هل كانت الأجنّة التي أبيدت بالقصف داعمةً لـ"حماس"؟
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- عندما أصابت القذيفة عيادة الإخصاب المركزية في غزة خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر 2023، أبادت 4000 من الأجنة مرة واحدة - بحسب تقرير الأمم المتحدة الذي نُشر الأسبوع الماضي. ووفقاً للتقرير، فإن المبنى الذي توجد فيه العيادة لم يكن مرتبطاً بأيّ مبانٍ أُخرى، وعُلّقت عليه يافطة كبيرة تشير إلى أنه مركز إخصاب. الجيش قال إنه لم يكن يعلم بالقصف، وأن الأمر لم يكن مقصوداً. واللجنة التي فحصت الموضوع لم تجد أيّ دليل على أن المبنى استُخدم لأهداف عسكرية - بما معناه، لا يمكن تبرير القصف بالادعاء المعتاد أنه تم إطلاق صواريخ من المبنى، أو اختبأ فيه "مخربون"، أو استُعمل لتخزين السلاح، وفيه فتحات أنفاق.
- وحسبما هو متوقع، الجميع في إسرائيل رفض التقرير، بمن في ذلك المعارضة والائتلاف وإعلام التيار المركزي. أخيراً، يوجد لدينا بعض الوحدة في الدولة المنقسمة. تعامل الإسرائيليون من كافة المشارب السياسية مع التقرير على أنه معادٍ للسامية، ولا يوجد فيه أيّ سطر، أو فقرة تستحق الفحص من أجل تأكيدها، أو حتى نفيها.
- يمكن فهم بعض التحفظات عن التقرير، وبصورة خاصة مع الأخذ بعين الاعتبار التردد الذي ساد الأمم المتحدة والمنظمات النسوية الدولية بشأن اتهام "حماس" بـ"جرائم جنسية" بحق الإسرائيليات المخطوفات. لكن هذا لا يبرّر التبرؤ الجارف مما ورد فيه، وخصوصاً أن جزءاً من هذه الجرائم جرى توثيقه على أيدي جنود الجيش، وكان مكشوفاً أمام الجميع. هذا بالإضافة إلى أن جزءاً كبيراً من التقرير يتطرق إلى الضرر الذي ألحقته إسرائيل بكامل قطاع الإخصاب في القطاع، فضلاً عن الضربة المباشرة لعيادة التخصيب، وأيضاً الهجمات على أقسام الولادة في المستشفيات، وتأثير الظروف والنقص في الأدوات الطبية والوقود والكهرباء في النساء الحوامل والوالدات والرضّع، وكذلك تأثير الجوع في النساء المرضعات، وغيرها من الأمور.
- ثمة لا مبالاة لدى أغلبية الإسرائيليين بشأن قتل النساء والأولاد في القطاع، حتى إن لامبالاتهم تترافق مع إنكار، وهو ما لاحظه موشيه يعلون بعد الهجوم عليه بسبب مقولة "أنا أتوقع ألّا ترسل إسرائيل جنودها لقتل الأطفال في غزة". لذلك، من السذاجة انتظار ردّ حساس على إبادة الأجنة. لكن آلاف الأجنة هذه التي أُبيدت بقصف مدفعي، هي نتاج علاج تخصيب مؤلم مرّت به النساء. إنها الآمال والأحلام التي قُتلت وتبخرت. وفي إسرائيل بشكل خاص، الدولة التي تسجل رقماً قياسياً من حيث الخصوبة والإنجاب، وعلاج الخصوبة فيها منتشر كثيراً، فإن هذه اللامبالاة تثير الاهتمام. تكفي مقارنتها، مثلاً، بعاصفة المشاعر التي تُرافق إخفاق الأجنة في فضيحة مستشفى "أسوتا" الذي بدّل الأجنّة، وقررت المحكمة، الأسبوع الماضي، مَن سيتولى رعاية الطفلة.
- إن قرار المحكمة قبول استئناف العائلة المربية للطفلة صوفيا أشعل النقاش من جديد بشأن مصير الطفلة، إذ من الواضح أن أيّ قرار بشأنها سيكون مسبباً لألم أحد الأطراف. حتى مَن يعتقد أن مصلحتها هي في البقاء مع الأهل المربّين، ومع أمها التي حملتها في رحمها وولدتها، يعترفون بالألم الذي سيرافق الأهل الذين تبرعوا بالبويضات والحيوانات المنوية، إذ إن إخفاق المستشفى سرق منهم أجنّتهم. وماذا سيحدث لآلاف الأهالي المحتملين الذين عولجوا كل شهر وشهر داخل عيادة الإخصاب التي قصفتها إسرائيل في غزة؟ أو أن الإسرائيليين - الذين يعتقدون أنه لا يوجد أبرياء في غزة - ينظرون إلى هذه الأجنة على أنها داعمة لـ"حماس"؟