إسرائيل تتقبل فكرة خطرة: عدم تحميل "حماس" مسؤولية ما يحدث في غزة
تاريخ المقال
المصدر
مركز القدس للشؤون العامة والسياسة
تأسس المعهد في سنة 1976، وهو متخصص في الدراسات السياسية والدبلوماسية والاستراتيجية. يترأس المعهد، حالياً، السفير الإسرائيلي السابق في الأمم المتحدة دوري غولد. ينشر المركز مقالات يومية يمكن الاطلاع عليها باللغتين العبرية والإنكليزية على موقعه الإلكتروني. كما تصدر عنه سلسلة من الكتب، ويمتاز بمواقفه التي تتماهى مع اليمين في إسرائيل.
- كان الغرض من عملية "مطلع الفجر" أن توضح إسرائيل للجهاد الإسلامي الفلسطيني، ومن خلاله لسائر القوى في المحور الإيراني، مثل "حماس" وحزب الله، أن إسرائيل لن تقبل محاولاته فرض قواعد لعبة جديدة عليها، تُلحق ضرراً بقدرتها على الدفاع عن أمنها، وعن مصالحها الحيوية.
- الجهاد الإسلامي حاول تغيير قواعد اللعبة في غزة بصورة تسمح للتنظيم بالتأثير في حرية عمل إسرائيل في حربها على "الإرهاب" في الضفة الغربية. وهدد بتنفيذ هجوم من غزة، إذا لم توقف إسرائيل اعتقال كبار مسؤوليه في الضفة، وأنه يستعد، عملياً، للقيام بهجوم. جهود إسرائيل لإقناع التنظيم بالتنازل عن مطالبه، وعن نيته تنفيذ هجوم، من خلال فرض قيود على حركة المواطنين القريبين من غزة، لم تنجح. ولم يبقَ أمام إسرائيل خيار سوى مهاجمة كبار المسؤولين في الجهاد، الذين كانوا وراء الهجوم الذي يجري التخطيط له، والنشطاء الذين من المفترض أن يقوموا به.
- الرد المتوقع من الجهاد، من خلال إطلاق الصواريخ في اتجاه إسرائيل على نطاق واسع، ردت عليه إسرائيل بهجمات مركزة ضد أهداف تتعلق بالبنية التحتية للجهاد. حالياً، استمرار العملية يعود إلى الجهاد الإسلامي - كلما استمر في إطلاق الصواريخ من أجل تكبيد إسرائيل ثمناً بالأرواح، ستضطر إسرائيل إلى الاستمرار في تدفيع التنظيم ثمناً باهظاً، دفاعاً عن مواطنيها.
- يجب ألّا ننسى أن القواعد المتبعة في مواجهة غزة "التهدئة"، هدفها ضمان أطول فترة ممكنة من الهدوء، وهي مريحة جداً للفلسطينيين، ما داموا لا يخرقون الهدوء، ولا يقومون بهجمات من غزة ضد إسرائيل. وبالاستناد إلى هذه القواعد، امتنعت إسرائيل من المبادرة إلى ضرب البنى التحتية "للإرهاب" في غزة، والرد على الهجمات التي تجري في الضفة الغربية، أو لبنان. وتعمل إسرائيل على تحسين نوعية الحياة في القطاع، ولا تفرض عقوبات اقتصادية لفترة طويلة، وتردّ بصورة مركزة على عمليات خرق الهدوء من جانب الفلسطينيين، وامتنعت من القيام بعملية برية في القطاع، ولا تهاجم كبار المسؤولين في التنظيمات الفلسطينية، ولا ترد على التحريض المستمر على الكراهية، وعلى "الإرهاب"، أو على بناء التنظيمات الفلسطينية لقوتها، وتحرص على استخدام القوة وفق القوانين الدولية المتعلقة بالحرب والقانون الإنساني.
- هذه القواعد تشكل ضمانة بعدم تهديد سلطة "حماس" في القطاع، وتتيح لها ولسائر التنظيمات في غزة الاستمرار في زيادة قوتها العسكرية من دون إزعاج، بين جولة وأُخرى. بهذه الطريقة، تحاول إسرائيل إبقاء "حماس" مرتدعة، لكن مع احتفاظها بالقدرة على السيطرة على سائر التنظيمات في القطاع.
- على هذه الخلفية، يتضح أن إسرائيل نفسها خرقت في الجولة الحالية القاعدة التي تعتبر أن "حماس" هي الجهة المسيطرة على القطاع، والمسؤولة عن استخدام الأطراف الأُخرى للقوة. هذه المرة، كما في عملية "الحزام الأسود" (التي اغتيل فيها بهاء أبو العطا في سنة 2019)، إسرائيل لم تحمّل "حماس" المسؤولية، وقررت معالجة المشكلة بقواها الذاتية. وذلك انطلاقاً من الفهم أن "حماس"، الواقعة في اعتبارات متشابكة، لن تحل المشكلة. حسنة ذلك أن "حماس" لن تشارك في القتال، لكن السيئة هي قبولنا واقع عدم تحميل "حماس" المسؤولية، وهو ما سيجبرنا على الدخول في مواجهة، المرة تلو الأُخرى، ضد مجموعة من التنظيمات الصغيرة في غزة. في جميع الأحوال، إذا قررت "حماس" في نهاية الأمر الانضمام إلى القتال، فسنجد أنفسنا أمام واقع شديد التعقيد.
- تهديدات الجهاد الإسلامي هي صدى لتهديدات نصر الله بشأن منصة الغاز "كاريش" وتهديدات إيران في الشأن النووي. وهي تعكس شعور المحور الإيراني بضعف إسرائيل، سواء بسبب ضعف حليفتها الأساسية الولايات المتحدة، أو بسبب الأزمة السياسية في إسرائيل، أو بسبب ما تعتبره هذه الأطراف تآكلاً وفقداناً للروح القتالية الإسرائيلية. ويجب الإشارة إلى أن الأمين العام للجهاد الإسلامي زياد النخالة، الموجود في طهران في هذه الأيام، والتقى رئيس الحرس الثوري الإيراني، وبالتالي، فإن رسالة "مطلع الفجر" تتجاوز إطارها الغزّي. في ضوء هذا تحديداً، يجب على إسرائيل ألّا تُظهر أي تردد، وألّا تلغي أي مناسبة جرى التخطيط لها مسبقاً في القدس، بمناسبة التاسع من آب/أغسطس.
- الأحداث الأخيرة تزيد الحاجة إلى التفكير مرة أُخرى في الاستراتيجيا إزاء غزة. هل هناك حاجة إلى وضع أهداف أُخرى، مثلاً إزالة التهديد من غزة، وهل من الممكن إحداث تغيير جوهري في الواقع الإشكالي، من دون السيطرة مجدداً على القطاع. عشية الانتخابات، ليس الوقت الملائم لمثل هذا التفكير، لكن بعد انتهاء الانتخابات، يجب العودة إلى الموضوع، ليس فقط فيما يتعلق بالاستراتيجيا إزاء "حماس" والجهاد الإسلامي في غزة، بل أيضاً إزاء حزب الله وإيران اللذين يستغلان الاستراتيجيا الحالية للاستمرار في زيادة قوتهما، وذلك على الرغم من جهود إسرائيل في ضرب تسليحهما، وامتلاكهما قدرات استراتيجية أكثر خطراً بكثير من تلك التي لدى الجهاد الإسلامي.