كيف فاتتنا غزة ونحن في طريقنا إلى الانتصار على المحور الشيعي الإيراني؟
تاريخ المقال
المصدر
- إن مرور 500 يوم على اندلاع الحرب هو التوقيت المناسب لإجراء مراجعة بمفعول رجعي.
- يتمثل النصف الممتلئ من الكأس، منذ بداية الحرب، في التحرك المذهل ضد المحور الشيعي، بقيادة إيران. أمّا النصف الفارغ، فيتمثل في الإحراج الكبير أمام المنظومة الفلسطينية في غزة. لكن الأمر الأكثر أهميةً هو أن الطاولة التي وُضعت عليها هذه الكأس تغيرت تماماً مع دخول ترامب إلى البيت الأبيض.
- نبدأ بالأخبار الجيدة: نجحت دولة إسرائيل في تفكيك المحور الشيعي. صحيح أنه لم يكن تفكيكاً كاملاً، وأن الإيرانيين أذكياء وعنيدون، ولن يستسلموا، لكن إذا قارننا الوضع الحالي للمحور بوضعه قبل 7 أكتوبر، فمن الصعب إيجاد أيّ تشابه. لقد حققت إسرائيل إنجازاً مهماً من خلال زعزعة العقيدة الأمنية الإيرانية من أساسها.
- إذا كانت إيران، قبل الحرب، ترى أنها أقوى من إسرائيل، فإن هذه الحال تغيرت اليوم. قبل الحرب، كانت إيران تعتقد أنها قادرة على حسم المواجهة مع إسرائيل في حرب شاملة. صحيح أن أعراض هذا الشعور بالتفوق الإيراني رُصدت من طرف الاستخبارات الإسرائيلية، التي أصدرت تحذيرَين استراتيجيَّين بشأن احتمال اندلاع حرب خلال سنة. كانت هذه الأعراض واضحة للغاية، وبدت جليةً من خلال سلوك حزب الله، لكن الإدراك أننا على حافة الهاوية لم يُستوعب بالكامل. فالخيمة في مزارع شبعا؛ الهجوم الذي أُحبط في اللحظة الأخيرة في مجدو؛ محاولة اغتيال رئيس الأركان الأسبق موشيه يعلون؛ التهديد لمنصة الغاز كاريش، كانت كلها إشارات واضحة إلى حدوث أمر غير عادي.
- للأسف، كان التفسير الإسرائيلي مختلفاً: اعتقدنا أننا أقوى، وأنهم لا يدركون القدرات المذهلة التي نمتلكها (عملية البيجر، على سبيل المثال)، لكن الحقيقة هي أن هذا لا يهم، فما كان مهماً هو وعي المحور الشيعي بقوته وإدراكه ما اعتبره ضعفاً إسرائيلياً. المأساة الأكبر كانت في الفشل في استيعاب أن "حماس" جزء من المحور الشيعي، فالغطرسة والثقة المفرطة اللتان أظهرتهما إيران كان ينبغي أن نُسقطهما أيضاً على "حماس". هذا هو الجانب الذي لم تتمكن الاستخبارات الإسرائيلية من رصده.
- كانت الإنجازات ضد إيران، في الميزان الأمني، مثيرةً للإعجاب، فعلى الرغم من أن إيران لا تزال دولة على عتبة القدرة النووية، الأمر الذي يُفترض أن يردع الأعداء عن مهاجمة أراضيها، فإن إسرائيل هاجمتها مرتين. وعملت أذرع إيران العسكرية من سبع جبهات في وقت واحد، وعلى الرغم من ذلك، فإنها لم تتمكن من إيقاف إسرائيل، أو حتى تأخيرها، بل أكثر من ذلك، تفككت هذه الأذرع بسرعة، وكان حجر الزاوية حزب الله أول مَن انهار. حتى الجيش الإيراني نفسه لم يرقَ إلى مستوى التوقعات، ففي غضون ست ساعات فقط من عملية جوية واحدة، نجح سلاح الجو الإسرائيلي في تدمير منظومة الدفاع الجوي الاستراتيجية الإيرانية. وفي المقابل، وعلى الرغم من وابل الصواريخ البالستية الهائل، فإن منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية تمكنت من منع وقوع أضرار كبيرة.
- "الضربة القاضية" للمحور كانت الانقلاب في سورية. إن توقيت الانقلاب، الذي وقع في يوم تنفيذ وقف إطلاق النار مع حزب الله، يقول الكثير عن العلاقة الوثيقة بين عمليات إسرائيل وسقوط نظام الأسد، يجب أن نفهم أن سورية كانت "محور المحور"، فهي التي مرّ عبرها سلاح حزب الله، بالإضافة إلى جميع الأموال التي تدفقت إلى أنحاء المحور (حتى أموال "حماس" مرّت عبر البنك المركزي السوري، ومن هناك إلى لبنان في شاحنات مصفحة، ثم وصلت إلى غزة عبر شبكة تحويل أموال معقدة)؛ وبعد أن استمعت بعناية إلى خطاب وزير الخارجية السوري في مؤتمر ميونيخ، أنا مقتنع بأن إيران وروسيا لن تعودا إلى سورية الجديدة.
"تأثير غزة" يتردد صداه، لكنه غير كافٍ داخل القطاع
- في مقابل الأخبار الجيدة على جبهة المحور وإيران، فإن غزة والمواجهة ضد "حماس" قصة حزينة. حتى الآن، لم نحقق أياً من أهداف الحرب في غزة بشكل كامل، حيث لا زالت "حماس" القوة العسكرية المسيطرة على القطاع، ولم تتغير قدرتها على الحكم هناك. وعلى الرغم من النجاح الكبير في تصفية سلسلة القيادات، فإن "حماس" ما زالت الجهة التي تحكم غزة، وكل ذلك يحدث في الوقت الذي لم ننجح بعد في استعادة مخطوفينا.
- القول إن ليس كل شيء قاتم صحيح، لقد عدت اليوم من مؤتمر الأمن في ميونيخ، والجميع هناك يتحدثون عن "تأثير غزة"، والدمار الذي نفّذه الجيش الإسرائيلي هناك، والإنجاز التكتيكي في القتال داخل بيئة حضرية مليئة بالأنفاق؛ من الأمور التي يعتبرها الخبراء العسكريون إنجازاً مهماً، هي القدرة على التعامل مع الأنفاق، وتفكيك الوحدات العسكرية لحركة "حماس"، ومستوى التحصين الذي مكّن الجيش الإسرائيلي من الحفاظ على عدد إصابات منخفض نسبياً، على الرغم من التحديات والتوقعات، هذه العوامل كلها تركت انطباعاً جيداً خلال المئة يوم الأخيرة.
- متى تعثرت العملية في غزة، ولماذا؟ هذا غير واضح، وتبادُل الاتهامات بين المستوَيين السياسي والعسكري لا يساعد على الوصول إلى إجابة. نأمل أن تُلقي لجنة التحقيق، التي ستبحث في إدارة الحرب، الضوء على هذا الأمر، فلكلّ طرف استنتاجاته، ولي أيضاً استنتاجاتي، لكن هذا ليس هو المهم في الوقت الحالي. المهم فعلاً هو الإنجاز التكتيكي الهائل الذي يمكن تحويله إلى مكسب سياسي. قبل بدء المناورة البرية، ادّعى كثيرون أننا نواجه مفترق طرق بين خيارَين متناقضَين: إمّا إعادة المخطوفين عبر صفقة، وإمّا شنّ عملية برية لحسم المعركة ضد "حماس"؛ حينها، أكدتُ أن المناورة ضرورية لأنها تمنحنا أدوات وأرصدة إضافية يمكننا استخدامها للحصول على المخطوفين. في هذا الجانب، لم أكن مخطئاً، وفعلاً، هذا ما يحدث الآن. في المرحلة الأولى من الصفقة، نحن ننسحب من مناطق سيطرنا عليها، في مقابل استعادة المخطوفين. لا يمكن الفصل بين الجهد العملياتي الذي وفّر أوراق المساومة هذه وبين هذا الإنجاز. لم يكن في إمكاننا تحقيق ذلك من دون العملية البرية. نعم، هناك استياء بين الجنود المنسحبين، وكثيرون يتساءلون عن جدوى الثمن الباهظ الذي دُفع. والإجابة عن ذلك هي أن هذا الثمن هو ما يتيح لنا استعادة المخطوفين، بالإضافة إلى أن الحرب لم تنتهِ بعد.
- التطور الاستراتيجي الأخير هو الأهم، أي دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فأسلوبه التجاري الجيو - سياسي، وأفكاره غير التقليدية التي تدفع جميع اللاعبين إلى إعادة حساباتهم، تخلق فرصاً جديدة. إن وتيرة الأحداث مذهلة، ولا شك في أن العالم بأسره يرقص على وقع الإيقاع الجنوني القادم من البيت الأبيض، إذ نشهد الآن تغييراً في كل مجال شهد جموداً استراتيجياً. الأردن ومصر يُدفعان إلى التحرك، ويُطلب منهما الفهم كيف يمكن أن يكون لهما دور في حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. أوروبا تستفيق من حلمها المثالي بعالم خالٍ من الحروب، إذ تتكفل الولايات المتحدة بالمهمات الصعبة، بينما تواصل هي تعزيز سياسات الرفاه الاجتماعي المتقدمة. ترامب يدفع بكل قوته نحو فرض نهجه القوي، وصورته الحازمة التي لا تقبل التنازلات. هناك شرطي جديد في الغرب، وهو مَن يضع القوانين. ربما يُعيد ترامب تشكيل الولايات المتحدة بطريقة تُضعف الديمقراطية الأميركية، ومن المحتمل أن تؤثر سياساته في جميع الديمقراطيات الليبرالية في المدى البعيد، لكن في المدى القصير، وحتى الآن، فإن النهج التعطيلي الذي يتبناه يحقق نتائج مفيدة.
في غياب رؤية للمنطقة، ترامب يملأ الفراغ
- "اليوم التالي"، هذا المفهوم المجرد الذي كان يجب علينا مناقشته منذ اليوم الثاني للحرب، أصبح واقعاً، لكننا لا نزال نختلف بشأنه. والإنجازات التكتيكية المذهلة لم تُترجم بعد إلى مكاسب سياسية. لقد أصبحنا مجدداً جذابين لدول الخليج، بفضل القوة العسكرية التي أظهرناها، وأيضاً بفضل الدعم الذي نتلقاه من ترامب. الآن، هو الوقت المناسب لاستغلال هذه اللحظة من أجل بلورة إطار جديد لتحالف إقليمي.
- حتى الآن، لم تطرح إسرائيل رؤية واضحة للشرق الأوسط تتيح استغلال الوضع الجديد الذي حققناه، لكن في المقابل، مَن قدّم الرؤية هو الرئيس ترامب، لكن هذه الرؤية، في حال تنفيذها، قد تعرّض اتفاقيات السلام بين إسرائيل ومصر للخطر، فهو يطالب بتدخّل العديد من الدول لاستيعاب مزيد من المهاجرين في ساحاتهم الخلفية، في وقت تُعتبر الهجرة واحدة من أكثر القضايا إشكاليةً في العالم.
- الخطر في طرح ترامب هو أننا قد نتخلى عن خطة واقعية ومعقدة، مثل تطبيع العلاقات مع السعودية وإنشاء تحالف دفاعي إقليمي، في مقابل حلم غير قابل للتحقيق، يتمثل في اختفاء القضية الفلسطينية. في نهاية المطاف، ما لن يختفي بالتأكيد هو مشكلة "حماس" في غزة، وعندما تنتهي الصفقة، سنجد أنفسنا مجدداً أمام هذه المشكلة، الخيارات المطروحة سيئة، سواء الحكم العسكري، أو سياسة "اجلس وانتظر"، أو لجنة مدنية فلسطينية، فهي كلها تتطلب استعداداً مسبقاً، وفي هذه الحالة أيضاً، التسويف يؤدي إلى كارثة.