عملية "مطلع الفجر" هي درس مهم لحزب الله
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- على الرغم من الفوارق المهمة بين الجهاد الإسلامي الفلسطيني في غزة وحزب الله في لبنان - وخصوصاً كل ما يتعلق بالحجم والقدرات والسلاح الذي يملكه حزب الله، فإن الجولة القصيرة الأخيرة في غزة ساهمت في تعزيز ردع إسرائيل في مواجهة حزب الله. وتشكل عملية "مطلع الفجر" درساً مهماً لنصر الله على الرغم من استمراره في التهديد بخطوات ضد إسرائيل إذا بدأت باستخراج الغاز من منصة "كاريش" قبل أن يضمن لبنان حقوقه وعدم نهب إسرائيل موارده البحرية.
- في خطابه الأخير (9 آب/أغسطس) قال إن "اليد التي ستمتد إلى موارد لبنان ستُقطع"، وإن حزب الله أقوى من أي مرة وواثق من نصره ومستعد "للذهاب حتى النهاية". تهديدات نصر الله رفعت مستوى التوتر في الأشهر الأخيرة في الساحة الشمالية، في ضوء استمرار مساعي الوسيط الأميركي هوكشتاين، الذي يحاول إيجاد فرصة للدفع قدماً باتفاق بين الطرفين قبل موعد البدء باستخراج الغاز من حقل "كاريش"، المخطط له في الربع الأخير من سنة 2022.
- ليس من الصعب التكهن، فنصر الله يتابع باهتمام ويومياً الإعلام الإسرائيلي. وهو يولي أهمية خاصة للتطورات في غزة. ومن المفترض أنه وضع شركاءه في "محور المقاومة" في صورة المستجدات، ومن المحتمل أيضاً أنه يشارك في الاستشارات بين الإيرانيين وقيادة الجهاد الإسلامي الفلسطيني التي كانت في طهران خلال عملية "مطلع الفجر"، وهذا يشبه غرفة العمليات المشتركة التي أُقيمت في لبنان خلال عملية "حارس الأسوار" بمشاركة أطراف إيرانية وحزب الله والفلسطينيين.
- ومن غير المفاجىء أيضاً أن حزب الله هذه المرة قرر عدم التدخل وعدم الانسياق لفتح جبهة إضافية ضد إسرائيل. ومن السهل شرح ذلك ولا سيما أن "حماس" لم تشارك في القتال. إن توقيت عملية "مطلع الفجر" وظروفها لم تكن مريحة للحزب (وخصوصاً أن لبنان كان يحيي ذكرى مرور عامين على انفجار المرفأ في 4 آب/أغسطس). ومن المهم لحزب الله في هذه الأيام أن يظهر أنه "درع لبنان" والمدافع عن مصالح الدولة وعن مواطنيها، في ضوء الانتقادات الواسعة الموجهة ضده والتي تتهمه بأنه يعمل في خدمة مصالح أجنبية، إيران بالتحديد، ويلحق الضرر بالمصالح اللبنانية. هذا بينما يعاني المواطنون اللبنانيون أزمة اقتصادية تُعتبر الأقسى في تاريخ لبنان، وتستمر الصراعات السياسية، وحزب الله أحد أطرافها، وهي تمنع التوصل إلى توافق على تشكيل حكومة فاعلة تعمل على حل مشكلات الدولة الفاشلة.
- لقد شكّل إصرار إسرائيل على البدء باستخراج الغاز من حقل "كاريش" فرصة لحزب الله كي يظهر حرصه على الشعب اللبناني وعلى الدولة، من خلال محاولته تحسين "معادلة الردع" إزاء إسرائيل بتهديدات صريحة "باتخاذ خطوات" لمنع استخراج الغاز. ومن شأن عملية "مطلع الفجر" التي انتهت برجحان كفة إسرائيل أن تثبط عزيمته؛ فقد أثبتت إسرائيل في هذه العملية أنها لا تتردد في المبادرة إلى خطوات عسكرية في مواجهة التهديدات ضدها؛ كما أظهرت قدرة عسكرية مذهلة وخصوصاً في مجال الاستخبارات الدقيقة والقدرة الدفاعية (96% نسبة النجاح في اعتراض 1100 قذيفة وصاروخ)، وفي الهجوم (توجيه ضربة مؤلمة إلى القيادة الرفيعة المستوى وإلى قدرات الجهاد الإسلامي). كما تأكد حصانة الجبهة الداخلية الإسرائيلية (التي اعتاد نصر الله السخرية من ضعفها)، وثبت إصرار ووحدة الزعامة الإسرائيلية (حتى في فترة حكومة تصريف أعمال)؛ وعدم وجود ضغط على إسرائيل من المجتمع الدولي المشغول بأماكن أُخرى (الحرب في أوكرانيا والمواجهة مع الصين والأزمة الاقتصادية العالمية).
- وفي الواقع يمكن فهم ما جاء في خطابي نصر الله خلال عملية "مطلع الفجر" وبعدها (6 و9 آب/أغسطس) بصورة مختلفة، إذ تفاخر مجدداً بقدرة الحزب وتطرق مباشرة إلى تداعيات العملية في غزة على لبنان، ورأى أن إسرائيل تضرب في غزة كي ترسل رسائل إلى لبنان. ويدّعي أن إسرائيل تخطىء إذا اعتقدت أنها تردع اللبنانيين؛ فالهجمات في غزة لن تؤثر في حزب الله ولا في لبنان، والحزب لن يسكت على أي هجوم عليه. ويمكن القول إن العكس هو الصحيح.
- مع ذلك يجب ألاّ نفهم من هذا أن احتمالات التدهور إلى مواجهة على الجبهة الشمالية لم تعد مطروحة. فمن المحتمل أن تُطرح مجدداً على جدول الأعمال في الشهر المقبل لأن نصر الله حدد في إطار تهديداته مطلع أيلول/سبتمبر، الموعد الذي ستبدأ فيه شركة أنرجيان التي تعمل في حقل "كاريش" باستخراج الغاز، كنقطة اختبار. علاوة على ذلك، حتى لو أثمرت جهود الوسيط الأميركي هوكشتاين في التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، يتعين على إسرائيل الاستعداد لاحتمال أن يسعى نصر الله لإدامة التوتر في مواجهة إسرائيل لإظهار مساهمته في الحفاظ على المصالح اللبنانية.