عامان على "اتفاقيات أبراهام": وتيرة تقدّم مذهلة، التحدّيات كبيرة، والإمكانات لم تستنفذ بعد
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • السبت، 13 آب/أغسطس، يكون قد مر عامان على إعلان "اتفاقيات أبراهام" التاريخي. فبعد أسابيع طويلة من الجهود الدبلوماسية السرية، أجرى الرئيس دونالد ترامب، وولي عهد الإمارات محمد بن زايد ورئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، محادثة هاتفية، انتهت ببيان مشترك بشأن إقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين إسرائيل والإمارات، والبدء بطريق جديدة للتحضير للتطبيع بين الدولتين والشعبين. وبذلك، وضع حجر الأساس في مسار سياسي هو الأهم في المنطقة على مدار الـ25 عاماً الماضية: "اتفاقيات أبراهام". كانت هذه بداية مرحلة جديدة، تحمل اسم الأب المشترك للديانات الثلاث. ما جرى بعدها كان بمثابة حلم: خلال أربعة أشهر بعد البيان، تم توقيع اتفاقيات سياسية بين إسرائيل وأربع دول. كان هذا شعاع ضوء، برز من وراء الغيمة السوداء التي طغت بسبب انتشار وباء كورونا. شعاع أمل، تفاؤل وتجديد.
  • خلال العامين الماضيين، تم فتح ممثليات دبلوماسية إسرائيلية في كل واحدة من الدول التي وقّعت اتفاقيات أبراهام: الإمارات، البحرين، السودان والمغرب. كما تم فتح خطوط جوية مباشرة بين تل - أبيب وأبو ظبي، ودبي، والمنامة، والدار البيضاء ومراكش. هذا بالإضافة إلى قيام وزراء ومسؤولين من هذه الدول جميعاً بزيارات متبادلة، وتوقيع اتفاقيات تعاون في عدة مجالات. كما بادرت مجموعات من رجال الأعمال إلى دراسة الفرص المتاحة، وتبادل نماذج العمل، وكذلك الأمر بالنسبة إلى هيئات المجتمع المدني، إذ تم رصد عشرات المبادرات. وأدى التعاون التجاري والاتفاقيات الاقتصادية إلى ارتفاع دراماتيكي في أرقام التجارة بين الدول الموقّعة على "اتفاقيات أبراهام"، وبضمنها الاستثمار المباشر بين الدول. وارتفع الطلب على تعلّم اللغة العبرية، إذ تسجّل طلاب إماراتيون ومغربيون للتعلّم في إسرائيل سواء لتلقي دورات أو لتحصيل أكاديمي في مؤسسات التعليم العالي. وفي المقابل، فإن اتفاق الإعفاء من تأشيرة الدخول بين إسرائيل والإمارات، والتأشيرة الإلكترونية للإسرائيليين الراغبين في السفر إلى البحرين والمغرب، جعل سفر الإسرائيليين إلى هذه الدول أسهل بكثير من السفر إلى نيويورك أو واشنطن.
  • هذا إلى جانب العلاقات الأمنية بين إسرائيل ودول "اتفاقيات أبراهام" التي توطدت وتوسّعت. إذ حازت زيارة رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي، والتدريبات المشتركة، تغطية واسعة في الإعلام المحلي. فاتفاقيات الشراكة، بقيادة الولايات المتحدة، للدفاع في مواجهة المسيّرات والصواريخ، تبني التفاؤل والأمل الواسع في دول المنطقة القلقة من هذه التهديدات، في الوقت الذي ترفع فيه الصناعات الأمنية الإسرائيلية من وتيرة الإنتاج في إطار هذه الاتفاقيات.
  • لقد نجحت "اتفاقيات أبراهام" بتخطّي العقبات السياسية والأمنية التي وضعها الواقع أمامها. إذ التزم زعماء الدول العربية، التي شاركت في "اتفاقيات أبراهام"، بسياسة الاحتواء التي تبنّوها في أعقاب المواجهة في قطاع غزة - خلال حملة "حارس الأسوار" في أيار/مايو 2021، كما في الحملة الأخيرة، "مطلع الفجر"- وفي الضفة الغربية، حتى عندما دفعت جهات إسلامية متطرفة الأمور نحو الانفجار بشأن المسجد الأقصى.
  • أمّا إدارة بايدن، وعلى الرغم من أنها لم تكن الأب البيولوجي لهذه الاتفاقيات، فقد تبنّتها. وإلى حد ما، منحت الإدارة إطاراً وقناة لتقليل الانتقادات الموجهة ضدها بسبب سياساتها تجاه إيران والشرق الأوسط. فساعد الرئيس بايدن في عقد "قمة النقب" - التي اجتمعت للمرة الأولى في ساديه بوكير خلال مارس/آذار 2022، وشارك فيها عدد من وزراء خارجية دول "اتفاقيات أبراهام"، وكان الهدف أن يكون الاتفاق سنوياً - وهو ما أدى إلى فتح الأجواء السعودية أمام الطيران الإسرائيلي، كهدية وإشارة إلى استمرار الاتجاه الإيجابي. فالتغيير في موقف محمد بن سلمان من الإدارة الأميركية، وعودة قطر وتركيا إلى المعسكر البراغماتي إلى جانب السعودية والإمارات، والبحرين ومصر، كل هذه التطورات تفتح الباب أمام فرص جديدة في المنطقة.
  • إذاً، التقدّم مستمر وسريع، والصورة العامة إيجابية وواعدة. وعلى الرغم من ذلك، فإن التحديات كثيرة، والإمكانات الكامنة في "اتفاقيات أبراهام" واعدة جداً.

ومن المجالات المدنية الكثيرة التي يمكن تحقيقها:

  • فتح قناة تجارية برية من طريق إسرائيل (أو منها) لدول الخليج: عشرات الرحلات المباشرة تتم كل يوم، صحيح أنها تساعد تجارياً وتسمح بإرسال الشحنات بين إسرائيل ودول "اتفاقيات أبراهام"، لكن بشكل محدود. فالنقل الجوي لا يلائم المنتوجات الكبيرة أو الثقيلة جداً، وتكلفته عالية. كما أن قوانين المقاطعة التي كانت في الماضي ضد إسرائيل في الإمارات والبحرين، منعت إيصال البضائع من خلالها، ولسنوات طويلة كان يتوجب على الدول الأوروبية تصدير الحمولة البرية إلى الخليج عبر تركيا ولبنان أو قناة السويس. أمّا الآن، وبعد إلغاء هذه القوانين في أعقاب "اتفاقيات أبراهام"، فقد فُتح المجال أمام طريق تجاري بري، أسهل وأقل تكلفة، بين إسرائيل والخليج. ومن شأنه أن يدرّ الأرباح لدول المنطقة والدول الأوروبية، التي ستتمكن من خلاله أيضاً من تصدير واستيراد السيارات. كما أن الطلب على النقل البري المرتفع أصلاً اليوم، سيتطلّب توسيع البنى التحتية في المعابر الحدودية كجسر الشيخ حسين/نهر الأردن. ويدور الحديث حالياً عن خطوة ضرورية لتطوير التجارة بين دول "اتفاقيات أبراهام"، من شأنها أن تساعد الاقتصاد العالمي.
  • الدفع بمشاريع إقليمية: إن إقامة مشاريع إقليمية بمشاركة مصر وإسرائيل ودول الخليج ستساعد على حل جزء من المشكلات الأساسية في قطاع غزة بمجال البنى التحتية والاقتصاد، من دون زيادة المخاطر الأمنية الموجهة ضد إسرائيل.
  • الطاقة، الغذاء والمياه: تدفع الحرب في أوكرانيا العالم الغربي، وبالتحديد دول أوروبا، إلى البحث عن مصادر إضافية للطاقة والغذاء. والدول الخليجية، وخصوصاً بعد المصالحة بين الولايات المتحدة والسعودية، تستطيع أن تكون جزءاً من حل أزمة النفط. وإسرائيل، من جانبها، يمكن أن تشكّل مصدراً لتصدير الغاز الطبيعي. ومن شأن اتفاقيات في مجال التزويد بالغاز ونقله أن توفّر حلولاً لأوروبا في هذه المجالات الحيوية.
  • أزمة الغذاء: يمكن استغلال الخبرة التي جمعتها إسرائيل في مجال البروتين البديل للحوم. كما يمكن إيجاد بدائل للقمح في دول أفريقيا، ومن بينها السودان، من خلال استغلال المعرفة والتكنولوجيا الإسرائيلية والإماراتية والمغربية.
  • التدوير وتحلية المياه: تستطيع إسرائيل بصفتها رائدة عالمياً في مجال تكنولوجيا إعادة التدوير وتحلية الماء وتكنولوجيا استخراج الماء من الهواء الرطب، أن تقدم حلولاً عملية وسريعة لأزمة نقص المياه وتحديات إدارة سوق المياه في دول "اتفاقيات أبراهام"، وطبعاً دول أوروبا وأفريقيا.
  • الصحة والطب الرقمي: أظهر وباء كورونا أهمية تبادل المعلومات والتعاون بين الدول في مبادرات إنقاذ الحياة. وأثبتت إسرائيل ذاتها كقوة عظمى في مجال الصحة العامة، كما في التكنولوجيا الطبية. وتدفع تحديات الصحة العامة، وبضمنها الخطر من أوبئة قادمة، والفرص التي أُتيحت في مجال الذكاء الاصطناعي، باتجاه التعاون وتعميق العلاقات على جميع الأصعدة، بين منظومات الصحة الحكومية والمستشفيات والعيادات ومراكز الأبحاث وشركات البيوتكنولوجيا، وهذا من شأنه أن يساعد في مشاريع ومبادرات لإنقاذ الحياة، وتطوير الرفاه الاجتماعي ومنع أزمات دولية في مجال الصحة.
  • التعليم والثقافة: يجب تطوير وتوسيع المبادرات في مجالي التعليم والثقافة بهدف تقوية الاتجاهات الساعية لدعم السلام وإضعاف المواقف والأفكار الإسلامية المتطرّفة. ومن المهم تعليم قيم التسامح، وحرية العبادة، والتعايش في جميع المجالات: الفن، الرياضة، السينما وغيرها. هذه هي قاعدة السلام بين الشعوب، وليس فقط بين الدول والحكومات.
  • العلاقات الشخصية: الحكومات تتغير، لكن الشعوب تبقى. لذلك، من المهم بناء دعم شعبي للتطبيع مع إسرائيل في كل دولة من الدول المشاركة في "اتفاقيات أبراهام"، وبضمنها مأسسة الشرعية الدينية - الشعبية للعلاقات مع الدولة اليهودية. والدولة التي سيكون من الطبيعي البدء فيها (وللدقة: الاستمرار) هي المغرب، بسبب النهج التقليدي للملك بكل ما يتعلق بالثقافة اليهودية والجالية اليهودية. ومن المهم أن يشعر العرب - المسلمون من دول "الاتفاق" بالترحيب في إسرائيل، ويستمتعون بما يوفره المجتمع المنفتح والعلاقات بين الأديان فيها.
  • تقوية دائرة السلام وتوسيعها: من المهم دعوة السودان وتشاد (التي غابت عن "اتفاقيات أبراهام" من دون حق)، للقيام بدور في كل ملتقى وورشة عمل في إطار "اتفاقيات أبراهام". ومن المهم أن تستفيد الدولتان من ثمار السلام ومن قراراهما بالتطبيع مع إسرائيل. وإن لم يتم هذا، فمن الممكن أن يؤدي إلى أجواء سلبية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى العلاقة مع كوسوفو، وهي دولة أوروبية ذات أغلبية مسلمة، أقامت علاقات رسمية مع إسرائيل وفتحت سفارة في القدس. يجب القيام بخطوات جدية بهدف تقوية العلاقات، وضمان عدم انسحاب دول من الاتفاقيات، عبر ضمان أن تضمن كل دولة من دول "اتفاقيات أبراهام" الربح والاستفادة من استثمارها، وهو ما سيقوّي الاتفاقيات ويشجّع دولاً أُخرى على الانضمام إلى قطار السلام.
  • ليس من السهل إقامة السلام. التوقيع على الاتفاقيات كان احتفالاً يرفع المعنويات ويملأ الأجواء بالفرح والتفاؤل. لكن كما في الزواج، الاحتفال هو البداية. والمهمة الأساسية تبقى في الأيام والسنوات المقبلة. فبناء الحياة المشتركة يشترط عدم التعامل معها في إطار المفهوم ضمناً. المطلوب هو الاستثمار، والمبادرة، والإبداع والتجدد الدائم. كل نجاح يقوي الثقة والتعاون مصحوباً بالإيمان بالطريق الصواب. فالمتعة المشتركة تضيف شعوراً بالطاقة الجديدة للمسار.
  • وعلى الرغم من التقلبات والصراعات السياسية، لا تزال "اتفاقيات أبراهام" موضع إجماع. وهذا ليس بسبب الفوائد في مجالات الأمن، والاقتصاد والتكنولوجيا فقط، بل أيضاً لأنها تحمل رؤية وتعبر عن الأمل بسلام حقيقي ومستقبل أفضل.

 

 

المزيد ضمن العدد 3849