انتصار الائتلاف في معركته ضد رئيس هيئة الأركان
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
• هذه نهاية سيناريو معروف مسبقاً. إن رسالة الاستقالة التي نشرها رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي، اليوم (الثلاثاء)، وإعلانه أنه سينهي مهماته في شهر آذار/مارس القادم، أتت في نهاية معركة دارت بوتيرة عالية بينه وبين مجموعة من السياسيين، من كبار المسؤولين إلى الأقل شأناً، الذين شنوا منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، حملة لتحميله المسؤولية الكاملة عن الفشل في منع "المذبحة" والتقدم البطيء للجيش في غزة، وعدم حسم الحرب مع "حماس"، على الرغم من مرور أكثر من عام على الهجوم العسكري الأكبر الذي عرفه الشرق الأوسط.
• إن استقالة هليفي، وبعدها بدقائق، استقالة قائد المنطقة الجنوبية يارون فينكلمان، تنهيان، موقتاً، حرب تبادُل الاتهامات والتهرب من المسؤولية، والتي دارت ما بين المستوى السياسي والمنظومة الأمنية خلال الـ15 شهراً الماضية، وشهدت تصريحات علنية وتسريبات إعلامية واستخدام ناطقين غير رسميين.
• وأقول إن هذا الوضع موقت لأن رئيس "الشاباك" رونين بار لا يزال في منصبه، بالإضافة إلى ضباط كبار آخرين في الجيش كانوا في مناصبهم يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. وبعد استقالة، هؤلاء، وتصاعُد المطالبات بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة، سيفتقر السياسيون إلى الأهداف التي يتهمونها بالمسؤولية. المواجهة الأولى بين الطرفين بشأن مسؤولية رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي كانت في29 تشرين الأول/أكتوبر، وفي موازاة الدخول البرّي إلى غزة. بعد ساعات على المؤتمر الصحافي الذي سُئل خلاله نتنياهو عن التحذيرات التي تلقاها، نُشرت تغريدة غريبة في الساعة الواحدة وعشر دقائق بعد منتصف الليل، من حساب ديوان رئيس الحكومة الرسمي، تضمنت اتهاماً عاماً لكل رؤساء الأجهزة الأمنية، لكن رئيس هيئة الأركان اعتبر الموضوع شخصياً.
• ما نُشر في التغريدة التالي: "بعكس الادعاءات الكاذبة. لم يحصل رئيس الحكومة في أيّ وضع، أو في أيّ مرحلة، على أيّ تحذير بشأن نية حماس شن الحرب. بل بالعكس، كل الأجهزة الأمنية، بمن فيها رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) ورئيس الشاباك، قدّرت أن حماس مردوعة، وتتجه نحو التسوية. هذه هي التقديرات التي قُدمت، مراراً وتكراراً، لرئيس الحكومة والكابينيت من كافة الأجهزة الأمنية ومجتمع الاستخبارات، واستمرت حتى اندلاع الحرب".
• هذا البيان لم يصدم المسؤولين في الجيش و"الشاباك" فقط، بل أيضاً أصاب المواطنين الإسرائيليين بالذهول، حين نهضوا في صباح اليوم التالي، ليجدوا أن قيادة الدولة مشغولة بمثل هذه الأمور في هذه الأيام الصعبة. حتى إن نتنياهو فهِم هذا سريعاً، ومسح التغريدة، وأعلن: أعتذر، لقد أخطأت".
• يبدو أن هذه كانت نقطة الانهيار العلنية الأولى بين نتنياهو وهليفي. ومنذ ذلك الوقت، تحولت العلاقة فيما بينهما إلى باردة ومليئة بالشكوك. المحيطون برئيس الحكومة غضبوا من هليفي، وقدّروا أنه ومحيطه يسرّبون معلومات ضد نتنياهو. وطبعاً، اعتقد رئيس هيئة الأركان الشيء نفسه عن نتنياهو.
• لكن في هذه المرحلة، جرى زرع التلميح، وروحية القائد لعبت دورها. بعدها، تحولت جلسات "الكابينيت" طوال الحرب إلى شيء لا يطاق، بالنسبة إلى رئيس هيئة الأركان، الذي كان يتعرض في كل جلسة لهجوم عنيف من الوزراء، ويكتشف بعد خروجه من الغرفة أن تفاصيل الجلسة تُسرَّب، حرفياً، إلى الإعلام.
• في معظم الأحيان، سمح نتنياهو لوزرائه بالقيام بذلك من دون أيّ إزعاج، باستثناء حالة واحدة في كانون الثاني/يناير، عندما أنهى نتنياهو جلسة الكابينيت التي كانت تتطرق إلى موضوع "اليوم التالي" في غزة، لأن المواجهة التي بدأت بين ميري ريغف ودافيد أمسالم وإيتمار بن غفير من جهة، ورئيس هيئة الأركان من جهة أُخرى، تخطّت كل الحدود. في هذه المرحلة، كان الوزراء قد تخطوا جميع القيود، وكل مايكروفون فُتح أمامهم شكّل فرصة للمطالبة بإقالة هليفي بسبب "سياسته الانهزامية في غزة".
• الوحيد الذي وقف إلى جانب هليفي في ذلك الوقت كان وزير الدفاع، حينها، يوآف غالانت. كلاهما كان لديه مواقف "معارِضة" لقضايا معينة، مثل الإعداد لسلطة بديلة في القطاع وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة، وقانون تجنيد الحريديم. لكن في الخريف الماضي، تمت إقالة غالانت واستبداله بوزير الدفاع الجديد يسرائيل كاتس الذي تتماشى مواقفه مع مواقف الائتلاف، والعد العكسي في الساعة الرملية لهليفي بدأ منذ ذلك الوقت.
• وبمجرد استلامه المنصب، بدأ كاتس يبادر إلى مواجهات مع هليفي، وخصوصاً فيما يتعلق بالتحقيقات في أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر وتعيين مسؤولين كبار في داخل الجيش. وفي الخلفية، كان هناك قضية قانون التجنيد التي لا تزال تهدد بقاء الحكومة. دائماً ما ادّعى المقربون من كاتس أن هليفي يتعمد تحدّي المنظومة السياسية، ويضع العقبات أمامها قصداً.
• وهكذا استمر سير الأمور، إذ كان هليفي يبدو كبطة عرجاء، عرضة للهجوم من كل جهة ترغب في ذلك داخل الائتلاف. في بداية الأسبوع الماضي، ادّعى الوزير إيتمار بن غفير أن ديوان نتنياهو اقترح عليه صفقة: ابقَ في الحكومة، على الرغم من صفقة التبادُل، ويمكن أن تكون صاحب الفضل في إقالة رئيس هيئة الأركان (ديوان نتنياهو أنكر ذلك، لكن الضرر وقع). بعد ذلك، طالب الوزير بتسلئيل سموتريتش أيضاً رئيس هيئة الأركان بالاستقالة، وقال: "يمكن القتال معه، لكن لا يمكن الانتصار معه. أنا أطالبه بتسليم كتاب الاستقالة والذهاب إلى المنزل".
• لذلك، وقبل أن يزداد زخم الحملة المتصاعدة ضده بعد وقف إطلاق النار، أعلن هليفي خلع الزيّ العسكري، بعد 40 عاماً من الخدمة. إن رئيس الحكومة والوزراء ونواب الكنيست سيبحثون، وسيجدون أيضاً هدفاً آخر لتوجيه أصابع الاتهام إليه. أمّا السؤال عن مسؤوليتهم الشخصية والعامة عن إخفاقات 7 تشرين الأول/أكتوبر والحرب برمتها، فلا يوجد له جواب حتى الآن. منذ هذه اللحظة، كل إنجاز في غزة يتحملون مسؤوليته.