة قوتها وترميم شبكة الأنفاق، إلّا إذا خرقت هذه التنظيمات اتفاق وقف النار.
  • وبعيداً عن التوازن المعقد للاتفاق، بالنسبة إلى إسرائيل في السياق الفلسطيني، يجب تحليل الدلالات الاستراتيجية ضمن سياق أوسع، هو التغييرات في التركيبة الإقليمية وتبدُّل الادارة في الولايات المتحدة. هذه التغييرات ساهمت مساهمة حاسمة في قرار الطرفين الموافقة على المخطط النهائي. لقد تخوّف الطرفان من تهديدات ترامب، فشعرت "حماس" بالقلق بعد خروج حزب الله من دائرة القتال، وبعد الضربات التي تلقّتها إيران والمحور الشيعي، حتى لو وجدت عزاء في ازدياد قوة المحور الإسلامي المتطرف، بقيادة تركيا، بعد سيطرتها على سورية. واضطرت إسرائيل إلى قبول شروط التسوية لأن المنظومة الأمنية فضّلت عقيدة الاقتحامات وتفكيك "حماس" من الناحية العسكرية، من دون معالجة تفكيك حُكم الحركة للقطاع، حسبما توقّع المستوى السياسي. حدث ذلك، استناداً إلى ذريعة مثيرة للجدل، مفادها أن هذا التفكيك ينطوي على أثمان باهظة جداً. ونتيجة ذلك، لم تمارَس ضغوط كافية على "حماس" للموافقة على خطة أفضل، بالنسبة إلى إسرائيل، من الناحية الاستراتيجية.
  • مع دخول الاتفاق حيز التنفيذ وبدء الولاية الثانية للرئيس ترامب في البيت الأبيض، سيتوجه الاهتمام نحو استغلال التغييرات الإقليمية التي أحدثتها إسرائيل من أجل الدفع قدماً بأهداف أُخرى مطروحة على جدول أعمالها وجدول أعمال الولايات المتحدة، مثل إحباط المشروع النووي الإيراني، وتوسيع دائرة السلام الإقليمي ("اتفاقات أبراهام")، بحيث تشمل السعودية، والعمل على استقرار الوضع في سورية ولبنان، مع تقليص التهديدات على إسرائيل والغرب. إن الإنجازات بشأن هذه التحديات يمكن أن تعوّض الشعور بالإحباط من عدم تحقيق الأهداف الاستراتيجية في السياق الغزّي.
  • في الخلاصة، إسرائيل تدفع ثمناً باهظاً لإخفاق 7 أكتوبر، وتتحرك الآن من أجل استخدام إنجازات الحرب، وتحديداً، الضربة القاسية التي تلقّاها المحور الإيراني، من أجل صوغ شرق أوسط جديد. في موازاة ذلك، يتعين عليها مواجهة التهديدات الجديدة في السياق الفلسطيني (ازدياد قوة "حماس، وازدياد الضغط من أجل إقامة دولة فلسطينية، واستمرار الحرب ضد نزع الشرعية عن إسرائيل وأفعالها، بما في ذلك في المحكمة الدولية، ولاحقاً، غياب أبو مازن عن المشهد)، وفي السياق الإقليمي، تصاعُد قوة تركيا والإسلام السّني المتشدد. 

 

 

المزيد ضمن العدد