المواجهة بين نتنياهو وبار تقرّبنا إلى نوع من أنواع الحرب الأهلية
تاريخ المقال
المواضيع
فصول من كتاب دليل اسرائيل

مهند مصطفى


أسامة حلبي, موسى أبو رمضان


أنطوان شلحت

المصدر
- إن المجتمع الإسرائيلي، بدءاً من جنود الاحتياط على حدود غزة، وصولاً إلى قضاة المحكمة العليا والمحللين في الإعلام، منقسم في ظلّ النظام الحاكم اليوم إلى مجموعتين: مجموعة مقتنعة بأن حياتنا طبيعية، وأن كل شيء حدث فعلاً، ولكلّ جنون سابقة؛ ومجموعة مقتنعة بأن نتنياهو والمحيطين به تخطوا كل الحدود. رونين بار [رئيس جهاز "الشاباك"] ينتمي إلى المجموعة الثانية بشكل واضح.
- يجب التصرف في الحرب كما هي الحرب، وفي الجنون كما هو الجنون، هذا ما يقوله رونين بار في نفسه، ويتصرف استناداً إليه. هو لا ينوي الاستقالة، ويبدو كأنه لا يريد أن يُقال أيضاً. طبعاً، سيحترم قرار الحكومة بشأن إقالته- لكن قرار تركه المنصب لن يكون قراره، بل قرار المستشارة القانونية للحكومة والمحكمة العليا. وما دامت المسارات القضائية لا تزال مستمرة، سيبقى في منصبه. فبعد لقاء الإقالة مع نتنياهو، عاد إلى مكتبه وليل عمل طويل، ليس بسبب نتنياهو، بل بسبب غزة.
- لا فكرة لديّ عمّا إذا كان تحدث مع [المستشارة القانونية] غالي بهراف - ميارة، لكن يوجد لديهما الكثير من الأمور المشتركة: تقدير متبادل، وجبهة واحدة، وقلب حديدي، وروح قتالية. يستخرج نتنياهو منهما صفات أشك فيما إذا كانا يعلمان بوجودها أساساً.
- وفعلاً، بنَت المستشارة القانونية للحكومة في البيان الذي أصدرته أمس العائق الأول، المهم جداً، أمام تنفيذ الإقالة: "لا يمكن بدء مسار إنهاء الولاية؛ منصب رئيس جهاز الأمن العام ليس منصباً تابعاً، ولا يخدم رئيس الحكومة بشكل مباشر". وعندما دخل رونين بار للقاء نتنياهو، افتتح الحديث بسؤال: على أيّ أساس تتهمني بالابتزاز؟ متى ابتززتك؟
- تطرّق نتنياهو إلى مقال كتبته زميلتي سيما كدمون، ونُشر يوم الجمعة، قبل 9 أيام، جاء فيه "من الأفضل له أن يفكر جيداً قبل أن يستفزّ رؤساء الشاباك، حتى السابقين؛ ففي نهاية المطاف، هم يعرفون عنه بعض الأمور، وعن حياته وابنه الغالي على قلبه. بار أصيب بالذهول، على الرغم من أنه شهد بعض الأمور الغريبة في حياته، حتى في ظل ولاية نتنياهو. وقال لنتنياهو: لم ألتقِ سيما كدمون في حياتي كلها، ولم أتحدث معها".
- مع كل الاحترام لسيما - وأنا أحترمها - فإن مقالتها في الصحيفة لا يمكن أن تُستعمل كدليل لتبرير إقالة رئيس "الشاباك"، هذا جنون.
- مَن يملك ذاكرة طويلة قوية يتذكر فضيحة التسجيلات في سنة 1993- حينها، ذهب نتنياهو إلى التلفاز مذهولاً، واتهم دافيد ليفي والمحيطين به بأنهم يهددونه بالكشف عن تسجيل علاقة حميمة له مع حبيبة في تلك الفترة، قائلاً: يحاولون ابتزازي. كان لديه حبيبة فعلاً، لكن لم يكن هناك أيّ ابتزاز.
- رونين بار شخص لافت، لديه قدرات استثنائية. ربما كانت إسرائيل ستستفيد لو كان رئيساً للحكومة ووجّه دعوة إلى نتنياهو من أجل مقابلة إقالة. لكن المواجهة فيما بينهما خطِرة، وتقرّبنا من الحرب الأهلية من دون سلاح حتى الآن، لكننا في المرحلة الأولى، في ظلّ فقدان الثقة وعدم الالتزام في الأجهزة الأمنية. فالتفرقة التي يبثها بار ما بين المملكة والملك مثيرة، لكنها إشكالية في حالة "الشاباك": إن وظيفة الجهاز هي الحفاظ على المملكة، والملك، والملكة، وحتى الأمير.
- إذا كان سبب الإقالة التحقيق في قضية "قطرغيت"، فهذا غريب. هناك شيء غير صحيح يحدث، والأدق أن رائحته العفنة تفوح في أوساط مساعدي رئيس الحكومة لمصلحة دولة غريبة، وهي ليست صديقة بالضرورة. لا يمكن ترك هذا التحقيق. ويمكن الافتراض أن الفجوة ما بين بار ونتنياهو بدأت مع الاحتجاجات في الأساس، فنتنياهو يؤمن فعلاً بأن الدولة العميقة ومَن فيها يتآمرون عليه، ويريدون ابتزازه، أو حتى الإجهاز عليه، والجهود التي بذلها بار في الدفع بتنفيذ صفقة التبادل جعلت الوضع أخطر. لم يكن نتنياهو معجباً بالصفقة، ولا بموقف بار المستقل، وإقالته من منصبه في المفاوضات ليست اعتباطية.
يحق له ما يحق لترامب
- إن خطاب الثقة الذي ألقاه نتنياهو، بعد عودته من واشنطن، هو المفتاح للفهم: ما يحق لترامب، يحق له أيضاً. كل شيء يبدأ به - ولا يوجد ولاء إلّا له.
- يبدو أن المقولة الغبية التي ذكرها نداف أرغمان في مقابلة أجرتها معه يونيت ليفي كانت القشة التي قسمت ظهر البعير. لقد فسّر نتنياهو أقوال أرغمان بأنها تهديد، وكالعادة، افترض أن هناك مجموعة ومؤسسة كاملة تتآمر ضده: أرغمان نسّق مع كلّ الذين سبقوه، ومع مَن خلفه أيضاً. وأرغمان يريد ابتزازي، وإن لم يرد، فيمكن ابتزازه، وعليه أن يقوم بأكثر من مجرد تقديم شكوى ساذجة للشرطة. لذلك، قرر القيام بشيء ما، وهذه كانت مساهمة أرغمان المتواضعة في إقالة بار.
- يبدو أننا مقبلون على أيام سيكون فيها القتال متصاعداً في غزة من دون صفقة، ومن دون مخطوفين، ومن دون أن يحصل الجمهور على تفسير للاتجاه الذي نسلكه عسكرياً. إنها أزمة ثقة خلال القتال.
- ستنتهي المواجهة الدستورية الآن بشأن إقالة بار، أغلب الظن، بتعيين رئيس جديد لـ"الشاباك". ستكون مهمته الأولى التعامل مع الأزمة الداخلية (بار نجح في منع الزعزعة داخل الجهاز، بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر. الإقالة الآن تخلق وضعاً جديداً). وسيكون تسريع إقالة المستشارة القانونية للحكومة قريباً، ويمكن أن يكون وقوفها إلى جانب بار مسماراً آخر في لائحة الاتهام ضدها. وسنجد أنفسنا أمام "شاباك" مختلف، ونيابة مختلفة، ومحكمة عليا مختلفة، ولاحقاً، قوانين أساس مختلفة. إن رئيس الحكومة الذي فقد الكوابح سيسيطر علينا مثلما يريد، وحكومته الفاشلة ستسير خلفه. هل هذا طبيعي؟ طبعاً لا.