غرزنا إسفيناً بين "حماس" والجهاد، لكن وماذا بعد؟
تاريخ المقال
المصدر
- في عملية "مطلع الفجر" كما في عملية "الحزام الأسود" في 2019 اختارت "حماس" الوقوف جانباً وعدم الانضمام إلى الجهاد الإسلامي الفلسطيني في معركته ضد "العدو الصهيوني". التنظيم الثاني من حيث الحجم في القطاع - والذي يبلغ عدد عناصره بضعة آلاف ولديه على ما يبدو بضعة آلاف من الصواريخ فقط - لم يرتدع وقرر إنشاء معادلة مباشرة في مواجهة إسرائيل، كما لو أنه قوة عسكرية تملك قدرات استراتيجية.
- لا شك في أن الجهاد حاول استغلال الفرصة كي يلعب في ملعب الكبار. قبل بداية الجولة بلّغت حركة الجهاد الإسلامي المصريين أنه إذا لم تُطلق إسرائيل سراح بسام السعدي الذي اعتقل في جنين، وإذا لم تتوقف عن اعتقال نشطائها في الضفة، فإنها ستقصف غلاف غزة بالقنابل وقذائف المدفعية وصواريخ كورنيت التي لا يمكن اعتراضها بواسطة القبة الحديدية، على أمل أن الهجوم المباشر الذي وقع في أيار/مايو الماضي على باص عسكري فارغ في شمال غزة ما زال محفوراً في الذاكرة. لكن لا المصريين الذي يدركون جيداً الأهمية الإقليمية لذلك، ولا "حماس" المسؤولة عن قطاع غزة والتي تتخوف من الدمار والخراب ومن عدم تأمين المياه والكهرباء، وطبعاً لا إسرائيل، قبلوا بالتهديد الجديد.
- زعيم الجهاد زياد نخالة الذي اجتمع في طهران مع كبار مسؤولي النظام عمل على إنشاء معادلة مقاومة جديدة بإيعاز مباشر من الإيرانيين، ووجه انتقاداً إلى أسلوب نضال "حماس" من خلال استخدام المثل العربي: "الذي يديه في الماء، ليس مثل الذي يديه في النار." نخالة الذي يتوقع الحصول على شيك كبير من الإيرانيين حصل على دفعة مقدمة من إسرائيل. وخلال فترة انتظار الرد المصري أعد الشاباك والجيش الإسرائيلي كميناً قاتلاً يعتمد على تكنولوجيا عالية ضد زعماء التنظيم في القطاع وعلى رأسهم تيسير الجعفري.
- على هذه الخلفية شكلت عملية "مطلع الفجر" معادلة من 3 أمور. الأمر الأول هو طول نفس الجهاد الإسلامي كتنظيم مقاوم صغير مع قدرة عسكرية محدودة. فإذا توقف التنظيم في الأيام الأولى عن إطلاق الصواريخ لكانت إسرائيل حققت ردعاً مهماً لمصلحتها. وإذا واصل التنظيم القصف لفترة طويلة من الزمن، فإن هذا الأمر سيساعد في تعظيم صورته. وكان التقدير طوال الأيام الأخيرة أن التنظيم سينزل عن الشجرة العالية التي صعد إليها وسيبحث عن صورة نصر في مكان وزمان آخر. وهذا ما حدث.
- الأمر الثاني هو كم ستستمر التفرقة الداخلية في غزة. إسماعيل هنية ويحيى السنوار لم يطلبا من أنصارهما إطلاق النار ضد إسرائيل إذ إن لديهما مصلحة حقيقية في التضييق على الجهاد الإسلامي، لأن نجاحه يهدد هيمنة "حماس" ويمكن أن يلحق ضرراً استراتيجياً بسيطرتها على القطاع. والخلاصة هي أنه للمرة الأولى نجحت إسرائيل في دق إسفين بين "حماس" وبين التنظيمات "المارقة"، وموضعة "حماس" بمنزلة الشخص الراشد والمسؤول في القطاع.
- الأمر الثالث هو الفترة الزمنية التي تستطيع إسرائيل التحرك خلالها في المواجهات في غزة. فلو طُلب من الجيش الإسرائيلي مواصلة العملية وتوسيع نطاقها لتدمير البنى التحتية للجهاد (ولاحقاً حماس أيضاً) كان السؤال سيُطرح بشأن فرص النجاح أمامها، وما هو عدد أيام السماح التي سيمنحها المجتمع الدولي لإسرائيل من أجل إنجاز المهمة. حالياً ليس من الواضح إذا كانت إسرائيل ستحصل في المرة المقبلة على ساحة مفتوحة ومن دون قيود، أم كالعادة سنحصل على "عناق قوي" من الغرب ليظهر فقط أنه يريد تقييد أيدينا كي لا نواصل ضرب "الإرهاب".