المخاطر الأمنية المنوطة بصفقة تحرير المخطوفين ووقف إطلاق النار
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

المؤلف
  • يخلق مخطط تحرير المختطفين مزيجاً مختلطاً من المشاعر. الحديث يدور حول اتفاق مهم لإسرائيل، وخصوصاً على الصعيد القيَمي.  ومن الواجب علينا إعادة المواطنين الذين تم التخلي عنهم يوم السبت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وإلّا سيكون هناك شكوك في معنى التكاتف المتبادل والمقولة المتفق عليها "كل إسرائيل أخوة". لكن، إلى جانب الأمل بعودتهم جميعاً - بعضهم للتأهيل، وبعضهم للدفن- هناك أيضاً تخوفات أمنية كبيرة بسبب ثمن اتفاق وقف إطلاق النار.
  • يمكن أن يكون المخطط مفيداً على الصعيد الاستراتيجي أيضاً، إلّا إن هذه الفائدة ستكون مرتبطة بما ستقوم به إسرائيل بعد ذلك. والسؤال عمّا إذا كان يمكن تنفيذ هذه الصفقة قبل أشهر، مقلق جداً على صعيد الوعي، لكن، مثل كل الأسئلة من نوع "ماذا لو"، بات الآن غير ضروري. هذا السؤال سيبقى لحكم التاريخ، أو حكم لجنة تحقيق مستقلة، على أمل أن تُشكل أصلاً.
  • المشكلة الأكبر في هذا الاتفاق هو أنه مقسّم على مراحل، والأهم من بين هذه المراحل الاستمرارية بين المرحلتين الأولى والثانية. الأمور المهمة والكبيرة، بالنسبة إلى "حماس"، موجودة في المرحلة الثانية - هذا ما يضمن تحرير الأسرى الكبار، وأيضاً وقف الحرب والانسحاب الكامل للجيش من القطاع. في هذه المرحلة، ستكون الأثمان كبيرة على إسرائيل (وضمنها الأثمان السياسية). التخوف الإضافي هو أن لا تعلم "حماس" أين هي جثث القتلى في القطاع، إذ من الممكن أن تكون الحركة فقدت السيطرة على مناطق معينة في ظل ضباب المعركة. ومن المحتمل أيضاً أن تطرح "حماس" ادعاءات كاذبة لكي تحافظ على أوراق القوة لديها وشهادات الأمان التي تمنع تجديد القتال، للأسف، لأن الصفقة جزئية وعلى مراحل، ويجب الاستعداد منذ الآن، سواء من منظور أمني دائم، وأيضاً من المنظور الاستراتيجي، لليوم الذي سيتضح فيه أن المخطط انهار، ولن يتم تطبيقه كاملاً.

التهديد الأمني

  • يستند معارضو الاتفاق إلى الخطر الأمني المنوط به. وإذا أردنا تلخيص مخاوفهم، فهناك 3 مخاوف أساسية:
  1. الخطر المضاعف جرّاء تحرير "مخربين" خطِرين من السجون الإسرائيلية: هناك أشخاص خطِرون يعودون إلى الميدان (انظروا درس يحيى السنوار مثلاً)، ويمكن اعتبار مجرد تحريرهم نجاحاً لـ"حماس"، ستستعمله من أجل تعزيز مكانتها ودفع الفلسطينيين إلى تنفيذ عمليات خطف في المستقبل.
  2. عودة سكان شمال القطاع إلى المناطق التي تم تطهيرها، وهم قريبون من بلدات غربي النقب على حدود قطاع غزة (من دون فحص دقيق)، وهو ما يمكن أن يجدد خطر اختراق الحدود إلى إسرائيل وإطلاق النار.
  3. الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة ونهاية الحرب في الوقت الذي لا تزال "حماس" تسيطر على القطاع عملياً - وهذا ما يسمح بتجديد القدرات العسكرية للحركة في المدى البعيد، وأيضاً الفوري، ويحفظ الدافع إلى استمرار مقاومة إسرائيل.
  • صحيح أنه توجد تحديات كبيرة. ومع ذلك، فإن المشكلة الثالثة - حفاظ "حماس" على سلطتها الفعلية- هي أكبر مشكلة استراتيجية لأنها تتناقض مع أهداف الحرب التي وضعتها حكومة إسرائيل. جميع المشكلات الأُخرى - يمكن حلّها.
  • سنشرح: إن تحرير الأسرى هو ثمن كبير فعلاً، لكن منذ اللحظة الأولى، كان من الواضح أن إسرائيل ستدفعه. هذا هو ثمن الإخفاق في الدفاع عن المواطنين على الحدود. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يمكن إدارة هذا الخطر - الأسرى الخطِرون الذين يمكن أن يشعلوا الميدان، سيتم نفيهم إلى دولة ثالثة (ويجب القول إن قدرة إسرائيل على الوصول إلى أيّ شخص في كل مكان في العالم مثبتة تقريباً)؛ أمّا بقية الأسرى (الأقل خطورةً)، فستتم إعادتهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وسيبقون تحت رقابة استخباراتية عن بُعد. ومَن يعود منهم إلى "الإرهاب"، سيُعتقل، أو يُغتال.
  • إن مجرد إعادة السكان إلى شمال القطاع لا يشكل خطراً. صحيح أنه ما دام الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني قائماً، سيكون هناك مَن يتجند للتنظيمات "الإرهابية"، حتى لو كانوا اليوم أطفالاً. لقد دُمّر شمال غزة كلياً فوق الأرض، وأيضاً تحتها، ولم يتبقّ فيه أيّ بنية "إرهابية" لأن الجيش فكّك كتائب "حماس" (أكثر من إخضاع عسكري). ومستقبلاً، يمكن التوقع أن سياسة الجيش ستكون مختلفة عمّا كانت عليه قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر. هذه المرة، ستكون السياسة المتبعة من أجل منع تعاظُم قوة "حماس" مختلفة، وستمنع نموّ تهديد جديد. أتوقع أن يكون أكثر عدوانيةً، وشبيهاً بعملياتها في لبنان التي هدفت إلى فرض اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 لإنهاء الحرب مع حزب الله.

اليوم التالي للصفقة

  • خطر بقاء "حماس" في السلطة هو خطر فعلي. فعلى الرغم من أنه يمكن حل أزمة التهريب إلى القطاع، عبر "محور فيلادلفيا"، فوق الأرض وتحتها، فإن هذا الإغلاق لن يكون تاماً إطلاقاً. وما دامت "حماس" في السلطة، فسيتجدد التهديد. ولذلك، يجب البدء بالتحضير، منذ الآن، لليوم التالي لِما بعد الاتفاق، بغض النظر عمّا إذا تم تطبيقه كاملاً، أو خرقته "حماس"، فهذا اليوم سيأتي. ماذا ستفعل إسرائيل في حال بقيت "حماس" مسؤولة عن قطاع غزة. لقد كان تفكيك حُكمها أحد أهداف الحرب التي لم تتحقق بعد. ولذلك، يجب الاستعداد لإمكان عودة إسرائيل إلى القتال في غزة، بعد بضعة أسابيع، أو أشهر. وحينها، لن يكون من الممكن تجاهُل السؤال الذي يتم إبعاده جانباً عادة - ماذا سنفعل مع قطاع غزة ؟
  • التحليل يطرح 4 بدائل:
  1. إعادة الاحتلال والضم إلى إسرائيل: الاتفاق مع "حماس" يجعل هذا الإمكان أصعب، حتى في المنطقة التي تم تطهيرها في شمال القطاع. فمن المتوقع أن يعود إلى شمال القطاع نحو مليون فلسطيني، وسيكون إجلاؤهم من جديد صعباً، دولياً، حتى لو كان ممكناً، عسكرياً. ومن غير المضمون بتاتاً أن يوافق الرئيس ترامب على ذلك. وأكثر من ذلك، فإن هذا الإمكان لا يمكن نسخه إلى بقية مناطق القطاع. تستطيع إسرائيل الاحتلال والتطهير وضم شمال القطاع، وحتى بناء الاستيطان هناك، لكنه الحل الأقصى لمنطقة صغيرة، وأثمانه الداخلية (الاحتجاجات)، والخارجية (العزلة والمقاطعة الدولية) ستكون ثقيلة. لذلك، يُطرح السؤال - هل يمكن احتلال القطاع من جديد؟ يبدو أن الجواب كلا. فالثمن المتوقع سيكون أعلى من الفائدة.
  2. الاحتلال والحكم العسكري: في هذه الحالة، سيحتل الجيش قطاع غزة كله، ويفرض حكماً عسكرياً، ويستمر في القضاء على "حماس"، وفي الوقت نفسه، سيتحمل المسؤولية عن توزيع المساعدات الإنسانية وحاجات السكان في القطاع. هذا الإمكان له إسقاطات دولية كبيرة وأثمان عالية على صعيد حياة المقاتلين، وأيضاً الاقتصاد والشرعية الداخلية الاجتماعية. فمن أجل القيام بهذه الخطوة، يجب استكمال تجنيد واسع النطاق للاحتياطيين، وتوفير كثير من الأسلحة، وسنكون بحاجة إلى وقت طويل. وليس اعتباطاً، ألغى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هذه الفكرة منذ البداية. المشكلة الأكبر (حتى لو كان من الممكن التعامل مع الضغط الدولي، وجرى التخلي كلياً عن رؤية التطبيع الإسرائيلي - العربي)، أن فرض الحكم العسكري يمكن أن يُمأسس كحل دائم. فمن هو الطرف الذي سيوافق على أخذ القطاع من الجيش؟ كل جهة عربية ستقوم بذلك (من دون حل سياسي) ستُعتبر متعاونة مع إسرائيل، وأنها تصعد إلى الحكم في غزة على حراب الجيش الإسرائيلي. لذلك، ستكون إسرائيل مسؤولة عن غزة إلى الأبد، وهي منطقة تعاني جرّاء كارثة إنسانية، ويعيش فيها أكثر من مليونَين من السكان الفلسطينيين الجائعين الغاضبين من دون أيّ أمل.
  3. الفوضى: تخرج إسرائيل من القطاع، وتترك الوضع كما هو عليه، من دون تدخّل مدني. هناك مَن سيطلق على هذا اسم "الفوضى المقصودة". ستحفظ إسرائيل لنفسها حق الدفاع عن النفس، وتستمر في العمل الدقيق ضد "حماس"، على الرغم من أنها لا تتعامل بتاتاً مع البعد المدني لإدارة القطاع. في ظل هذا الوضع، يمكن الاعتقاد أن "حماس" ستعود إلى موقع القوة، وتبني قوتها من جديد. ستكون المسألة مسألة وقت ليتجدد التهديد الأمني من غزة لإسرائيل، وسنكون أمام دائرة تغذي نفسها، وفي إطارها "حماس" تقوّي سلطتها الفعلية، وتسيطر على المساعدات الإنسانية في الوقت الذي تُضعفها إسرائيل عسكرياً، وهو ما يسمح لها بإعادة بناء قوتها نتيجة السيطرة الاقتصادية على القطاع، ولأنه لا توجد أيّ فكرة تنافس فكرة المقاومة التي تطرحها. يمكن أن يستمر هذا الوضع أعواماً، حتى الحسم. إسرائيل، على ما يبدو، ستنتصر في هذا السيناريو على "حماس" في نهاية المطاف، لكنها ستبقى في القطاع، وستستمر، ما دامت فكرة المقاومة المسلحة موجودة - سيبقى التحدي على ما هو عليه من دون حل.
  4. الإدارة المدنية البديلة: إيجاد جهة أُخرى، غير "حماس"، لكي تكون مسؤولة عن توزيع المساعدات الإنسانية والإدارة في القطاع. يمكن أن يكون هذا البديل جزءاً من خطة شاملة لنقل المسؤولية المدنية إلى جهة ثالثة، مع بقاء السيطرة الأمنية في يد إسرائيل (في الأساس عبر السيطرة بالاغتيالات من الجو والعمليات السرية). صحيح أن هذا الاحتمال سيكون أكثر تعقيداً، لكنه سيُبعد حُكم "حماس"، ويمكن تطبيقه على كافة مناطق القطاع، وهو لا يتناقض مع القانون الدولي. وبعكس الحكم العسكري، فإن هذا الإمكان يضمن أن يستمر الجيش، كونه المسؤول عن أمن إسرائيل، لا أن يكون مسؤولاً عن الصرف الصحي في القطاع. الجهة التي ستكون مسؤولة عن القطاع، سيكون عليها الالتزام بشرطين: "حماس" ليست جزءاً منها؛ ولديها صلاحيات وقدرات للعمل.
  • الحديث هنا يدور حول نوع من أنواع "اللجنة التي تعتبر موقتة" - فكرة تُطرح في أجهزة الأمن الإسرائيلية منذ أشهر. وعلى الرغم من أن هذه اللجنة ستقام بمباركة من السلطة الفلسطينية، ويمكن أن تكون أساساً لعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة مستقبلاً، فإن السلطة من المرجح أن تعارضها (استناداً إلى امتناعها من تحمُّل المسؤولية والمطالبة بكل شيء، أو لا شيء). في إسرائيل أيضاً، هناك مَن سيعارض مجرد ذِكر السلطة الفلسطينية، على الرغم من أن تدخّلها سيكون قليلاً ورمزياً. لكن هذا هو المكان للتذكير بأن ضغط الرئيس ترامب الذي دفع إلى هذا الاتفاق، قبل دخوله إلى البيت الأبيض، سيعمل. صحيح أن السلطة ستعارض، لكن يمكن تفعيل الضغوط عليها للسماح بسلطة بديلة.

الخلاصة

  • على إسرائيل أن تقرر بِشأن الوضع النهائي المرغوب فيه للحرب-لا يمكنها التهرب من هذا. إن مخطط تحرير المخطوفين هو بداية النهاية فقط، وإذا لم يتم التخطيط له جيداً منذ الآن، فلن يكون هناك نهاية للحرب. إن لم تلتزم إسرائيل بخطتها الأساسية لاستبدال سلطة "حماس" في الإدارة المدنية بسلطة أخرى ليست "حماس"، ولا إسرائيل، فإنها لن تحقق هدف الحرب. إسرائيل - القيادة والجمهور - سيشعران بالإحباط بسبب بقاء حُكم "حماس" وعدم إعادة جميع المختطفين، بعد أن قامت "حماس" بتحرير أسرى وانسحاب الجيش من القطاع. حينها، يمكن أن نسمع المتحدثين باسم "حماس" وهم يتحدثون عن انتصار، وكثيرون سيصدقونهم.
  • نحن أمام حالة حساسة جداً، مع كثير من التوتر وتخوّف حقيقي من انهيار كل شيء، فنحن نتحدث عن اتفاق مع أشخاص سيئين وعدائيين بشكل خاص. وسيكون كل يوم من تطبيق الاتفاق صعباً ومتوتراً، ومزيجاً من السعادة والفرحة، وبين الأمل واليأس والغضب. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا لا يعفينا من التفكير الاستراتيجي البعيد المدى. اليوم الذي ستنتهي فيه الصفقة سيصل، وسيكون هذا هو الوقت لضمان التوصل إلى تحقيق أهداف الحرب الأخيرة التي لم يتم التوصل إليها- تبديل حُكم "حماس"- ومأسسة إنجازات الحرب العسكرية بخطوة دبلوماسية استكمالية تصل إلى الرياض، ويمكن أن تقود الرئيس ترامب ورئيس الحكومة نتنياهو للفوز بجائزة نوبل للسلام.

 

 

المزيد ضمن العدد