تحذير من فخ: نصر الله يهدد، لكنه لا يرغب في الحرب
تاريخ المقال
المصدر
- هذا الأسبوع ألقى نصر الله خطاباً كان كلّه عن الغاز، ومدى حرص حزب الله على أن يستفيد لبنان من الغاز المكتشف في البحر المتوسط. لذلك، عُلِّق على هذا الكلام بأنه مستعد للدخول في مواجهة مع إسرائيل – التي من جهتها، تخطط للبدء باستخراج الغاز بعد شهرين من "حقل كاريش" الواقع في المنطقة التي يدّعي حزب الله أن لبنان يملك الجزء الأكبر منها.
- الجدل بشأن ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان طويل ومعقد، وهو في أغلبيته تقني، أي يتعلق بالزاوية التي يجب أن ينطلق منها ترسيم الخط في داخل البحر، انطلاقاً من نقطة الحدود البرية الواقعة غرباً، والتي وافق عليها الطرفان بعد الانسحاب الإسرائيلي في سنة 2000. اللبنانيون يريدون أن يتوجه الخط إلى الجنوب أكثر ويمنح لبنان منطقة أكبر من تلك التي يمنحها له الخط الإسرائيلي الذي يتوجه أكثر نحو الشمال، ولكلي الطرفين حجج جيدة. الولايات المتحدة التي تلعب دور الوسيط اقترحت تسوية قبِلتها إسرائيل، وكان اللبنانيون على وشك قبولها، لكنهم تشددوا في مواقفهم خلال المفاوضات، وطالبوا بمنطقة أكبر.
- نصر الله يمرّ بفترة صعبة في لبنان. كثيرون يتهمونه بأنه هو الذي تسبب بتدهور الوضع في البلد، سواء فيما يتعلق بعدم قيام حكومة مستقرة، أو بالمشكلات الاقتصادية الصعبة. لبنان قريب من أن يصبح دولة "متعثرة"، أي أنه لن يجد جهة دولية توافق على منحه قروضاً، ودولة غير قادرة على دفع ثمن استيرادها للمواد الغذائية والطاقة، لذلك، فإن ساعات التغذية بالكهرباء في بيروت هي أقل من ساعات التغذية في غزة. هو دولة عاجزة عن دفع رواتب جنودها وغيرها من النفقات.
- ... يحاول نصر الله أن يُظهر نفسه بأنه "يدافع عن لبنان"، فإذا جرى التوصل إلى اتفاق، فسيقف ويشرح أن هذا الإنجاز تحقق بفضل إصراره وتهديداته. والموافقة الإسرائيلية التي أُعطيت قبل وقت طويل ستُقدَّم على أنها خضوع إسرائيلي، سببه تهديدات حزب الله. "التلاعب بالوعي" واستخدام "الأخبار الكاذبة" (وحتى اختراعها) ليس حكراً على الآخرين، فنصر الله يعرف كيف يستخدمهما، وهي ليست المرة الأولى.
- في تقديري، ما يجري اليوم هو حرب دعائية، وليس هناك مصلحة لنصر الله في الدخول في حرب. فهو لا يزال يتذكر نتائج العملية التي ندم عليها، علناً، في سنة 2006. وهو حتى اليوم يحاذر من الظهور العلني، ومن الواضح له أن الطائفة الشيعية في لبنان هي التي ستدفع الثمن الباهظ لمواجهة عسكرية، حتى ولو نجح في ضرب أهداف حساسة في إسرائيل. لكن الواقع ديناميكي، وفي مواجهة بين الطرفين، حتى لو كانا لا يرغبان في الحرب، من الصعب التخطيط مسبقاً لكل خطواتهما وردودهما، وكلٌّ منهما يعتقد أنه يجب ألا يسمح للطرف الثاني بالخروج منتصراً من المواجهة، كي لا يشجعه على التصعيد، وعلى الشعور أن في إمكانه فرض إرادته في المستقبل.
- لذلك، وعلى الرغم من تقديري أن نصر الله لا يريد "مواجهة الآن"، فإنه يجب على الجيش أن يستعد لاحتمال أن أكون على خطأ، أو أن الردود والردود المقابلة تخرج عن السيطرة، وبعكس إرادة الطرفين، تصل إسرائيل وحزب الله إلى مواجهة عسكرية. كما يجب على الجيش وضع جدول زمني منتظم للاستعداد للقتال، انطلاقاً من احتمال أنه لن يتم التوصل إلى اتفاق مع لبنان في أيلول/سبتمبر، والبدء باستخراج الغاز من كاريش سيجبر نصر الله على تنفيذ كلامه وعرقلة استخراج النفط بالقوة، الأمر الذي سيؤدي إلى رد إسرائيلي عنيف، ومنذ تلك اللحظة، لا يمكن توقُّع التطورات.
- يجب على دولة إسرائيل إعطاء الوسيط الأميركي الوقت الذي يحتاج إليه، حتى ولو طلب تأجيل استخراج الغاز لوقت قصير. لكن في هذه الأثناء، عليها أن توضح، وأن تعمل على أن يكون واضحاً أنها لا تخضع لإملاءات نصر الله، وإذا لم يوقّع اللبنانيون الاتفاق بسبب ضغط حزب الله، عليها أن تبدأ باستخراج الغاز كما هو مخطَّط له.
- هذا الوضع يشبه، إلى حد ما، "مسيرة الأعلام" في يوم القدس. فقد هددت "حماس"، يومها، بأن المسيرة ستؤدي إلى رد عنيف من جهتها، وأعلنت إسرائيل أن المسيرة ستجري، فاختارت "حماس" عدم الدخول في مواجهة، بينما التزمت إسرائيل بكلمتها. طبعاً، قدرة حزب الله على أذية إسرائيل أكبر بعشرات المرات من قدرة "حماس"، لكن الرد الإسرائيلي أيضاً سيكون أعنف بعشرات المرات من الرد في غزة.
- في الحالتين، يعاني الطرف الثاني جرّاء مشكلات كبيرة بشأن شرعيته وسط الأشخاص الذين يتباهى بأنه يمثلهم ويتزعمهم. ووضع نصر الله أصعب من وضع السنوار. فهل ستكون مسألة الشرعية في لحظة الحقيقة محفزاً لعملية عسكرية، أو كابحاً لمثل هذه العملية؟ لا يمكن معرفة ذلك، لكن التجربة في غزة تدل على أنها كابح أكثر منها محفز. إذا اشتعلت النار على الرغم من أن أحداً لا يرغب فيها، فيتعين على إسرائيل وضع نصر الله في مكانه المناسب وإظهار كامل قوتها.
- بعد التدريب الذي انتهى قبل شهرين، تبدو إسرائيل في حالة جهوزية عالية. مع ذلك، عليها أن تستكمل حتى أيلول/سبتمبر بعض النواقص وتصلح بعض الشوائب التي برزت خلال التدريب، كي تكون مستعدة على أفضل وجه للاختبار الذي يستعد له نصر الله. لا يمكن إنهاء مثل هذا الحدث بالتعادل، بل يجب أن يكون واضحاً مَن هو المنتصر.
- بالتأكيد، في ضوء كميات الصواريخ والمسيّرات التي يملكها حزب الله والقوة التي بناها للمعركة في الجنوب اللبناني ولمهاجمة إسرائيل، ستتعرض إسرائيل لضربات غير بسيطة وغير قليلة، سواء في عمق جبهتها الداخلية، وفي منطقة تل أبيب، وكذلك في شمال البلد بالقرب من الحدود. لكن إذا نجح الجيش الإسرائيلي في هذا الوقت في تدمير القدرة العسكرية لحزب الله إلى درجة تسمح لإسرائيل بعد انتهاء المعارك بخوض معركة طويلة لمنع تسلُّح حزب الله مجدداً، حينها، سيكون من الواضح كفة مَن هي الراجحة.
- من المهم أن ينتهي القتال بصورة يضطر فيها حزب الله إلى لعق جراحه العميقة لفترة طويلة. إذا حدث هذا، فإن وضع إسرائيل الأمني سيكون أفضل بكثير، ناهيك بأنها ستكون قادرة على استخراج الغاز الذي تملكه من دون خوف.
- إسرائيل لا تفرح بالحرب التي ستكون قاسية وستهاجَم خلالها أهداف مدنية حساسة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، لكن يجب عليها أن توضح بصورة قاطعة أن نصر الله، الذي يتزعم أقوى تنظيم في الزمن الحديث (بمساعدة كبيرة من إيران)، لن يُملي عليها ما يجب أن تفعله، وهي حريصة على مصالحها، حتى ولو أدى ذلك إلى مواجهة عسكرية.
- إذا وصلنا إلى هذه المواجهة، فيجب أن ننهيها، بحيث يكون واضحاً مَن الذي دفع الثمن الأكبر، وبعدها نقيم منظومة علاقات مختلفة لا تسمح لحزب الله باستعادة قوته وتعزيزها، لا من خلال نشاطه من داخل لبنان، ولا من خلال مساعدة إيرانية من الخارج.
- يجب أن تكون حرية العمل لمنع حزب الله من استعادة قوته مجدداً في لبنان هي الهدف الاستراتيجي للعملية، في حال اضطررنا إلى الانجرار إليها بسبب غطرسة نصر الله.