بعد أكثر من عام على "حارس الأسوار"، شكوك في جاهزية أجهزة الأمن للتعامل مع موجة مواجهات أُخرى
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- يؤشر تقرير مراقب الدولة بخصوص تعامُل قوات الأمن مع المواجهات في المدن المختلطة، خلال حملة "حارس الأسوار" في أيار/مايو العام الماضي، إلى منطقة رمادية لم تتم معالجتها كما يجب على مدار أعوام. فلم يقُم الشاباك والشرطة بواجبهما في جمع المعلومات الاستخباراتية بخصوص التخطيط لنشاطات "إخلال بالنظام"، بدوافع قومية. في كل ما يتعلق بمواجهة هذه الأحداث في المجتمع العربي في إسرائيل، وبصورة خاصة كل ما يتعلق بالخط الذي يفصل بين المستوى الجنائي والقومي، اللذين يندمجان سوياً في بعض الأحيان، كانت معالجة القوى الأمنية ناقصة، خصوصاً جمع المعلومات الاستخباراتية.
- هذه مشكلة قديمة، انفجرت بكامل قوتها قبل عام، بعد عشرات الأعوام من التهميش العام. الشاباك هو جهاز صغير نسبياً، مدرَّب ولديه الكثير من الموارد، لكن تعامله مع المواجهات والتظاهرات الجماهيرية الكبيرة كان محدوداً دائماً (وكذلك في الضفة، كما يشير النقاش بشأن المسؤولية الاستخباراتية عن المفاجأة في الانتفاضتين). وبكل ما يحدث داخل الخط الأخضر، كان هناك ميل لدى قياداته - عن حق باعتقادهم - إلى التقليل من أخذ المبادرة والمسؤولية مما قد يؤدي إلى اشتباكات مع مواطنين إسرائيليين.
- كانت النتيجة التركيز على إحباط "العمليات الإرهابية" الواضحة، مع تقليل الانتباه إلى الأماكن التي انجرفت فيها منظمات الإجرام إلى عمليات على خلفية قومية. هذا المسار ترافق مع انسحاب الشرطة بصورة ممنهجة، إلى جانب مؤسسات الدولة الأُخرى، كسلطة الضرائب، من كل مبادرة أو تواجُد في البلدات العربية، بعد اندلاع هبّة تشرين الأول/أكتوبر 2000. أما نتيجة هذا الانسحاب في الأعوام التي سبقت مواجهات أيار/مايو 2021، فكانت قيام جُزر كبيرة لا يوجد فيها سيادة ولا سلطة قانون، من منطقة المثلث، مروراً بالحارات العربية في الرملة واللد، وصولاً (وبالأساس) إلى البلدات البدوية في النقب.
- وعندما انفجرت الأمور، كان تحرك الدولة يعاني جرّاء نقص في المعلومات الاستخباراتية، واستجابة بطيئة وعدد محدود من القوات. ويظهر في تقرير مراقب الدولة، كما في عمل لجنة التحقيق بشأن كارثة ميرون التي حدثت قبل هذا بأسبوعين، وضع الشرطة الحقيقي والمحبط: جهاز مهمل، لا يدار بصورة جيدة وغير مجهز. المفوض العام للشرطة كوبي شبتاي يقود، حالياً، معركة على رفع رواتب أفراد الشرطة. لكن المشكلات الأساسية التي تعانيها الشرطة، والتي انكشفت في أحداث "حارس الأسوار"، لا تُختزل بعدم وجود راتب عادل لأفرادها في الميدان. وهذا ما تشهد عليه حقيقة واحدة، لكنها مقلقة أكثر من أي شيء آخر في التقرير: خلال المواجهات، انهارت مراكز هواتف الشرطة ولم تقدر على الرد على آلاف المواطنين الذين يطلبون المساعدة التي لم تصل أبداَ.
- يشير التقرير أيضاً إلى مشاكل بيروقراطية في التواصل مع المجتمع المدني، سببها النقص لدى الشرطة في المنظومات التكنولوجية المخصصة للرصد والتتبع وتحليل المعلومات الاستخباراتية، جزء منها منشور في وسائل التواصل الاجتماعي. الفجوة ظهرت في تموز/يوليو 2020، ولم يتم التعامل معها إلا بعد انفجار المواجهات. هذه المشكلة تُضاف إلى الصعوبة البنيوية في توزيع المسؤوليات ما بين الشرطة والشاباك بكل ما يخص جمع المعلومات المتعلقة بـ"إخلال بالنظام العام". صحيح أن الحكومة أوضحت الحدود ما بين الجهتين في سنة 2004، إلاّ إن كليهما لم يصل إلى تفاهمات منظّمة في هذا المجال حتى اندلاع المواجهات بعد 17 عاماً. وفي كل الأحوال، فإن المستوى العملياتي لم يعرف أصلاً الخلفية التاريخية لتوزيع المسؤوليات.
- لم يكن لدى الحكومة أيّ تحذير استخباراتي مسبق من اندلاع المواجهات. لقد كان رد المجتمعات المدنية الكبيرة دائماً شيئاً يصعب توقُّعه، بسبب عدم وجود مسار واضح يقوده أفراد معروفون ومحددون، إنما اتجاهات عميقة، يبقى موعد انفجارها غير متوقع بصورة عامة. ويشير المراقب إلى أن الشاباك لاحظ ارتفاعاً في حدة التوتر خلال الشهرين اللذين سبقا الحملة، لكنه ركز على ما يحدث في القدس. وكذلك الشرطة، فإنها ركزت خططها العملياتية في العاصمة، ولم توزع ما يكفي من أفرادها للتعامل مع المدن المختلطة.
- هذه الإشكاليات تُضاف إلى أداء الحاضر - الغائب في الموضوع: الجيش الإسرائيلي الذي يشارك الشرطة في قيادة حرس الحدود. بعد المواجهات، بدأت خطوات أولية لتفعيل منظّم أكثر لسرايا حرس الحدود، وبصورة خاصة منظومة الاحتياط، كما أنه يوجد أيضاَ اهتمام كبير بإمكانية إقامة حرس قومي. لكن بعد أكثر من عام على الأحداث التي زعزعت الدولة، من الصعب القول إن أجهزة الأمن جاهزة للتعامل مع موجة جديدة من المواجهات التي يمكن أن تندلع في المجتمع العربي، في حال نشوب حرب إضافية مع غزة أو لبنان.
- وعلى الرغم من هذا، فإنه يمكن إيجاد نقطة ضوء في تعامُل المؤسسات مع موجة "الإرهاب" الأخيرة، التي بدأت في آذار/مارس، ويبدو أنها في تراجُعٍ منذ حزيران/يونيو. فحكومة بينت - لبيد التي أدت هذه الأحداث، إلى حدّ معين، إلى سقوطها السياسي وإعلان إجراء انتخابات جديدة، استطاعت أن تتبنى بعض الدروس من الجولة السابقة في العام الماضي. فلقد كان تعامُل الشرطة مع "العنف" في القدس، وبصورة خاصة في المسجد الأقصى، أكثر انضباطاً وحكمة.
- وعلى الرغم من جهود "حماس" وفصائل أُخرى، فإن الضفة الغربية لم تشارك بالكامل في موجة العمليات، والأهم - لم تندلع مواجهات هذه المرة في أوساط العرب في إسرائيل. هناك تحوُّل ملحوظ في عمل الشاباك الذي تدخّل أكثر في جمع المعلومات الاستخباراتية (وقيمته المضافة محسوسة أيضاً في التعامل مع السلاح في البلدات العربية). وبالأساس، يبدو أنه على الرغم من الوضع غير المستقر للائتلاف، فإن أغلبية القرارات كانت موضوعية ومنعت الانجرار إلى مواجهة واسعة كما حدث سابقاً.
الكلمات المفتاحية