"مطلع الفجر" - استراتيجيا دخول ناجحة، المطلوب استراتيجيا خروج
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- بعد الضربة المفاجئة للجهاد الإسلامي، لملم التنظيم ذاته وعاد لإطلاق مئات الصواريخ (600 حتى الآن، أسقطت منظومة الدفاع الجوي معظمها)، وقذائف من قطاع غزة باتجاه إسرائيل، بالأساس تجاه غلاف غزة، مع محاولات إطلاق صواريخ استهدفت وسط البلد، غوش دان والقدس صباح يوم الأحد، 7 آب/ أغسطس، في سياق دخول اليهود إلى المسجد الأقصى في ذكرى خراب الهيكل. وفي رده، واصل الجيش ضرب أهداف الجهاد داخل القطاع، مع التشديد على اغتيال قيادات برتب عالية (كخالد منصور قائد منطقة جنوب القطاع في التنظيم)، ومواقع تصنيع الصواريخ والقذائف، ومقرّات القيادة ومخازن سلاح. وفي الوقت ذاته، يعمل الجيش على رصد خلايا القصف وإسكاتها.
- في هذه المرحلة، تسمح "حماس" للجهاد بمواصلة القصف وإطلاق النار في اتجاه إسرائيل، لكنها تمتنع من المشاركة في المعركة. وخلال مقابلة تلفزيونية مع "قناة الميادين" - قناة لبنانية تدعمها إيران، أقسم الأمين العام للجهاد الإسلامي، زياد نخالة، على الانتقام وقال إن "على العدو أن يتوقّع الحرب وليس وقف إطلاق النار... اليوم هو الامتحان الحقيقي أمام المقاومة الفلسطينية، على فصائل المقاومة أن تقف وقفة رجل واحد." وبذلك، يكون قد انتقد "حماس"، التي تقف جانباً. وأضاف النخالة أنه "لا خطوط حمراء لدى الجهاد، لا هدنة ولا وسطاء... وتل أبيب ستسقط تحت قذائف المقاومة، كما كل مدن إسرائيل."
ما هو المسبب الأساسي؟
- شكًل اعتقال السعدي في جنين أداة بالنسبة إلى الجهاد الإسلامي لتصعيد الوضع في قطاع غزة. فهو كتنظيم مقاومة عسكري، ليس من السهل عليه قبول صيغة الهدوء في غزة بينما تقوم إسرائيل بإجراءات صارمة ضد بنى التنظيم في جنين في سياق حملة "كاسر الأمواج". ولذلك، أطلق التنظيم على المعركة اسم "وحدة الساحات".
- ولم يكن من قبيل الصدفة، وجود النخالة في إيران خلال الأسبوع الماضي، واجتماعه مع قيادات النظام، بمن فيهم الرئيس إبراهيم رئيسي، وقادة في الحرس الثوري الإيراني. تدعم إيران ردع إسرائيل بواسطة "أذرعها" وعلى رأسهم "حزب الله" (الذي يوجه تهديداته بسبب الخلاف على ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين وترتيبات استخراج الغاز من البحر المتوسط)، وكما يبدو فإنها شجّعت الأمين العام للجهاد على الرد، بسبب الهجوم على التنظيم في جنين، عبر إطلاق النار من غزة. ولإيران مصلحة بالتصعيد في جبهة غزة، بهدف نقل الاهتمام الدولي إلى المنطقة بينما تجري مفاوضات بين إيران والدول العظمى بشأن العودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات عنها. وهنا من المهم التذكير بأنه خلال العامين الأخيرين التقت الفصائل الفلسطينية للتنسيق فيما بينها في لبنان، بمشاركة مسؤولين من "حزب الله" وبينهم الأمين العام، حسن نصر الله.
أهداف العملية الإسرائيلية
- حدّدت إسرائيل أربعة أهداف للحملة: "إحباط دقيق لتهديد فوري"، كما أوضح رئيس الحكومة يائير لبيد في خطابه للجمهور؛ الفصل بين الضفة الغربية وغزة في الحرب على "الإرهاب" - منع إطلاق النار من غزة كرد على مكافحة "الإرهاب" في الضفة؛ إبقاء حماس خارج المعركة، كعنوان لجهود إسرائيل لتحسين ظروف الحياة والهدوء في غزة. وكما أوضح لبيد: "صراعنا ليس مع سكّان غزة، (إنما) مع الجهاد الإسلامي وهو "ذراع" إيراني يريد إبادة دولة إسرائيل وقتل إسرائيليين أبرياء"؛ ومع استمرار القتال، أُضيف هدف رابع، كما قال رئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي: توجيه ضربة قاتلة للجهاد الإسلامي، وفي هذا السياق تنفيذ اغتيالات تستهدف كبار القادة، و"تجريد" الجهاد من قدراته في غزة وضرب الخلايا التي تعمل على إطلاق الصواريخ.
ما هي استراتيجيا الخروج؟
- في ظل الأوضاع التي نشأت حتى اللحظة، لإسرائيل مصلحة بإنهاء المعركة سريعاً، على الرغم من استعدادها لمعركة مستمرة. لذلك، أعطت "الضوء الأخضر" لمصر للبدء بجهود الوساطة. ويبدو أن التحدّي الرئيسي أمام إسرائيل هو إنهاء القتال مع إبقاء "حماس" خارج المعركة، فمفتاح التصعيد والتهدئة هو الآن بيد "حماس" لا بيد الوسيط المصري. السؤال هو كيف يمكن دفع "حماس" للضغط على الجهاد لوقف إطلاق القذائف. بيد إنه من الصعب على "حماس"، التي تعتبر نفسها قائدة معسكر المقاومة الفلسطينية، الوقوف علناً ضد الفصائل الفلسطينية الأُخرى، وخصوصاً حركة الجهاد. وهذا، يعود إلى الأدوار المتعددة التي تؤديها "حماس": حركة مقاومة، حركة دينية إسلامية، حركة اجتماعية شعبية، تنظيم قومي فلسطيني، والأهم الحاكم في قطاع غزة. وكونها تحكم قطاع غزة، على عكس الجهاد، فهي تتحمّل مسؤولية السكان الفلسطينيين في المنطقة. وكلما طالت المعركة، وخصوصاً في حال سقوط ضحايا مدنيين في القطاع، سيكون من الصعب على "حماس" البقاء خارج المعركة.
- بينما تقاتل إسرائيل الجهاد، فإن استراتيجيتها في مواجهة "حماس" وقطاع غزة تواجه تحديات. فالسياسة الإسرائيلية قدّرت أن التسهيلات الجدية والتحسن الذي طرأ على الوضع الاقتصادي والتشغيلي في قطاع غزة (من خلال منح تصاريح عمل لسكان غزة يصل عددها إلى 20.000، وزيادة حجم البضائع وأدوات البناء التي تدخل غزة وتغادرها، بالإضافة إلى تحويل المنحة القطرية والوقود لمحطة توليد الطاقة في القطاع)، ستؤدي إلى تهدئة طويلة و"سيطرة أكثر لحماس على الأوضاع" ومنع نشاط الفصائل في القطاع. وتدرك الحكومة أن هذه السياسة ستقوي "حماس" وسيطرتها على غزة، وستعزز مكانتها في الساحة الفلسطينية الداخلية في مقابل السلطة الفلسطينية وحركة "فتح". وبحسب المنطق الإسرائيلي، فإن التسهيلات الاقتصادية تعظّم فعلاً من إنجازات "حماس"، لكنها في الوقت ذاته ترفع كلفة الخسارة في حال التصعيد، وهذا سيدفعها إلى كبح الفصائل في قطاع غزة. "حماس" لم تنضم حتى اللحظة إلى القتال، لكنها لا تمارس مسؤوليتها ولا تمنع الجهاد من ضرب إسرائيل. السؤال الأساسي هو، كم من الوقت ستبقى "حماس" جانباً، وهل ستمارس ضغوطاً على الجهاد لوقف التصعيد؟
- إذا اختارت "حماس" الانضمام إلى المعركة، فسيكون على إسرائيل تغيير قواعد اللعبة: وقف التسهيلات التي منحتها لـ"حماس" والقطاع، على أساس أن حماس اختارت أولوية هويتها كحركة مقاومة، وهذا لا يسمح لها بأداء دور الدافع للاستقرار لوقت طويل. وفي حال تطوّرت الأمور بهذا الاتجاه، سيكون على إسرائيل دراسة خيارين - إغلاق كامل للمعابر بين غزة وإسرائيل، أو عملية هجومية مستمرة ضد الذراع العسكرية لحماس وقدراته. ولتحقيق ذلك يجب أن يكون هناك صبر وتصميم، والقدرة على تلقي الضربات وتحديات إضافية للجبهة الداخلية الإسرائيلية، إلى جانب الصمود أمام ضغط دولي ومصري على إسرائيل (إذ إن القناة الوحيدة التي تربط بين غزة وإسرائيل تمر منها). وهناك مساران للخروج من هذا الوضع: الإيجابي، بموجبه تلتزم حماس بالتفاهمات المتعلقة بالتهدئة المستمرة؛ الثاني، الانجرار إلى معركة عسكرية مستمرة، تتطلب مناورة برية في القطاع بهدف إلحاق الضرر بالذراع العسكرية لحماس (وستكون هناك صعوبة بتشكيل وضعية خروج أفضل).
- إذا كانت إسرائيل تخشى التداعيات السلبية لتوسيع المعركة في حال انضمام "حماس" إليها، وغير مستعدة لقبول تغيير جذري في قواعد اللعبة، فعليها الدفع باتجاه وقف سريع للمعركة، والأفضلية لوساطة مصرية. أمّا إذ ثبت أن الوساطة المصرية غير فعالة، فعلى إسرائيل إنهاء القتال سريعاً من جانب واحد، من خلال إعلان وقف إطلاق نار إنساني وإدخال وقود ومساعدات إنسانية للسكان في القطاع. لكن النتيجة في هذه الحال ستكون ترك قواعد اللعبة بيد "حماس".