الدعوات إلى عملية سور واقٍ جديدة ليست ذات دلالة فعدوّ اليوم مختلف
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • المفاجأة التي أحدثتها سلسلة الهجمات الحالية لدى الجمهور الإسرائيلي – وأيضاً على ما يبدو، لدى الأجهزة الاستخباراتية - أدت إلى موجة ردود عاصفة. فالإسرائيليون لم يشهدوا مثل هذه السلسلة من الهجمات الدموية منذ 6 أعوام (11 قتيلاً في ثلاث هجمات وسط المدن خلال أسبوع). الذكريات الباهتة تبسّط المقارنة التاريخية وتنسى دروس الماضي. وبدلاً من ذلك، تبرز مطالبة غاضبة بحلّ فوري من الحكومة، ومن الأذرع الأمنية.
  • هذه المحنة التي ترافقت، للأسف، مع ردات فعل عنصرية واسعة النطاق، دفعت أيضاً باقتراحات لحلول سحرية. أحد هذه الحلول العودة إلى عملية السور الواقي. العملية التي حدثت قبل 20 عاماً بالتحديد، واعتُبرت، لاحقاً، النقطة التي بدأت ترجح فيها كفة إسرائيل في الانتفاضة الثانية. بعد موجة هجمات فلسطينية استمرت قرابة عام ونصف، تحركت إسرائيل واحتلت مجدداً مدن الضفة الغربية. وبالتدريج، ضعفت الهجمات وانتهت الانتفاضة الثانية في سنة 2005 تقريباً، ومنذ ذلك الحين، أصبح الإرهاب يضرب إسرائيل من حين إلى آخر، لكن ليس بالقوة التي عرفناها في تلك الفترة.
  • من السهل الوقوع في إغراء هذه المقارنة. أيضاً قبل عقدين، جاء الجزء الأكبر من الهجمات من الضفة (بينما اليوم، المسؤول عن هجومين من الهجمات الثلاث عرب من إسرائيل)، وفي وقت الذروة، وُجّهت في الأساس نحو حدود الخط الأخضر. لكن الفوارق بين الفترتين كبيرة، ليس فقط بسبب عدد الهجمات. فقد انفجر "الإرهاب" في الانتفاضة الثانية في أعقاب فشل مؤتمر كامب ديفيد في صيف 2000، وكان موجهاً، جزئياً، من طرف مسؤولين رفيعي المستوى في السلطة الفلسطينية، وجرى استغلال الرد الإسرائيلي البطيء والمحدود. القيادات المتغيرة في إسرائيل تجاهلت إشارات التحذير في فترة اتفاقات أوسلو، ثم تصارعت مع بعضها البعض طوال أشهر، إلى أن أطلقت العنان للجيش الإسرائيلي وسمحت له باجتياح مخيمات اللاجئين.
  • لكن ما كان ينتظر الجيش الإسرائيلي وعناصر الشاباك كان مختلفاً تماماً عن عدو اليوم، من حيث طبيعته. ففي ذروة الانتفاضة، شارك آلاف الفلسطينيين من كل التنظيمات في مقاومة عنيفة، وفي عمليات "إرهابية". وفي المناطق، تحركت شبكة منظّمة للغاية من رؤساء أذرع عسكرية ومهندسي عبوات، ومجندين لـ"مخربين" انتحاريين وعملاء. خلال عملية السور الواقي، أدخل الجيش الإسرائيلي 5 فرق عسكرية ضمت عشرات الآلاف من الجنود. والمسلحون الفلسطينيون الذين لم يُقتلوا في المعارك، اعتُقلوا بصورة جماعية. كما قُتل العشرات من النشطاء الرفيعي المستوى في عمليات اغتيال.
  • الآن، التنظيمات أصغر ومحلية أكثر. وفي حالات كثيرة، المقصود خلايا مرتجلة تجمعت من أجل القيام بهجوم، أو مهاجمون أفراد تحركوا من تلقاء أنفسهم. وفي كثير من الأحيان، لا ينتمون إلى تنظيم محدد. اليوم، ليس للجيش الإسرائيلي أهداف في المناطق بالحجم الذي كان لديه خلال عملية السور الواقي، وفي الأساس أسلوب العمل الحالي كان ناجحاً بصورة عامة. ما يسميه الجيش الإسرائيلي "جزّ العشب" - سلسلة يومية من الاعتقالات والتحقيقات التي تؤدي إلى الحصول على المزيد من المعلومات الاستخباراتية، والمزيد من الاعتقالات - خفّضت لأعوام كثيرة مستوى "الإرهاب" وجعلته محمولاً. وهذا ما يسمح للحكومات الأخيرة بتجاهُل النزاع الفلسطيني تجاهُلاً مطلقاً، والانصراف إلى اتفاقات سلام وتطبيع مع الدول العربية.
  • أيضاً، عندما نشبت موجة هجمات الطعن والدهس في سنة 2015، احتاجت المؤسسة الأمنية إلى وقت كي تعدّل طريقة عملها. والردّ تبلور بمساعدة وسائل تكنولوجية، بينها مراقبة منهجية ودائمة لِما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي. واتضح أنه عندما يتحرك المهاجمون بصورة منفردة، فإنهم يتركون إشارات تدل على نياتهم من خلال منشوراتهم على الإنترنت.
  • الرد هذه المرة يذكّر بسنة 2015 أكثر مما يذكّر بسنة 2000. ويجب أن يتركز جزء منه على الهوامش المتطرفة في المجتمع العربي، وأنصار داعش والقاعدة الذين استقال بعضهم من الحركة الإسلامية، الجناح الشمالي، وبعضهم الآخر مجرم يمرّ بعملية تديُّن. وهذه العملية المركزة يجب أن تندمج مع جهد واسع للشرطة، من أجل العمل ضد عصابات الجريمة، ومصادرة الآلاف من قطع السلاح غير الشرعي في البلدات العربية. وهنا، الشرطة بحاجة إلى ميزانيات أكبر وقوانين. ومن المعقول أن الحكومة ستكون الآن أكثر إصغاءً لمطالبها.
  • ما يدل على نيات الحكومة والمؤسسة الأمنية في المناطق سلسلة الخطوات التي أُقِرت هذا الأسبوع: تحريك 14 كتيبة نظامية إلى الضفة الغربية والقطاع (تقريباً ضعف القوات التي تتواجد هناك في الأيام العادية)، والاستعداد لمواجهة تصعيد واسع النطاق، وتخصيص 15 سرية تدريب من الوحدات الخاصة لمهمات في قيادة الشرطة في منطقة التماس وحدود الخط الأخضر، والموافقة على السماح للمقاتلين بالاحتفاظ بسلاحهم الشخصي في منازلهم.
  • الجزء المكمّل لهذه العمليات سيكون المعلومات الاستخباراتية التي سيحصل عليها الشاباك. في الأيام الأخيرة، جرى اعتقال عشرات المشتبه فيهم في المثلث والنقب والضفة، بشبهة أنهم كانوا على عِلم مسبق بالهجمات الثلاث. حجم الاعتقالات سيزداد ويتوسع، في محاولة للوصول إلى خلايا داعش في إسرائيل والتنظيمات "الإرهابية" في الضفة. حتى الآن، المقصود ليس انتفاضة، ولم يجرِ استدعاء الاحتياطيين بصورة واسعة النطاق. وما يدل على الحذر النسبي للمستوى السياسي أنه لم يُقرَّر بعد فرض قيود على الصلاة والحركة في المناطق في شهر رمضان. لكن يمكن التقدير، بثقة، أن وقوع هجمات إضافية سيؤدي، لا محالة، إلى فرض قيود. لن يكون في استطاعة الحكومة الوقوف في وجه الضغط الشعبي المتوقع في مثل هذه الحالة.
 

المزيد ضمن العدد 3765