الضفدع الذي اضطر يسرائيل كاتس إلى ابتلاعه: معركة الصلاحيات في قيادة المنظومة الأمنية
تاريخ المقال
المواضيع
فصول من كتاب دليل اسرائيل

مهند مصطفى


أسامة حلبي, موسى أبو رمضان


أنطوان شلحت

المصدر
- وزير الدفاع ورئيس الأركان يلتقيان، هكذا قرأت في مكان ما، قرأت ولم أفهم سبب الفرحة الكبيرة، وما الجديد في ذلك. في العادة، يلتقي الإثنان في جلسة عمل أسبوعية، وهذا ما يُسمى بـ"العمل الجاري". فخلال فترة خدمتي في مكتب وزير الدفاع، كان اللقاء يُعقد بعد ظهر يوم الجمعة، وبالإضافة إلى ذلك، كانا يتحدثان، ويلتقيان مرات عديدة خلال الأسبوع، وذلك بحسب التطورات العسكرية في الحرب. كذلك، هما يلتقيان أيضاً في جلسات الحكومة والكابينيت. باختصار، من المفترض أن تكون العلاقة بينهما دائمة ومتواصلة، مثلما يليق بعلاقة ما بين وزير دفاع ورئيس أركان.
- وقرأتُ أيضاً أنهما يلتقيان من أجل "تسوية الخلافات فيما بينهما". اعذروني، إن وزير الدفاع ورئيس الأركان ليسا في المستوى نفسه، ولا "يسوّيان الخلافات" بينهما. وزير الدفاع هو "السلطة السياسية" التي تقف فوق رئيس الأركان، ويتلقى منه التقارير، على الرغم من أن رئيس الأركان لا يخضع له مباشرةً، بل للحكومة بأكملها، لكن قيل، فعلاً، إن الوزير يمثّل الحكومة في هذا الشأن. كُتبت عن هذا الموضوع كتب، ودارت حوله نقاشات لا حصر لها، لذلك، دعونا نترك هذا الآن.
- من الواضح أن خللاً كبيراً جداً طرأ على هذه العلاقة. كل شيء بدأ مع تعيين كاتس وزيراً للدفاع، والذي كان يهدف، من بين أمور أُخرى، إلى إقالة رئيس الأركان، بالتنسيق مع رئيس الوزراء (الذي لم يرغب قط في تعيين هرتسي هليفي في المنصب، لكن زمن التغيير المرتقب لم يكن قد حان)، شرع كاتس في حملة سريعة تهدف إلى إضعاف رئيس الأركان، والمسّ بمكانته العامة، ودفعه إلى الاستقالة. كاتس لم يفهم، أو لم يرغب في أن يفهم أنه بهذا الأسلوب يُضعف أيضاً الجيش الإسرائيلي، ويقوّض ثقة الجمهور به، فكل الوسائل مباحة من أجل هذه الغاية: هرتسي هليفي إلى البيت.
- وهكذا أيضاً كنا نسمع يومياً أن "وزير الدفاع وجّه"، وأن "وزير الدفاع أمر"، وأن "وزير الدفاع يطالب"، وأن الوزير، الوزير، الوزير... إلى درجة أن المتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلي، العميد دانييل هغاري، اضطر إلى الطلب من الوزير، علناً، التصرّف بحسب المتّبع والصحيح، بمعنى أن يتحدث مع رئيس الأركان، ببساطة ووضوح.
- رحل رئيس الأركان، وأُنجزت المهمة، لكن كاتس تجاوز الحد خطوةً واحدة. لقد نسيَ، أو ربما أحب فكرة أنه يمكن إدارة رئيس الأركان بشكل علني. وقعت بين يديه "قضية أورن سولومون"، ضابط احتياط كبير قاتل في "غلاف غزة" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ثم أدار، لاحقاً، تحقيقاً في أداء فرقة غزة. ووفقاً للتقارير، لقد أخذ خلال خدمته في الاحتياط مستندات سرية إلى منزله، وبسبب ذلك، قرر رئيس الأركان إنهاء خدمته في الاحتياط. لكن سولومون ردّ فوراً، مشيراً إلى أن سبب إقالته هو محاولة لحماية المستويات العليا في الجيش الإسرائيلي، أي رئيس الأركان نفسه.
- برزت من بين السطور مسألة أُخرى خطِرة، فسولومون عضو في حركة "الأمنيون"، وهذا حقه، لكن ذلك يثير قلقاً شديداً من أن عضويته في هذه الحركة كانت أحد الدوافع إلى توجيه الانتقادات إلى رئيس الأركان. إن دعمَ وزير الدفاع لهذا التصرف يعني مزيداً من التسييس للجيش الإسرائيلي. ونذكّر هنا أيضاً بالعميد (احتياط) إيريز فاينر، والعميد (احتياط) عوفر فينتر، اللذين ارتبطا بقضية مماثلة. "ها هي فرصتي لترتيب الأمور هناك"، قال وزير الدفاع، وعلى الفور، أمر رئيس الأركان بتحديد لقاء له مع سولومون، ووجّه بتأخير إنهاء خدمته.
- رئيس الأركان ردّ بسرعة، وفي الوقت المناسب، وقرر أن الإقالة كانت في محلها، وأنه تصرّف بالتشاور مع الجهات القانونية في الجيش الإسرائيلي، وأنه لا ينوي قبول تعليمات علنية من وزير الدفاع. كان هذا "إعلان الاستقلال" من زامير، الذي أدرك أنه "إن لم يكن الآن، فمتى؟"، وتعليمات علنية إضافية من وزير الدفاع كانت كفيلة بطرحه أرضاً. والحقيقة أنه لم يكن لديه مشكلة حقيقية في الرد على كاتس، فمكانة كاتس كوزير دفاع مهزوزة، بينما زامير يتمتع بثقة رئيس الوزراء، وهو يعلم بأن نتنياهو لن يسمح بالمساس به، وأنه لا يمكن تبديل رئيس الأركان كلّ يومين. ومن هنا، بدأت مسيرة المصالحة، إذ ردِّ كاتس على رئيس الأركان، لكنه اضطر، وسيتعين عليه "ابتلاع الضفدع". الآن، يجلس في مكتب رئيس الأركان ضابط آخر، كانت مشاركته في أحداث السابع من أكتوبر شبه معدومة، لكنه يتمتع بثقة عالية بالنفس.
- على هامش هذه القضية، كلمة أُخرى عن "قضية سولومون". هذه الوصفة أعدّتها الحكومة ومكتبها، فمنذ اللحظة التي قدمت فيها دعماً علنياً للجندي من الوحدة 8200 في قضية فيلدشتاين، فإنها منحت الشرعية للعسكريين ليقرروا بأنفسهم متى يجب أن تصل المعلومات التي بحوزتهم إلى القيادة العليا في الجيش، أو حتى إلى خارجها. استنتج سولومون أنه يمكنه التوجه إلى وزير الدفاع، أو رئيس الوزراء، وطبعاً ليس من قبيل الصدفة أن يحمل مواد تدين هرتسي هليفي، وحينها، كان من الواضح أن هذا التصرف يتعارض تماماً مع أوامر الجيش وسلسلة القيادة.
- ما هذا؟ هل سيتوجه الجميع، الآن، إلى رئيس الوزراء عندما لا يعجبهم أسلوب التعامل مع المعلومات الاستخباراتية التي بحوزتهم؟ من الواضح أن الجواب لا، لكن الجنّي خرج من القمقم، فجرّب الآن إعادته إليه.
- هناك تحدٍّ آخر أمام رئيس الأركان وزملائه في مجتمع الاستخبارات، في "الموساد" و"الشاباك"، لإعادة هرمية الاستخبارات إلى مكانها الصحيح. هناك كثير جداً مما يجب فعله الآن، لكن انظروا بماذا تنشغل الحكومة، وستفهمون كم المسؤولية الذي يقع حالياً على عاتق المستويات المهنية التي وصفها رئيس الوزراء هذا الأسبوع بـ"الدولة العميقة". إنها ليست "الدولة العميقة"، بل الدولة بحد ذاتها.