"تغلغلنا في التيار الأساسي": زيارة الحرم القدسي وكذلك الصلاة فيه لم يعد على هامش الصهيونية الدينية
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- وقف أرنون سيغل صباح أمس الأحد على مدخل باب المغاربة، وبدا راضياً. قبل عدة أعوام، كان شخصية هامشية في "الصهيونية الدينية"، في الوقت الذي بقيت دعواته إلى اليهود لزيارة الحرم القدسي من دون رد. إلّا أنه في الأعوام الأخيرة حدث الانقلاب - الفكرة التي كان يدعو إليها في عمود خاص به في صحيفة "ماكور ريشون" تغلغلت في أوساط التيار الأساسي لـ"الصهيونية الدينية"، واصبحت الدعوات المعارضة لزيارة الحرم هامشية.
- لم يبقَ أي شيء من الفتوى الدينية للحاخامية الرئيسية التي تمنع زيارة الحرم هذا الصباح. فمنذ السابعة صباحاً، وقف مئات اليهود على جسر باب المغاربة، وانتظروا أكثر من ساعة تحت أشعة الشمس الحارقة. ما كان في الماضي حلم قلة قليلة، من أمثال سيغل وعضو الكنيست السابق يهودا غليك، تحول إلى عنوان وجهة الصهيونية الدينية. وبحسب الشرطة، دخل إلى حرم المسجد الأقصى نحو 2600 يهودي. "أنا لا أذكر شيئاً كهذا"، قال سيغل بفخر، وأضاف "تغلغلنا في التيار الأساسي في الصهيونية الدينية".
- إيتمار بن غفير الذي كان مُقصىً، وعلى الهامش، قبل عدة أعوام، استُقبل هناك كالنجوم وأكثر - كرمز من رموز الحكم. الكهاني من شبان التلال في الخليل، الذي اتُّهم سابقاً بدعم الإرهاب وكان على هامش الصهيونية الدينية، وصل اليوم، مرتدياً بدلة وربطة عنق، ترافقه مجموعة من حراس الدولة - هو اليوم عضو كنيست إسرائيلي. كما هتفوا له "رئيس الحكومة المقبل". أمّا زوجته، فكانت تتجول عند باب المغاربة، وهي ترتدي قميصاً كُتب عليه "مديرة حرم المسجد الأقصى". رجالهم كانوا يجولون على الطابور الطويل، وزعوا الماء للمنتظرين، كما أدخلوا الأصدقاء وعائلات من بوابة جانبية، كمن يدير حرم المسجد الأقصى فعلاً، ورسمياً. ينتظرون فقط الختم النهائي من حكومة إسرائيل.
- قائد شرطة القدس دورون تورجمان، يتفحص اليهود في باب المغاربة. والذين يلبسون، في أغلبيتهم، الكيبا المنسوجة. العلمانيون لا يظهرون في المكان، باستثناء أوفير ديان، ابنة رئيس معهد "ياد فاشيم" داني ديان، التي قالت: لا يوجد علمانيون، هذا صحيح، لكن هذا مسار، وسيصلون يوماً ما إلى هنا". وإلى جانب تورجمان، يقف رجال الشاباك إلى جانب قوات خاصة من الشرطة والوحدات الخاصة.
- الاشتباك الأول لا يتأخر، رابطت مجموعة من الشباب المسلم داخل المسجد الأقصى، جزء منهم بوجوه مغطاة، وقاموا برمي الحجارة والمفرقعات النارية على قوات الأمن. وخارج المسجد، المئات من النساء المسلمات تصرخن ضد دخول اليهود. ما يقمن به يعتبر خروجاً على القانون، لكن الشرطة لا تقوم بتطبيقه، كما يحدث بالضبط مع صلاة اليهود في الحرم. "قوموا بذلك بصمت"، يطلب رجل الشرطة المسؤول عن مرافقة اليهود الذين يدخلون إلى حرم المسجد الأقصى. يتجاهلونه ويرفعون الصوت: "سيُبنى الهيكل، وتمتلئ مدينة صهيون، وهناك نغني أغنية جديدة". يقبض الشرطي على أحدهم، ويحذره في وقت تصمت البقية.
- دخل نحو 30 طالباً من الكلية الدينية "بري هآرتس" في مستوطنة رحاليم إلى حرم المسجد الأقصى. يرافقهم يهودا ليبمان، الحاخام الرئيسي للمدرسة الدينية التي تعاني جرّاء سمعة سيئة بعد أن اتهم أحد طلابها برمي الحجارة على سيارة الشهيدة عائشة الرابي في سنة 2019 وقتلها. محاكمته لا تزال جارية. وفي الوقت الذي تشرح لهم الشرطية كم من المهم الالتزام اليوم بالتعليمات، يبدأون بالصلاة بعد أن بدأت مواجهات بينهم وبين شبان مسلمين كانوا هناك. ورداً على ذلك، يبدأون بالصلاة في الوقت الذي يطالبهم الشرطي بالهدوء، لكنهم يستمرون بصوت أعلى.
- في زاوية من زوايا الحرم، بعيداً عن عيون المسلمين، يقوم طلاب المستوطنة بالصلاة. سابقاً، كانوا يصلّون بصمت، آخرون يؤدون الصلاة بصوت منخفض، وبعضهم كان يحصل على المباركة، في حال رافقهم حاخام - وكل هذا حدث أمام أعين الشرطة التي كان من المفترض أن تمنع صلاة اليهود في الحرم. ولكن، يبدو أن الوضع تغير. يقف ليبمان على رأس المجموعة ويبدأ بالصلاة. يحذرهم الشرطي ويطلب منهم الصلاة من دون حركات. إلاّ إنه خلال دقائق معدودة، يرتمي أحدهم على الأرض. وعندما تدخّل الشرطي، ارتموا جميعهم على الأرض وبدأوا بالصلاة. أوقفت الشرطة الزيارة في هذه اللحظة. إلاّ إن الطلاب لم يتوقفوا في الطريق وبدأوا بالصراخ: وهناك سنغني أغنية جديدة، سيُبنى الهيكل. يستوعبون أن الزيارة ستنتهي خلال دقائق، ويرفعون الصوت أكثر. تفشل الشرطة في محاولة إيقافهم، صلاة اليهود في حرم المسجد الأقصى باتت حقيقة. ما كان يحدث بالأمس بصمت وتجاهُل من الشرطة، تحول في "يوم القدس" إلى غناء بصوت عالٍ، وصلاة مع حركات، وتصفيق وضجيج.
- "سابقاً كان المظليون، الآن أنتم"، يقول رئيس المدرسة الدينية ليبمان لطلابه. ويشير إلى أنه قبل 55 عاماً، دخل من هنا جنود المظليين في الطريق إلى المسجد الأقصى. تعتقل الشرطة بعض الطلاب لبضع دقائق وتتركهم في حال سبيلهم بسبب الصلاة في حرم المسجد الأقصى، لكن ليبمان لا يعطي الموضوع أهمية. ويجيب عن السؤال "أنا سعيد بقيامهم بالصلاة وحركاتهم. ألا تزعجك تصرفات العرب؟"، يتساءل "الغريب أن يعتقلوهم بسبب هذا، لا يوجد قانون يمنع الصلاة في حرم المسجد الأقصى".
- يستمر الطلاب في الشارع القريب من البلدة القديمة بالغناء: "تذكروني... سأنتقم انتقاماً واحداً من فلسطين". الطريق طويلة، يمرون من أمام الحوانيت في البلدة القديمة وحارة المسلمين. جزء منهم يشتبك مع التجار العرب بعد حركات استفزازية. "هذه ابتسامتكم الأخيرة"، يقول لهم أحد التجار، "أنتم تخافون من بندقية M-16 مطبوعة على قميص. عودوا إلى أوكرانيا".