مجزرة كفر قاسم: القتلة لم يتصرفوا كجنود يطيعون الأوامر بصورة عمياء بل اعتقدوا أن هذا هو الأمر الصحيح الذي يجب فعله

فصول من كتاب دليل اسرائيل

المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • محاضر محاكمة كفرقاسم مروعة وشائنة - ليس لأنها تكشف حقيقة تاريخية لم تكن معروفة، بل لأن جرائم الحرب الإسرائيلية تلعب دوراً هامشياً للغاية في صوغ القيم الأساسية للدولة. "خطة الخلد" لطرد عرب المثلث معروفة منذ 20 عاماً لأن الشخص الذي كتبها – بأمر من رئيس الأركان موشيه دايان - كشف عن وجودها، اسمه أبراهام (أبرشاه) تامير، الذي كان يومها رئيس قسم العمليات في القيادة الوسطى، والذي أصبح بعدها طائراً غريباً للغاية في السياسة الإسرائيلية. وكانت الفكرة استغلال حرب مستقبلية مع الأردن والقيام في ظلها بإخلاء قرى المثلث: جزء من السكان يهرب إلى الأردن، والآخرون يُرسَلون إلى مخيمات مغلقة في إسرائيل.
  • روفيك روزنتال، صحافي وكاتب وعالم لغوي، اقتبس من تامير في كتابه: "كفر قاسم أحداث وأسطورة"، الصادر في سنة 2000 عن منشورات الكيبوتس الموحد. وقبل 3 أعوام، نشر المؤرخ آدم راز "بيوغرافيا سياسية" عن المجزرة التي ارتكبها حرس الحدود في كفر قاسم في ساعات ما بعد الظهر في 29 تشرين الأول/أكتوبر 1956، في اليوم عينه الذي بدأت فيه حرب سيناء. يومها، أُعلن منع التجول في قرى المثلث. 53 شخصاً من قرية كفر قاسم لم يكونوا على علم بمنع التجول وتأخروا في العودة من عملهم، فأُطلقت النار عليهم وقُتلوا.
  • بين دير ياسين (1948) وصبرا وشاتيلا (1982) ما من رمز أكثر بشاعة من جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل. مجزرة كفر قاسم جرى الاعتراف بها بمرور السنوات على أنها حادثة مأساوية كان يجب ألا تقع. ووُضعت خطة "الخلد" في أدراج النسيان إلى جانب خطط أُخرى من أجل تقليل عدد السكان العرب. لقد أراد آدم راز أن يثبت وجود علاقة بين "خطة الخلد" وبين مجزرة كفر قاسم. لكن أرشيف الجيش الإسرائيلي رفض الكشف عن الوثائق التي تتعلق بذلك. وطالب راز، من بين أمور أُخرى، الاطلاع على محاضر محاكمة أفراد القوة التي نفّذت المجزرة، وبعد صراع قضائي وعام استمر سنوات، سُمح في الأمس (يوم الجمعة) بنشر المحاضر.
  • كما في كل المرات التي يجري فيها رفع السرية عن وثائق الدولة، فإن السؤال الأول الذي يُطرح: لماذا أُخفيت بهذه الصرامة. كم كان مشجعاً ومفاجئاً لو كشفت هذه المحاضر أوامر تطالب بعدم إلحاق الأذى بالمدنيين الأبرياء، لكن ليس هذا ما جرى. كما هو معروف منذ أعوام كثيرة، كانت الأوامر هي بالقتل. بقي السؤال: إلى أي حد هناك علاقة عملانية بين خطة الخلد - التي أُلغيت قبل تنفيذ المجزرة- وبين ما جرى في كفرقاسم. الانطباع الذي يظهر من المحاضر بأن هناك علاقة ظرفية: بعض مرتكبي المجزرة كانوا على علم بالخطة، وأيضاً علموا بإلغائها، ومع ذلك فعلوا ما فعلوه. لكن العلاقة الدقيقة بين عملية الخلد وبين المجزرة ليست هي المهمة، المهم أن الأمرين كانا نابعين من الروحية عينها، وقتلة أهالي القرية لم يتصرفوا كجنود يطيعون الأوامر بصورة عمياء، بل كانوا مقتنعين بأنهم يفعلون ما يجب القيام به. ومحاضر محاكماتهم تؤكد ذلك جيداً، ومن هنا أهميتها الأساسية.
  • في سنة 1956 شهد العديد من الإسرائيليين حوادث حرب 1948. واعتُبر العرب في إسرائيل أعداء. وكانوا يخضعون لقيود الحكم العسكري، وهو آلية تعسفية وفاسدة عكست مقاربة دافيد بن غوريون حيال العرب في أرض إسرائيل. فقد رأى فيهم عقبة وخطراً، ولم يعتقد أن في الإمكان إقامة سلام معهم. وهو أيّد عدة خطط للترحيل - فرار العرب في حرب 1948، وفرارهم وطردهم كانا يتطابقان مع هذه الروحية، ولقد ساهم ذلك في قرار عدم احتلال مناطق سكنهم الجديد – الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة). "العربي هو قبل كل شيء عربي"، قال بن غوريون قبل بضعة أشهر من مجزرة كفر قاسم. هذه الروحية تعاظمت أيضاً في الجيش الإسرائيلي. "آمل في الأعوام المقبلة أن يكون هناك إمكانات لتنفيذ ترحيل للعرب من أرض إسرائيل"، قال أيضاً موشيه دايان.
  • أميل إلى الاعتقاد أن فضح جرائم الحرب وإدانتها يمكن أن يساعد في منع مثل هذه الجرائم في المستقبل. وعلى العكس، مَن يخفي جرائم حرب - هو مثل الذي يغطيها ويبيحها. الإعراب عن الندم العلني على جرائم الحرب يساعد أحياناً في صوغ قيم أساسية إنسانية. في إسرائيل، هذا صعب جداً، ليس فقط بسبب الحاجة الدائمة إلى الدفاع عن النفس في مواجهة العدو العربي، بل أيضاً بسبب الحاجة إلى الإيمان بأن الدولة على حق. وهذه حاجة أيديولوجية صهيونية وجودية. إذا لم نكن على حق، لما كنا هنا، هذا ما تعلّمه المدارس الإسرائيلية.
  • بعد محاكمة المجرمين في كفر قاسم، يبدو أن على إسرائيل أن تفرض على نفسها عقيدة ثورية في تاريخ الحروب البشرية، هي عقيدة "الراية السوداء". مثل هذه الراية يجب أن ترفرف فوق كل أمر "غير قانوني بصورة قاطعة" يجب على الجندي أن يرفض تنفيذه. هذا هو الدرس الأخلاقي الذي كان يجب على الإسرائيليين أن يستخلصوه من المحرقة. وهو الأساس لحجة الجيش الإسرائيلي بأنه الجيش الأكثر أخلاقية في العالم.
  • كل جندي في الجيش الإسرائيلي كان من المفترض أنه سمع بالراية السوداء خلال خدمته العسكرية مرة على الأقل. والانطباع أن عقيدة الراية السوداء وُضعت في أدراج النسيان. في أساس الأمر نظرة تعكس توقاً إلى صهيونية أكثر أخلاقية مما هي عليه. في هذه الأثناء كل شيء تغيّر، فقمع الفلسطينيين في المناطق المحتلة يقوّض الادعاء أن وجودنا هو وجود محق. القليل من الإسرائيليين يدركون هذه الصعوبة، كما ظهر في أحد الردود على الإنترنت على نشر محاضر محاكمة كفر قاسم "وماذا عن محاضر الأحداث في كيشيناو [عاصمة مولدوفا]"؟

 

 

المزيد ضمن العدد 3842