يجب استغلال التظاهرات ضد "حماس" من خلال المزج ما بين القوة السياسية والإعلامية الناعمة وبين القوة العسكرية
تاريخ المقال
المصدر
- كلنا اطّلعنا على التقارير المتعلقة بتظاهرات الغزّيين ضد "حماس"، ووسائل الإعلام شرحت وفسّرت، ولقد وردت أخبار هذه التظاهرات في مقال نشره نداف إيال في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ورئيس الحكومة أشار إليها في خطابه، كذلك، أجرى عدد من الوزراء مقابلات تتعلق بهذا الموضوع، وتناولتها وسائل الإعلام الدولية بإسهاب. لم يتضح بعد مدى صدقية هذه الاحتجاجات، ولا حجمها. واستناداً إلى تجربة الماضي، من غزة وحتى طهران، فإن حظوظ نجاحها ليست كبيرة. ما زال من غير الممكن تفسير سبب حدوث هذه التظاهرات إذ قد يُقال "أن سبب انفجار الاحتجاج الآن "أن الناس ذاقوا طعم وقف إطلاق النار فترة طويلة، وعادوا إلى أراضيهم، بعد أشهر عديدة من السكن الموقت". هذا التفسير منطقي، لكنه لا يستند، بالضرورة، إلى أساس تاريخي. فالغزّيون عرفوا الدمار والتيه. وعرفوا ثمن الخسارة في الحرب على مدى أعوام، قولاً وفعلاً. وعلى الرغم من ذلك، فإنه ما زالت هناك أعداد كبيرة مُقلقة من مؤيدي "حماس" في أقسام كبيرة من القطاع. شارك عدد كبير منهم في "المذبحة"، أو أيّدها. فلماذا تحركوا الآن؟ وحده الزمن سيخبرنا.
- مع هذا كله، وإذا أردنا أن نكون متفائلين، فإن ما جرى له أهمية كبيرة. ليس فقط لأن المقصود حدث استثنائي، بل بسبب المسؤولية الملقاة على إسرائيل. يشير إيال في مقالته إلى "أن الانتصار في الحرب لا يكون بالمدافع والقصف فقط، بل أيضاً بالتحركات السياسية". ومن المؤكد أن هذا الكلام صحيح. إن تحريك خطوات سياسية من أجل التوصل إلى إجماع بشأن "اليوم التالي"، هو أمر بالغ الأهمية، لكن من أجل إتاحة الفرصة له، من المهم التأكد من أن الميدان، وخصوصاً الجمهور الغزّي، مستعدان عموماً. وإذا نشأ فعلاً شرخ بين "حماس" وسكان غزة، يتعين على إسرائيل العمل على توسيعه، لكي تتمكن من العبور من خلاله. ومثل هذا الواقع المنقسم هو الذي سيعدّ الأرضية للخطوات الرامية إلى إنهاء الحرب. ومن دونه، ستنشأ توافقات دولية من فوق رأس الجمهور الذي يرفض التعاون.
- إن السبيل إلى ذلك هو المزج بين "القوة الناعمة" - السياسية والإعلامية، والقوة العسكرية. وستساهم هذه العملية، فضلاً عن أهدافها العملانية الواضحة، في خلق شعور تأملُ إسرائيل ببثّه وسط الغزّيين. بكلمات أُخرى، يتعين على إسرائيل القيام بعملية على صعيد الوعي، هي الأكبر في تاريخنا. وذلك قبل أن يقتنع الجمهور الإسرائيلي بأن التظاهرات حقيقية، وتنطوي على احتمالات لتغيير الوضع، يجب على الجمهور في القطاع أن يعتقد ذلك أيضاً. وعليه أن يصدّق هذه المرة أنه قادر على تخطّي حاجز الخوف. ليس حباً بصهيون، بل كرهاً بالوضع الحالي. تعرف المنظومة الأمنية كيفية التوصل إلى ذلك من خلال عدة وسائل، لكن هذا لا يحلّ المشكلة. إن احتلال القلوب أصعب كثيراً من احتلال الأرض، والقلوب المتأججة، من الصعب الوصول إليها. لهذا السبب، ما حدث ليس أمراً له علاقة بالجيش الإسرائيلي فقط، بل عملية وطنية مشتركة تستدعي تحريك كل موارد الدولة.
- وكجزء من هذه العملية، يجب القيام بعمل موازٍ حيال دول العالم من أجل التوصل إلى اتفاقات سياسية مستقبلية. وليس حيال الغرب فقط، بل مع الدول العربية التي سيكون لها دور في إطار هذه الاتفاقات. إن الحصول على الشرعية من هذه الدول للقيام بمناورة عسكرية، أو صفقة مخطوفين، هو من خلال تعزيز الوعي بأن الأمر يخدم رغبة سكان القطاع في المديَين القصير والطويل.
- وبينما تتواصل الحملة العسكرية، ويقبع رهائننا في الجحيم، من المحتمل أن يكون هناك فرصة لتأسيس شروط "اليوم التالي". قد يكون ثمة شك في حدوث هذا الأمر، لكن تحقُّقه يفرض علينا أخذ زمام المبادرة. الجانب العسكري بدأ، لكن الجانب المتعلق بالوعي لا يقلّ أهمية.