الحرب التي لم تُحسم: الإخفاقات والإنجازات - صورة وضع متعددة الجبهات
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف
  • الطريقة الوحيدة لتجنُّب خسارة الحرب هي في عدم إنهائها، والاستمرار في عرضها، كأنها لا تزال مستمرة - على الرغم من أنها انتهت فعلياً منذ زمن. فالجيش لن يعود إلى المناورة مع 30 ألف جندي في قطاع غزة، ولن يعود إلى العمل البري في الجنوب اللبناني، وأيضاً تقترب الحملة العسكرية المحدودة في شمال الضفة من استنفاد نفسها. ما تحقق حتى الآن، ما زال ينتظر اكتمال العملية السياسية التي لم تحدث - وهو ما يساعد "حماس" على إعادة ترميم نفسها، بمرور كلّ يوم. والأخطر - الابتعاد عن الوهم الإسرائيلي بشأن تفكيكها، عسكرياً ومدنياً.
  • الحرب التي يجري عدّ أيامها، على الرغم من مرور عام و4 أشهر على اندلاعها، يتم تمديدها بشكل مصطنع ومزيف. فالطموح الإنساني والوطني إلى رؤية عودة المخطوفين جميعاً، مرة أُخرى، إلى منازلهم، يغطي على حقيقة أن الحرب الواسعة ضد "حماس" انتهت، عملياً، منذ آب/أغسطس العام الماضي، مع نهاية العملية الأخيرة التي تبقّت للجيش في رفح.
  • الجيش ناشط أيضاً في المناطق الحدودية مع لبنان بشكل محدود، لكن عبر ضربات مكثفة وهدّامة ودقيقة ضد حزب الله وقيادته، وحظيَ خلال ذلك بسقوط نظام الأسد، والذي أضعف المحور الشيعي - الإيراني أكثر. وقبل بدء المفاوضات مع "حماس" بشأن المرحلة الثانية من الصفقة، التي من المفترض أن تعيد عشرات المخطوفين الذين ما زالوا في الأسر، وتنهي الحرب رسمياً، ترسم "يديعوت أحرونوت" صورة وضع متعددة الجبهات، وتعرض الإنجازات والإخفاقات التي سيتم تقييمها في نهاية المطاف، بمرور الوقت.

في الجنوب: فشل استراتيجي وانتصار تكتيكي

  • خلال الأسبوع الثاني من الحرب - في منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر   2023 - اتخذت قيادة "حماس" قراراً دراماتيكياً، يمكن رؤية نتائجه الآن: لم يكن زعماء التنظيم "الإرهابي" في قطاع غزة سكارى بسبب الضربة المفاجئة التي وجّهوها إلى إسرائيل خلال الاجتياح القاتل، بل كانوا قلقين على خطتهم الأهم التي تم وضعها لتغيير الشرق الأوسط في العام الذي سبق الحرب - وفشلت.
  • لم يتم الهجوم على إسرائيل من الشمال، وحزب الله قرر ترك "حماس" وحيدة، باستثناء إطلاق صواريخ قليلة، يومياً، على الجليل. القرار الذي اتخذته "حماس" كان توجيه الأوامر إلى 30 ألف مسلح بالانسحاب إلى الخلف أمام المناورة البرية التي تقترب، والاندماج بالمدنيين الذين هربوا إلى مراكز الإيواء، وأن يهاجموا، فقط في حال لاحظوا أن الفرصة سنحت.
  • وبهذه الطريقة، تطورت حرب العصابات المحدودة منذ الأيام الأولى للمناورة، فلم يتبقّ إلا خلايا صغيرة في الخلف استغلت أيّ خلل في الصورة العملياتية. صحيح أن هذا كلّف حياة مئات المقاتلين، بالإضافة إلى آلاف المصابين خلال أشهر المناورة. لكن الإحاطات التي تلقّاها المقاتلون لم تكن صحيحة: لم تنفّذ "حماس" هجمات كبيرة بفرق، أو كتائب، ضد قوات الجيش (كان هناك محاولات قليلة في بداية المناورة، لكنها لم تكن بالحجم الذي بنته "حماس"، ولا الذي تدربت عليه)، ولم يتم كبح تقدّم الجيش لتحقيق كافة الأهداف التي أراد الوصول إليها.
  • هكذا ألحق الجيش الضرر بمراكز قوة "حماس" بشكل حرج: تصنيع السلاح؛ وعشرات مراكز المعلومات التي راكمتها الحركة؛ وقياداتها؛ ومعسكرات التدريب ومخازن السلاح؛ وجزء كبير من البنية التحت أرضية ومراكز السيطرة المركزية، وخاصة في مدينة غزة وجباليا. لكن لم يُلحق الضرر بالقوات البشرية التابعة للتنظيم "الإرهابي" وعدد من قياداته، وضمنهم قيادات كبيرة بقيت في قيد الحياة.
  • النتيجة: لا يزال لدى "حماس" آلاف المسلحين من الذين كانوا لديها يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر، ومئات المجندين الجدد، وعشرات الضباط برتب مختلفة، وكيلومترات كثيرة من الأنفاق التي لم يُكشف عنها بعد، وضمنها أنفاق قريبة من الحدود. والأهم - لم تختفِ آمالها بإبادة "الكيان الصهيوني".
  • لا يزال الجيش يتحدث عن كتائب "حماس" كتهديد قائم، بعد عام و4 أشهر، ويتحدث أيضاً عن إعادة تنظيم الحركة لنفسها وسيطرتها المطلقة على قطاع غزة، وهو ما ينعكس في سيطرتها على الأرض، وتهديدها السكان المحليين، ونشر الحواجز في الميدان، واستغلال كل لحظة من وقف إطلاق النار من أجل إعادة البناء من جديد، عسكرياً وتنظيمياً.
  • إن التلويج بالعصا الوهمية الآن، عن الهجرة الطوعية للغزيين، حسبما يقترح رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، يمكن أن يظهر كغطاء آخر للتغطية على الفشل العسكري - السياسي في الحرب: لم تفكك إسرائيل حُكم "حماس"، لا عسكرياً، ولا مدنياً، بحسب تعريفها لأهداف الحرب، لكنها تقترب من تحقيق هدف أكثر تواضعاً من بين الأهداف، وهو إعادة المخطوفين من الأسر من خلال صفقة مع "حماس"، بشرط أن يتم تطبيق الجزء الثاني من الصفقة. هذا الواقع يتطلب قرارين، لهما ثمن كبير: إيجاد بديل من سلطة "حماس" في غزة على مليونَي فلسطيني، وهو ما تخوفت الحكومة من القيام به حتى اليوم؛ وقتال برّي، أعواماً طويلة، في أزقة جباليا وأحياء خان يونس.
  • حقيقة أنه يتم الآن بناء مواقع عسكرية في الحزام الأمني في مقابل القطاع، ويومياً، يتم تسريب أخبار عن إطلاق نار على غزيين يقتربون من الحدود، أمور تبدو كأنها مقدمة لِما هو قادم: نجحت إسرائيل في منع "7 أكتوبر" آخر في المدى المنظور، لكنها فشلت في تفكيك "حماس". حالياً، إذا انهارت المفاوضات بشأن استمرار الصفقة، فيمكن توقُّع حملة عسكرية إضافية، مع الإشارة إلى أن هناك جنود احتياط تلقوا أوامر تجنيد جديدة.

في الشمال: تنبيه لم يتم البحث فيه

  • أخلت قوات الجيش في الأمس قرى أُخرى في الجنوب اللبناني، وسُمح للسكان اللبنانيين بالعودة إلى منازلهم في القرى الحدودية، مثل مركبا ومارون الراس، في إطار التقدم في التفاهمات التي تم التوصل إليها في نهاية الأسبوع بين إسرائيل ولبنان. وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يزال هناك خلافات على 5 نقاط سيطرة مهمة في الجانب اللبناني، ينوي الجيش البقاء فيها، وتطل على البلدات الإسرائيلية. لكن، يبدو أن تطبيق وقف إطلاق النار سيُمدَّد، برعاية أميركية، إلى يوم الثلاثاء المقبل. لم يوقف الجيش القصف لحظة، بأوامر من المستوى السياسي، وهو يغتال ناشطي حزب الله الذين يخرقون الاتفاق - واليوم، اغتال أيضاً محمد شاهين، المسؤول في "حماس". أمس أيضاً، هاجم الجيش مخازن سلاح في البقاع.
  • لكن الحرب الكثيفة والضربات التي تلقاها حزب الله خلالها يجب فحصها من جديد - ليس فقط على صعيد القدرات الإسرائيلية على منع إعادة التسليح من جديد، بل بالتحذيرات أيضاً، التي تراجعت بشكل كبير في السنوات التي سبقت السابع من أكتوبر. وفي نظرة إلى الوراء، من المهم فحص الصورة العامة لحرب لبنان الثانية، التي أُرغم الجيش على الخروج إليها من دون تحضير، أو خطط لائقة، وتلقى كثيراً من الانتقادات جرّاء ذلك، وقادت إلى استقالة المسؤولين الكبار في الجيش. لكن، في الحقيقة، أدى ذلك إلى 15 عاماً من الهدوء المطلق تقريباً والازدهار لدى سكان الشمال.
  • لذلك، يجب أن يتم تعزيز الإنجازات العسكرية سياسياً، والصمود، جماهيرياً، خلال أيام من القتال، وتجنيد الأميركيين والفرنسيين للاستمرار في مراقبة الترتيبات ودعم جهات سلطوية لبنانية غير مقرّبة من حزب الله. النقاط التي يريد الجيش البقاء فيها محدودة وملاصقة للحدود، والجيش يضغط على حزب الله من دون توقّف، وعلى صعيد الاغتيالات أيضاً، كان الاغتيال الأخير لناشط في القوة الجوية، قام بتفعيل مسيّرات مؤخراً، بهدف جمع معلومات في المناطق الحدودية.
  • في الساحة السورية، تجد قوات الجيش نفسها داخل منازل سكان سوريين، وأيضاً في مبانٍ عسكرية تابعة لنظام الأسد لتجنّب البرد. والعمليات التي يقومون بها محدودة جداً، وكذلك الحركة أيضاً، أمّا مهماتهم الخاصة، فتبدأ وتنتهي بالدفاع عن النفس، أو تجميع السلاح من المواقع التي تمت السيطرة عليها في الجولان السوري، وذلك بانتظار بناء مواقع موقتة خاصة بهم، يمكن أن تتحول إلى ثابتة، وكذلك الأمر، هذا ما يحدث في جبل الشيخ السوري.
  • ومثلما هي حال قوات الجيش التي لا تزال في الجنوب اللبناني، فإن وجود مئات الجنود في الجولان السوري، هو بمثابة تذكير بالمسافة ما بين التصريحات العبثية للسياسيين بشأن "حرب جهنم" الجديدة في غزة، وبين الواقع: من أجل الدخول في عملية برية واسعة نسبياً، مثلما حدث في مدينة غزة، أو أجزاء من خان يونس، سيتوجب على الجيش تجنيد قوات "غولاني" و"المظليين" الذين يتواجدون في الشمال حالياً، أو الضفة. إذاً، فالحديث يدور هنا حول مجرد تبريرات - جيش البر المستنفد أصلاً، مركّب من هذه القوات.
  • وفي الوقت نفسه، فإن السيطرة الإسرائيلية الجوية لا تتوقف، لمنع اقتراب جهات عدائية من الجولان السوري. خلال الأسابيع الأخيرة، شملت أيضاً قصفاً لمخازن صواريخ تابعة لـ"حماس"، في جنوبي دمشق. وعلى مدار العام المقبل، من المتوقع أن تبدل قوات احتياطية القوات النظامية في السيطرة على المناطق الحدودية، حيث تم، حتى الآن، منع القوات النظامية السورية من الاقتراب من الجولان السوري مرتين.

الضفة الغربية: الجدوى في مقابل التكلفة

  • تتضمن العملية العسكرية للجيش في شمال الضفة خلال الشهر الأخير تصريحات وإعلانات، أكثر مما تضمنت عمليات جديدة، نسبةً إلى الحملات العسكرية التي سبقتها في مخيمات اللاجئين، مثل جنين وطولكرم. آلاف الجنود موجودون هناك في إطار الحملة، واغتالوا 65 "مخرباً" حتى الآن. وبضغط من جهات داخل الحكومة، فرض الجيش غطاءً كبيراً على مراكز "المخربين" في الأغوار وشمال الضفة، ولا تزال الطواقم القتالية في الميدان من أجل الحفاظ على الإنجازات، ومحاولة إيجاد عدد كبير من "المخربين" الذين هربوا.
  • الآن، الهدف العسكري الأساسي في حملة "الأسوار الحديدية" - وهو اسم تم اختياره للتذكير بحملة "السور الواقي"، حين اجتاح الجيش مدن الضفة - هو اغتيال رأس "الإرهاب" الذي نهض من جديد، ولديه بنى "تخريبية" منظمة نسبياً، حتى لو كانت محلية، خلال الأشهر الأخيرة، وذلك بهدف قمع الحوافز التي يمكن أن تنهض من جديد، بعد تحرير مئات "المخربين" من السجون الإسرائيلية في إطار صفقة التبادل.
  • صحيح أن الجيش كشف عن مئات الأدوات القتالية، وأوقف مئات "المخربين" المطلوبين (بعضهم فقط للتحقيق)، لكن هناك وقت نهاية لهذه الحملة أيضاً، وسيتم البحث في مدى نجاحها مستقبلاً، وكذلك إسقاطاتها على بقية الجبهات. وبحسب وصف أحد الضباط في حديث مع "يديعوت أحرونوت"، فإنه "لا توجد هنا دبابات، مثل غزة، لسنا بحاجة إليها، ولا توجد أيضاً مدفعية، ولا ندخل إلى كلّ منزل، ونحن نستخدم النيران الحية، لأننا نعمل هنا بوجود سكان". مضيفاً "هنا، اعتقلنا 30 مشتبهاً فيه في قرية واحدة فقط، ووجدنا 3 مصانع لتصنيع مواد متفجرة. خلال الأسابيع الأولى من الحملة، لم يكن لدينا حتى اشتباك واحد، بسبب هروب أغلبية ’المخربين’".
  • ومقارنةً بغزة، فإن القوات التي خصصها الجيش للحملة في شمال الضفة لم تحقق كثيراً من الإنجازات. ضبط أحد الطواقم القتالية، التي شُكلت من 3 كتائب، عشرات العبوات خلال الأسابيع الأولى من الحملة، و6-7 بنادق مصنعة ذاتياً، وبعض الواقيات من الرصاص، وغرف قيادة، ومختبرات قليلة جداً لتصنيع عدد قليل من العبوات.
  • على هذا الصعيد، سيتوجب على قيادة الجيش قريباً أن تبدي رأيها بشأن توزيع القوات، وخاصة مع احتمال تجديد القتال في غزة واستنفاد العمليات في الضفة. العمليات الهجومية في المنطقة مستمرة، وكذلك القصف الجوي، في ثلاثة مواقع: بالقرب من طولكرم؛ ومخيم جنين للاجئين، وقرية مخماس في الأغوار. والهدف الذي يقترب: تفكيك البنى "الإرهابية" المحلية التي تسمى "كتائب".

 

 

المزيد ضمن العدد