يجب الامتناع من الرد الهستيري
تاريخ المقال
- في آذار/مارس 1996، شهد البلد سلسلة أحداث "إرهابية" قاسية نفّذتها "حماس"، انتقاماً لاغتيال أحد أهم عناصرها، المهندس يحيى عياش الذي اغتيل بعملية مركزة، من خلال تفخيخ هاتفه الخليوي. والعملية الثالثة في سلسلة هذه الهجمات هي التي وقعت بالقرب من مركز ديزنغوف في قلب تل أبيب، حيث قُتل عدد غير قليل من المواطنين. بعدها أجرى السيد بيرس، الذي كان، حينها، رئيساً للحكومة، تقديراً للوضع في مبنى وزارة الدفاع في تل أبيب، اقترح خلاله أحد الأمنيين فرض إغلاق في دولة إسرائيل.
- عندما جاء دوري في الكلام، وكنت يومها رئيساً لدائرة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية، تناولت أمرين: الأول، إن فرض الإغلاق سيكون بمثابة نجاح كبير لـ"الإرهاب"، وأن هذا ما يريد "الإرهابيون" تحقيقه - أن تتوقف إسرائيل عن العمل؛ وأضفت أنه، في تقديري، ليس المقصود موجة هجمات. وحتى لو وقع هجوم مؤلم آخر، فإن إسرائيل ليست في مواجهة موجة.
- قبِل رئيس الحكومة اقتراحي ولم يفرض الإغلاق على دولة إسرائيل، ولم تكن هذه موجة هجمات.
- يخيَّل إليّ أن تقديري السابق يصح أيضاً بالنسبة إلى الأحداث الأخيرة التي تبدو العلاقة فيما بينها ضعيفة، وإذا كان هناك علاقة، فهي خلق جو، وليس لأن هذه الأحداث هي جزء من موجة مخطَّط لها ستُغرق إسرائيل.
- صحيح أن لدى إسرائيل نقطة ضعف استخباراتية وقانونية؛ هي أن جمع معلومات استخباراتية وسط العرب في إسرائيل، كونهم مواطنين إسرائيليين، أمر معقد في طبيعته. إمكانية القيام بعمليات ملاحقة وجمع معلومات استخباراتية، ومستوى الجهوزية المطلوب لاعتقال مواطنين في إسرائيل، والحاجة إلى إقناع المنظومة القضائية في إسرائيل بالتشدد مع المواطنين الإسرائيليين المشتبه فيهم بـ"الإرهاب" - كل هذا يقيّد عمل الشاباك والشرطة بشدة. من أجل التغلب على نقطة الضعف هذه، يجب تغيير القانون والسماح للشاباك باستخدام كامل قدراته، تماماً مثل إجراءاته ضد المشتبه فيهم بـ"الإرهاب" في الضفة الغربية، وهم مواطنون في السلطة الفلسطينية. تغيير القواعد وزيادة الرقابة الاستخباراتية سيؤديان إلى المسّ بالديمقراطية في إسرائيل، لكن لا مفرّ من ذلك إزاء كل ما له علاقة بالمواطنين الإسرائيليين المشتبه في انتمائهم إلى داعش، أو تعاطفهم معها. هؤلاء الأشخاص، وهم ليسوا كثراً، وربما بضع مئات، يتطلبون تعاملاً مختلفاً إذا أردنا تقليص الخطر الناجم عنهم. وهم مثل المهاجمين الثلاثة الذين نفّذوا الهجوم في بئر السبع وفي الخضيرة: عرب ومواطنون إسرائيليون تأثروا بداعش.
- الحادث الثالث في بني براك مختلف تماماً. فهو نتيجة جهد متواصل لشبكات "إرهابية" من أنواع وتنظيمات مختلفة، أو أفراد للقيام بهجمات في الضفة الغربية، أو في داخل إسرائيل. وتوجد تحذيرات غير قليلة من ذلك، وهناك مئات عمليات الإحباط التي قام بها الشاباك منعت عشرات العمليات، وهذا جهد مستمر ويجري طوال الوقت، لكشف واعتقال مثل هؤلاء المهاجمين في الضفة الغربية. لا علاقة بين القتَلة الذين جاؤوا من وسط العرب في إسرائيل والمهاجم الذي جاء من منطقة جنين، وليست الشبكة عينها، ولا التنظيم نفسه، وليست الصعوبة نفسها، وليس التحدي الاستخباراتي عينه. من الأفضل لنا، ومن أجل نوعية النقاش، أن نُجري هذه الفروقات.
- الآن، الرد: أشك في أن كل الوسائل التي اتُّخذت، باستثناء زيادة عدد حاملي السلاح في الشوارع، ستقلل من فرص العرب في إسرائيل، المتأثرين بداعش، في تنفيذ هجماتهم. ميزة المهاجمين أنهم منخرطون جيداً في المجتمع الإسرائيلي، ولا يتعين عليهم اجتياز أي جدار أو حاجز، والوسائل الاستخباراتية المستخدمة إزاءهم ضعيفة نسبياً ومحدودة، لأسباب قانونية كما هو شائع في أغلبية الدول الديمقراطية الغربية، كما شرحنا أعلاه.
- في المقابل، الشبكة التي جاء منها المهاجم، من يعبُد، يمكن ويجب اقتلاعها من المثلث. بعد أن يتضح لنا أسلوب تنقُّله، وأين وكيف عبَر الجدار، وكيف حصل على السلاح الذي حمله - يجب استخلاص الدروس وسدّ الفجوات. في الضفة الغربية، بعكس الأراضي الإسرائيلية، السيطرة العسكرية والاستخباراتية أفضل بكثير، ومثل هذه الفجوات يجب إغلاقها قبل أن يأتي منها المهاجم القادم. هذا على خلفية الاعتقاد أن لدى الأجهزة الاستخباراتية معلومات نوعية، وربما تحذير ملموس بشأن نية تنظيمات "إرهابية"، على رأسها "حماس"، إشعال الضفة الغربية، وربما أيضاً دولة إسرائيل، قبيل شهر رمضان.
- على أي حال، ما يجري الحديث عنه ليس موجة، في رأيي، حتى لو وقع هجوم قاسٍ جديد في فترة رمضان - عندما تصبح أعصاب المتدينين في المجتمع الفلسطيني في الضفة وإسرائيل حساسة، وتتصاعد الرغبة في القتل لدى الأقلية العربية. ويجب ألّا نضخّم الردود على هذه الأعمال الشنيعة، والحذر من الرد بصورة غير متوازنة، والذي يُلحق الضرر بوتيرة الحياة الطبيعية في إسرائيل - لأن هذا ما يطمح إليه "الإرهاب" - إلحاق الضرر بالحياة الطبيعية.