من دون التطبيع مع السعودية وتدخل السلطة، ستواصل "حماس" سيطرتها على غزة
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أخفق مرتين: المرة الأولى كانت في إدارة الخطر في مواجهة "حماس" حتى حدوث كارثة 7 تشرين الأول/أكتوبر، والمرة الثانية في إدارة الحرب "العادلة" ضد "حماس" منذ ذلك اليوم. بعد أن خرجت إسرائيل من قطاع غزة بقرار من حكومة الليكود [القرار الذي اتخذته حكومة أريئيل شارون سنة 2005]، سيطرت "حماس" على القطاع. وبدا قرار نتنياهو كقرار الذين سبقوه؛ "عدم تفكيك سلطة "حماس"، أي أن إعادة احتلال القطاع غير معقول. كما لا بد من أن أثمان الاحتلال والقتال والسيطرة على القطاع لفترة طويلة باهظة جداً ولا يمكن تحمُلها.
- ومنذ اتخاذ هذا القرار، واجهت إسرائيل مسألة كيفية التعامل مع قطاع غزة الذي تسيطر عليه عملياً "حماس". واتخاذ القرار بشأن السياسة المطلوبة يفرض الاختيار بين بدائل. لا يمكن التوصل إلى اتفاق سلام مع "حماس"، لأنه بالنسبة إليها، فإن القضاء على دولة إسرائيل ليس هدفاً سياسياً، إنما هو واجب ديني. ومع عدم وجود خيار أفضل، فقد كانت هناك محاولة لإنشاء واقع من الحدود الهادئة لفترة طويلة. ولهذه الغاية، فقد بذل نتنياهو مساعيَ حثيثة لتأمين تمويل قطر لحركة "حماس"، وقدّم إلى الحركة تسهيلات اقتصادية.
- إن اختيار سياسة كهذه يفرض إدارة للمخاطر. ولقد بقيت "حماس" عدواً مراً و"تنظيماً إرهابياً" لا يعترف بوجود إسرائيل. وخاطرت إسرائيل مخاطرة كبيرة على أمل تحقيق حدود هادئة، لكن حكومة نتنياهو فشلت فشلاً ذريعاً، وتستمر في إدارة هذه المخاطرة الخطِرة.
- نتنياهو الذي يعرف من هي "حماس" كان يتعين عليه أن يجري في كل أسبوع أو شهر، بنفسه أو بواسطة مجلس الأمن القومي، جلسة مع قادة الجيش والشاباك لتوضيح ما يجري في غزة. هل لدينا استخبارات موثوقة وعالية بشرية وتكنولوجية بشأن ما يحدث هناك؟ وهل الشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية (على انفراد كما كان مطلوباً من لجنة أغرانات) يجرون نقاشات تقدير في هذا الشأن؟ وما أهمية المدينة تحت الأرض التي أقيمت هناك؟ وما هي خطط "حماس" للحرب؟ وهل نحن على خطأ و"حماس" ليست مرتدعة؟ وما الذي هي قادرة على أن تفعله؟ وهل لدينا رد جيد على ذلك؟ وما هي خططنا الدفاعية في حال هاجمت "حماس"؟
- كان من واجب رئيس الحكومة أن يُجري نقاشات كهذه بصورة دورية، ولا سيما بعد تحذيرات رئيس هيئة الأركان وآخرين من تآكل صورة الردع الإسرائيلي بسبب محاولات الانقلاب الدستوري والردود عليها (حتى من دون الإشارة إلى قطاع غزة تحديداً). إن رئيس الحكومة هو المسؤول الأعلى عن الأمن القومي، ومن واجبه التعمق في البحث في هذه المسألة.
- لو تصرف نتنياهو والمنظومة الأمنية بهذه الطريقة، لا شك في أنه كان في الإمكان منع الكارثة، لكن لم تكن هناك إدارة للمخاطر، وهذا فشل مريع لنتنياهو والكابينيت كله؛ فقد كانا مقتنعَين بأن هناك فرصة لنجاح سياسة الهدوء في مقابل المال، لكن كان عليهما أن يدركا وجود خطر أن تفشل هذه السياسة وأن تهاجم "حماس"، وهذا الخطر الكبير لم يعالَج كما يجب.
- أيضاً لا يمكن تحقيق ذلك عبر ضربة عسكرية فقط. إن شرط الإطاحة بحكم "حماس" هو وجود سلطة أُخرى تحل محلها، ولقد اقتُرح على إسرائيل بديل من هذا النوع من طرف الرئيس الأميركي ودول عربية أُخرى، واقتُرح العمل على بناء بديل لسلطة "حماس" من عناصر من السلطة الفلسطينية (المعروف ضعفها لكنها مستعدة لذلك) وبمساعدة قوات عربية (مصرية وإماراتية وغيرها) وبمساعدة مالية كبيرة (سعودية أو إماراتية) من أجل إعادة إعمار القطاع.
- ليس هناك ما يؤكد نجاح ذلك، لكن ثمة فرصة لذلك بتأييد أميركي ودولي واسع، وهذا هو الذي سيستكمل العملية العسكرية، ومن دونه، فلا مجال للإطاحة بحكم "حماس". وحتى اليوم، وبعد مرور 15 شهراً على الضربة العسكرية القاسية، ما زالت "حماس" تسيطر على قطاع غزة.
- ومن أجل منع التأييد الشعبي لهذه الخطوة التي اقترحها الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دأبوا على تصوير السلطة الفلسطينية كمتعاونة مع "حماس" وكأنه لا فارق بينهما. صحيح أن السلطة ضعيفة ليس فقط بسبب إسرائيل، وصحيح أنها برئاسة عرفات وبعده أبو مازن لم توافق على مقترحات بعيدة المدى مع إسرائيل لإنهاء النزاع، لكنهم يخفون الأمر الأساسي: خلال 20 عاماً، منذ حلول عباس محل عرفات، لم تعد للسلطة علاقة بـ "الإرهاب"... صحيح أن السلطة تناضل ضد إسرائيل في الساحتين الدبلوماسية والقانونية، وتدفع رواتب إلى عائلات الأسرى والقتلى، لكنها شهدت تغيراً كبيراً...
- تقضي المصلحة الإسرائيلية بإضعاف "حماس" وتقوية السلطة الفلسطينية، لكن الحكومة التي شكلها نتنياهو يمكن أن تسقط إذا جرى التفاوض مع السلطة، لذلك تدور الحرب منذ 15 شهراً، ولهذا السبب ما زالت "حماس" تسيطر على القطاع.
- أنا مقتنع بأن كل هذا يعرفه نتنياهو وهو واضح بالنسبة إليه، لأن المنظومة الأمنية قالت له ذلك من دون شك. لكن هذا لم يحدث للسبب نفسه الذي من أجله أراد نتنياهو المحافظة على "حماس"، ففي نظره، "حماس" في غزة أفضل من السلطة الفلسطينية في غزة، ومن الأفضل إبقاء الانقسام بينهما. إذا سيطرت السلطة على غزة، هناك خطر أن تطالب إسرائيل بالتفاوض معها، وهذه الحكومة؛ "حكومة اليمين بالكامل"، يمكن أن تسقط. إن الاعتبار السياسي هو الذي منع هذه الخطوة التي كان من الممكن جداً أن تنجح.
- وما الحل؟ الجيش الذي أخفق ثم تعافى بصورة مدهشة بقيادة هرتسي هليفي وجه ضربة قاسية إلى كل أعدائنا في كل الجبهات. والآن يجب إنهاء المعركة، وإعادة كل المخطوفين فوراً، ومواصلة عملية التصالح مع إسرائيل بواسطة التطبيع مع السعودية. وهذا مهم تاريخياً ويساعد أيضاً في مواجهة المحور الإيراني. وكل هذا مرتبط على ما يبدو بتحرك يشمل السلطة الفلسطينية.
- إن سياسة كهذه يجب أيضاً إدارتها بأعين مفتوحة، ولا بديل لإدارة للمخاطر بمسؤولية، لكن المقصود توجه ينطوي على فرص كبيرة. وهذا هو الحل الذي ينبغي ألاّ تنجر إليه إسرائيل، إنما أن تقوده.