فرصة نادرة: الطريق إلى اتفاقات تاريخية مع لبنان وسورية
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

  • الاضطرابات التي هزت الشرق الأوسط في النصف سنة الأخيرة خلقت واقعاً جديداً غير مسبوق على الحدود الشمالية لدولة إسرائيل. وفي الوقت الذي نأمل، جميعاً، بالتطبيع مع السعودية، من المحتمل جداً أن يوجد على الحدود الشمالية إمكان حقيقي للتوصل إلى تسوية للعلاقات بيننا وبين لبنان وسورية، تكون استمراراً لاتفاقات وقف الأعمال العدائية، والحد من المواجهة بصورة كبيرة. إذا تصرّفنا بصورة صحيحة، فمن المحتمل أن نصل، لاحقاً، إلى اتفاقات سلام كاملة، بالتأكيد مع لبنان الذي لا توجد بينه وبين إسرائيل خلافات ونزاعات جوهرية. ويتعيّن على لبنان، وعلى سورية، أن ينفصلا (Decoupling) عن المشكلة الفلسطينية، وترك قيادة الموضوع الفلسطيني للسعودية.
  • في لبنان، إسرائيل ضربت حزب الله بعنف، وبالإضافة إلى الخسائر الكبيرة التي تكبّدها، فإنها صدّعت صورته كقوة لا تُقهر، وأثبتت أن استراتيجية قتاله من داخل البنى التحتية المدنية لا تحميه، وألحقت ضرراً كبيراً بالسكان الذين يستخدمهم الحزب "دروعاً بشرية". لقد ضعف تأثير الحزب في لبنان كثيراً، الأمر الذي سمح للدولة بالخروج بسرعة من حالة الجمود السياسي الذي فُرض عليها في العامين الماضيَين، وانتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة.
  • في سورية، انهار نظام الأسد، الحلقة المركزية في العلاقة بين إيران وحزب الله، وحلّ محله نظام معادٍ لإيران، وللمحور الشيعي، ووجوده يجعل من الصعب على إيران ترميم حزب الله والتمركز من جديد في الأراضي السورية، أو التدخل في لبنان من هناك. لقد فهمت دول الخليج، بزعامة السعودية، الفرصة الكبيرة الناجمة عن خسارة السيطرة الإيرانية في سورية، وهي تتسابق على النفوذ في هذه الدولة. ويجري هذا من خلال استغلال الحاجة الكبيرة للنظام الجديد في دمشق، ولرئيسه أحمد الشرع، إلى المساعدة من أجل إعادة بناء الدولة المدمرة، بعد أكثر من عقد ونصف من الحرب الأهلية.

قصة جديدة في لبنان 

  • لا يتحدث سكان لبنان من المسيحيين والسنّة والدروز عن ذلك علناً، لكن في الغرف المغلقة، يعتقد قسم منهم أن عهد هيمنة حزب الله على لبنان قد انتهى، بينما يشكك قسم آخر في ذلك. في المقابل، المواطنون اللبنانيون الشيعة يتملكهم شعور عميق بالهزيمة والحزن على موت زعمائهم، وفي طليعتهم نصر الله، وهم يدركون أن وضعهم الاجتماعي والاقتصادي يمكن أن يتضرر في ظل ضُعف حزب الله.
  • في جميع الأحوال، يبدو أن النقاش في لبنان يتقدم الآن بشأن مسألة كيفية استغلال الفرصة السانحة، ولأول مرة في تاريخه، من أجل أن يعود "دولة حقيقية" تمتاز بتعددية ثقافية وطائفية، والحكومة هي التي تسيطر على مؤسساتها وسلاحها. ويُضاف إلى الضرر الذي لحِق بالقوة العسكرية للحزب، خسارة الائتلاف السياسي الذي كان لديه من خلال التحالف مع "التيار الوطني الحر" المسيحي، وخسارته الثلث المعطل في الحكومة الجديدة. وبقيَ من دون تغيير حليفه نبيه بري، الذي من المهم إبعاده عن دوائر المال والسلطة والتأثير.
  • في ضوء هذه الظروف، في استطاعة لبنان تقوية مؤسساته وتغيير الواقع الذي استغله حزب الله لكي يقدم ما فشلت الدولة في تقديمه، وسحب البساط من تحت أقدام الحزب بالتدريج. يبقى أنه من دون نزع سلاح حزب الله، استناداً إلى القرار 1559، ونزع السلاح من الجنوب اللبناني، استناداً إلى القرار 1701، ومن دون حصرية حمل السلاح في الدولة، لا إصلاح حقيقياً في لبنان.
  • من الواضح أن رئيس الحكومة الجديد يدرك ذلك. لقد اتخذت الحكومة خطوات لمنع تدفُّق المال إلى حزب الله من خلال وقف الرحلات الجوية من إيران إلى مطار بيروت، الأمر الذي أدى إلى مواجهة عنيفة مع ناشطي حزب الله، كذلك، لم يذكر البيان الوزاري للحكومة الحق في "المقاومة المسلحة"، الذي منح سلاح حزب الله شرعية رسمية حتى اليوم.

نظام جديد في سورية

  • النقطة المفتاحية في التأثير في سورية هي مسألة إعادة إعمار الدولة التي ستكلف مئات المليارات من الدولارات. فالنظام الجديد بحاجة ماسة إلى دول الخليج، وفي طليعتها السعودية، الدولة الأولى التي زارها أحمد الشرع، ولم تكن صدفة أنه بعد صعوده إلى الحكم، وبعد أن أصبح واضحاً له أن تركيا التي دعمته كل هذه السنوات لا تملك الموارد الهائلة التي تتطلبها إعادة إعمار سورية. بناءً على ذلك، فإن سلوك الشرع حيال الغرب ودول الخليج تمليه الحاجة إلى الموارد من أجل إعادة الإعمار الذي يتسابق عليه كلٌّ من لبنان وغزة أيضاً.
  • الشرط المباشر للبدء بإعادة الإعمار في سورية هو إزالة "عقوبات قيصر" الأميركية. ومن أجل هذه الغاية، يوجّه الحاكم الجديد في سورية رسائله ونشاطه الدبلوماسي نحو واشنطن (التي الطريق إليها تمرّ في القدس). في المقابل، النظام الجديد في سورية يكنّ العداء الشديد لإيران وحزب الله اللذين ساعدا الأسد ضد السنة في سورية، وقاتلا إلى جانبه... والنظام الجديد مصرٌ على عدم السماح لإيران بأن يكون لها موطىء قدم في سورية، ويعمل بقوة من أجل قطع طريق التهريب والسلاح إلى حزب الله، عبر حدوده مع لبنان.

استنفاد الفرصة

  • تعمل إيران، التي تعرّض نفوذها في لبنان وسورية لضربة قاسية، على ترميم قوة حزب الله من خلال تدفّق الأموال على الحزب، ومن المعقول أن تسعى، في المقابل، لتقويض النظام الجديد في سورية، بهدف العودة إلى التمركز هناك. ومن أجل الحؤول دون حدوث ذلك، من المهم أن تتمكن المساعي التي تقوم بها إسرائيل والولايات المتحدة من ضمان عدم تعافي حزب الله، وعدم عودة إيران "الفيل الذي رُمي خارج الغرفة"، إلى لبنان، ولا إلى سورية.
  • بالنسبة إلى لبنان، من بين أهم العوامل للاستفادة من الفرصة هو إغلاق الحدود مع سورية. هذا الأمر مهم جداً من أجل إضعاف حزب الله ومنع ترميم مكانة إيران في لبنان. يتعيّن على الحكومة اللبنانية الجديدة الطلب من سورية الاعتراف بسيادتها ووقف تهريب السلاح والمخدرات، حسبما نصّ عليه قرار مجلس الأمن 1701، وطلب مساعدة المجتمع الدولي من أجل هذه الغاية. ومن المهم إشراك العراق، الذي تستخدم إيران أراضيه من أجل الوصول إلى سورية ولبنان، في مسعى إغلاق الحدود.
  • تستطيع إسرائيل مساعدة الحكومة اللبنانية بصورة غير مباشرة من أجل فرض سيادتها والمضيّ قدماً نحو حصرية السلاح، وفق قرارَي مجلس الأمن 1701 و1559، من خلال منع الوجود العسكري لحزب الله في جنوب الليطاني، تطبيقاً لقرار وقف إطلاق النار. وذلك من خلال استمرار تمركُزها في خمس نقاط قريبة من الحدود من أجل ضمان أمن سكان الشمال، بالإضافة إلى التعهد بانسحاب في المستقبل، بعد السيطرة الكاملة للجيش اللبناني على المنطقة، بحسب الاتفاقات، كي لا تعطي حزب الله حجة للاستمرار في التمسك بسلاحه. في المقابل، ثمة مصلحة لكلٍّ من إسرائيل ولبنان في حلّ النقاط الخلافية فيما بينهما، وهي ليست جوهرية (لا يوجد نزاع على موارد، أو على أراضٍ)، والاتفاق على مناقشة التعديلات الضئيلة على الحدود بين البلدين، بعد حلّ مشكلة السيادة على مزارع شبعا بين لبنان وسورية، وإزالة العقبة النهائية التي تعترض العلاقات الإسرائيلية- اللبنانية.
  • بالنسبة إلى سورية، هناك خلاف على هضبة الجولان، وأعلن النظام الجديد في سورية أنه لن يتخلى عنها، حتى لو كان الموضوع غير مطروح اليوم على جدول أعماله. تملك إسرائيل، من خلال الولايات المتحدة ودول الخليج، أدوات ضغط كثيرة على النظام الجديد في سورية - موارد لإعادة الإعمار وإلغاء العقوبات الأميركية، التي يمكن اشتراط الحصول عليها من خلال طرح  مطالب أساسية  على النظام الجديد في دمشق. إنها نوع من "شروط اللجنة الرباعية" المطلوبة من سورية، والتي يجب تحديدها بدقة ووضع النظام الجديد في سورية موضع اختبار؛ ومن بينها ألّا تشكل سورية تهديداً عسكرياً لجيرانها، وألّا تكون ملجأً "للإرهاب"، وأن تعترف بالاتفاقات السابقة، وألّا تسمح بتمركُز المحور الإيراني، وأن تسيطر على حدودها وتحمي الأقليات.
  • إن الوجود العسكري الإسرائيلي في الأراضي السورية في منطقة فاصلة في جبل الشيخ خطأ يعرقل تسوية العلاقات كأمر واقع مع النظام في دمشق. ولا يخدم هذا الوجود حاجة أمنية دفاعية حيوية، وتعتبره سورية والدول العربية التباشير الأولى للنيات التوسعية الإسرائيلية، وهو يحوّل الأنظار إلى مسألة مرتفعات الجولان كلها، ويمنع تطبيق اتفاقات فصل القوات الموقّعة بين البلدين في سنة 1974، والتي يلتزم بها النظام الجديد في سورية علناً.
  • في الخلاصة، إن تحقيق الاستقرار على الحدود مع لبنان وتحويلها إلى حدود هادئة ("الجدار الطيب") هو أمر مطروح على الورق. وبمرور الوقت، وكلما جرى منع النفوذ الإيراني في لبنان وتعمّق ضُعف حزب الله، من المهم العمل على الدفع قدماً باتفاقات وقف الأعمال العدائية بين لبنان وبين إسرائيل، والسعي، مستقبلاً، لضم لبنان إلى اتفاقات التطبيع، فمجرد طرح هذا الاقتراح ومناقشته، علناً، سيقوّض شرعية حزب الله...
  • في سورية، النظام الجديد الملتزم بإبعاد إيران عن الدولة، والذي سيكون مشغولاً في المستقبل بإعادة الإعمار، غير معنيّ بالدخول في مواجهة مع إسرائيل، ويعتبر العودة إلى تطبيق اتفاق فصل القوات إنجازاً. لذلك، يمكن التوصل معه إلى اتفاقات بشأن وقف الأعمال العدائية، على أساس مبادىء متفق عليها، وفوائد أميركية.
  • كل هذا ينطوي على إمكان التوصل إلى علاقات مستقرة وحدود هادئة مع لبنان وسورية، تسمح لإسرائيل بإعادة إعمار الشمال، وتوسيع معسكر السلام مع الدول المعتدلة في الشرق الأوسط وخارجه.

 

 

المزيد ضمن العدد