"قمة النقب" من وجهة نظر إسرائيلية: استخلاصات لإسرائيل
تاريخ المقال
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي
من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.
- تعبّر قمة النقب في سديه بوكر عن حالة طوارئ إقليمية في العالم العربي بسبب حجم التهديدات وخطورتها، وضعف الاعتماد الاستراتيجي على الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تراجُع قوة الردع الأميركية في الساحة الدولية والشرق الأوسط. كما أن العودة المتوقعة لإيران والقوى العظمى إلى الاتفاق النووي، وتحوُّل إيران إلى قوة إقليمية شرعية تهدد استقرار الأنظمة السّنية بصورة مباشرة، أو من خلال أذرعها المختلفة في المنطقة، تعزز الحاجة الملحة إلى تطوير استراتيجيا أمنية إقليمية، كما تعزز التعاون السياسي والأمني، وتضمن الالتزام الأميركي بالحفاظ على أمن دول المنطقة.
- في هذا السياق، لإسرائيل وظيفة أساسية في قيادة الخطوات العملية لكبح جماح التأثير الإيراني، وفي تنسيق التعاون الإقليمي على المستوى الأمني- العسكري، ومن خلال استغلال علاقاتها الاستثنائية مع واشنطن، بهدف تعزيز المساعدات الأمنية والسياسية الأميركية في المنطقة. هذا بالإضافة إلى أن "قمة النقب" تشكل استمرارية للقمة الثلاثية في شرم الشيخ، التي شارك فيها كلّ من رئيس حكومة إسرائيل، والرئيس المصري، وولي العهد الإماراتي، وتطرقت أيضاً إلى الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالمنطقة، في ظل الأزمة العالمية التي تلقي بظلالها على الأمن الغذائي واستقرار المنطقة.
الاستراتيجيا الأميركية في الشرق الأوسط
- كجزء من عقيدة الأمن القومي، تدفع الإدارة الأميركية قدماً بسياسات تحدّ من تدخُّلها في الشرق الأوسط، بالامتناع من الانجرار إلى حرب إقليمية إضافية، والتركيز على التهديدات الاستراتيجية من جانب الصين وروسيا. وضمن هذا السياق، فإن المصلحة الأميركية في العودة إلى الاتفاق النووي نابعة من الرغبة في استبعاد إمكانية حصول إيران على سلاح نووي يهدد الاستقرار الإقليمي ويُرغم أميركا على الرد، حتى لو كان ثمن ذلك مواجهة مع حلفائها في المنطقة.
- هذا بالإضافة إلى أن الإدارة الأميركية تضبط نفسها إزاء هجمات مباشرة على قواتها في سورية والعراق، وعلى أهداف مدنية استراتيجية في السعودية والإمارات، تحمل توقيعاً إيرانياً. الامتناع الأميركي من استعمال القوة العسكرية، وتفضيل الأدوات الدبلوماسية في كل حادثة تقريباً، يُضعف قوة الردع الأميركية في المنطقة، ويعزز عدوانية إيران. هذه السياسة، إلى جانب عدة قضايا خلافية جدية مع السعودية والإمارات، تعزز التوتر في العلاقات وتعمّق أزمة الثقة بين الدول.
- وفي جوهر الخلافات: الانتقاد الأميركي المستمر من إدارة بايدن للضرر الواسع اللاحق بالوضع الإنساني في اليمن بسبب الحصار البحري والضربات الجوية؛ إلغاء اعتبار الحوثيين تنظيماً إرهابياً، ونية واشنطن إزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب؛ وقف بيع طائرات F-35 للإمارات؛ انتقاد حادّ لتوطُّد العلاقات بين دول الخليج وبين الصين وروسيا؛ البرودة في العلاقة مع ولي العهد السعودي بسبب اغتيال خاشقجي؛ بالإضافة إلى عودة الحرارة إلى العلاقات الاستراتيجية مع قطر التي يتم النظر إليها وإلى سياساتها ودوافعها بعين الشك.
- جاء التعبير عن الأزمة في العلاقات من خلال رفض القيادتين السعودية والإماراتية استقبال مكالمات من الرئيس الأميركي جو بايدن الذي طالب بالتنسيق معهما بشأن سياسات التزويد بالنفط، في ظل الأزمة الدولية، والأهم امتناعهم من إلحاق الضرر بالعلاقات الاستراتيجية مع موسكو، بهدف تشديد العقوبات الغربية ووضع حدّ للارتفاع العالمي في أسعار الطاقة.
- برزت خلال الأزمة الأوكرانية أهمية الشرق الأوسط في استراتيجيا الأمن القومي الأميركي، بسبب أهميته الجيو - استراتيجية على رقعة الشطرنج العالمية، والحاجة إلى الحفاظ على حرية الحركة على طرق الملاحة التجارية المركزية، وارتفاع أهمية مصادر الطاقة، في ظل أزمة الطاقة والاقتصاد العالمية. من جهة أُخرى، تبدو قدرة الولايات المتحدة على التركيز في الشرق الأوسط محدودة، في ظل الأزمة المتصاعدة في أوروبا، والتهديد المتصاعد في آسيا من جانب كوريا الشمالية والصين، بالإضافة إلى الحاجة إلى تلبية حاجات الداخل المتصاعدة، في ظل وباء كورونا والأزمة الاقتصادية.
- تلتزم الولايات المتحدة الدفع قدماً بتوقيع الاتفاق النووي المجدد مع إيران، على الرغم من الأثمان التي تدفعها حيال حليفاتها، لكنها في المقابل، تحاول في الوقت عينه تقليل التوترات، من خلال الالتزام بصوغ استراتيجيا أمنية إقليمية شاملة، والحفاظ على مكانتها كمزوّدة مركزية بالسلاح. مع ذلك، في نظام عالمي متعدد الأقطاب يمتاز بمنافسة عامة بين الدول الكبرى، وفيه عودة، إلى حد ما، إلى سمات مرحلة الحرب الباردة، سيكون من الصعب على الولايات المتحدة المحافظة على علاقات استراتيجية حصرية مع دول المنطقة التي تبني علاقات مع الصين وروسيا منذ الآن، حتى لو تعارض هذا مع الأجندة الأميركية.
- في ظل هذا الوضع المركّب، لدى إسرائيل مصلحة استراتيجية في الحفاظ على مكانة الولايات المتحدة والاعتماد عليها في المنطقة. كما لها دور مركزي ومهم في الوساطة وتخفيف التوتر بين دول المنطقة وواشنطن، من خلال مأسسة الالتزام الأميركي باستراتيجيا أمنية شاملة.
ارتفاع حدة التهديد الإيراني
- تتخوف دول الخليج من تحوّل طهران إلى قوة إقليمية، لديها القدرة على زعزعة الاستقرار والتأثير في المنطقة، بسبب الموارد الكثيرة التي ستتدفق على اقتصادها بعد توقيع الاتفاق النووي، وهو ما سيحولها إلى لاعب مركزي في سوق الطاقة العالمية.
- شكّل الهجوم على منشآت أرامكو السعودية في سنة 2019 نقطة التحول التي برز خلالها حجم التهديد الذي تشكّله إيران وأذرعها المختلفة في الإقليم، وكذلك التهديد الناجم عن استعمال الطائرات المسيّرة الانتحارية، بالإضافة إلى قدرة الصواريخ الموجهة على اختراق أنظمة الدفاع المتقدمة. كما برز من خلالها التهديد الناجم عن تزويد أذرع متطرفة بأسلحة متطورة، بهدف تثبيت معادلة الردع، والحفاظ على حالة اشتباك دائم تحت سقف الحرب الشاملة.
- تميز العام الماضي بتصاعُد وتيرة الحرب في اليمن، في مقابل تعزيز قدرة الحوثيين على إطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة على الأراضي السعودية والإماراتية. فقد هاجم الحوثيون المدعومون من إيران أهدافاً استراتيجية في أبو ظبي (كانون الثاني/يناير 2022)، وفي الرياض وجدة (شباط/فبراير 2022)، كما ظهرت لديهم قدرات عالية تتطور بصورة دائمة. وفي هذه المرحلة، تتعمق الضربات العسكرية السعودية - الإماراتية ضد الحوثيين في اليمن، إلّا إن استهداف المدنيين وتفاقُم الوضع الإنساني هناك يثيران انتقادات واسعة من المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان في أوروبا وأميركا.
- لذلك، يبقى الاعتماد على الولايات المتحدة ضرورياً، في ظل التهديد الإيراني لاستقرار الرياض وأبو ظبي، على الرغم من توتر العلاقات بين دول الخليج والولايات المتحدة. هذا بالإضافة إلى أن الحرب في أوكرانيا، دللت على أهمية دول الخليج في الساحة الدولية، وبصورة خاصة في واشنطن، على الرغم من الانتقادات المستمرة من منظمات حقوق الإنسان وأعضاء في الكونغرس للسلوك العام للسعودية والإمارات (اليمن، أوكرانيا، حقوق الإنسان، خاشقجي)، ويبدو أن عقيدة الواقعية السياسية التي يتبناها البيت الأبيض، قادرة على ترميم العلاقات، على الرغم من كل شيء. وفي هذا السياق، تشكل "قمة النقب" خطوة مهمة في ترتيب العلاقات بين الدول.
استخلاصات
- وتيرة وقوة الأزمات في الساحة الإقليمية والدولية تدفع بدول الإقليم إلى خطوات غير مسبوقة إزاء إسرائيل، بهدف صوغ ردّ ملائم على التهديدات وتثبيت الدعم الأميركي. الحاجة إلى صوغ استراتيجيا أمنية إقليمية لردع إيران، بقيادة أميركا، وكذلك التخوف من أزمة اقتصادية تهدد الأمن الغذائي لدول المنطقة، شكّلا الدافع الأساسي إلى عقد قمة استثنائية لوزراء الخارجية العرب ووزير الخارجية الأميركي في "سديه بوكر".
- جسدت القمة أهمية الدور الإسرائيلي في هذا الترتيب الإقليمي، وجاهزية الدول العربية للدفع قدماً بخطوات مشتركة مع إسرائيل، علناً، على الرغم من الانتقادات في الساحة الداخلية.
- ظهر غياب الأردن عن القمة. التخوف الذي تم التعبير عنه في التحليلات الإعلامية العربية، هو من تهميش المملكة الأردنية في الدينامية الإقليمية، وأن مصالحها في القدس والمسجد الأقصى في خطر، بسبب دخول لاعبين جدد إلى الساحة، كالمغرب والبحرين والإمارات. هذا بالإضافة إلى أن القمة ركزت على قضايا أمنية واقتصادية إقليمية، ولم تتطرق إلى القضية الفلسطينية، وهي سابقة خطِرة تؤثر في الأردن. يتعين على القدس أن تضمن أن يكون للأردن دور مركزي في أي ترتيبات إقليمية، بسبب أهميته بالنسبة إلى الأمن القومي إزاء عدة قضايا (الحدود، الفلسطينيون، القدس)، وتبديد مخاوفه من كل ما يخص مكانته في القدس.
- وزراء الخارجية العرب ووزير الخارجية الأميركي شددوا على أهمية القضية الفلسطينية والحاجة إلى الوصول إلى حل الدولتين، مع إدانة العملية التي حدثت خلال القمة. وعلى الرغم من ذلك، فإن القمة لم تركز على القضية الفلسطينية. وزارة الخارجية الفلسطينية اتهمت إسرائيل بأن الهدف من القمة هو استغلال التهديد النووي الإيراني بهدف اغتيال القضية الفلسطينية وإبعادها عن الرأي العام الدولي. تهميش القضية الفلسطينية، الهدف الخفي لإسرائيل، يعزز احتمالات التصعيد الموجّه من الطرف الآخر، كأداة لإعادة القضية إلى مركز الرأي العام في المنطقة وفي الساحة الدولية.