"ليست قصة رجل واحد": 7 استنتاجات من الحرب بين أوكرانيا وروسيا
تاريخ المقال
المصدر
- مرت ثلاثة أسابيع تقريباً منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، ولا يزال يخيم عليها ستار من الضباب الثقيل. وفي الخلفية، مزيج يميز الكثير من الحروب في القرن الـ21: كثافة المعلومات، وجبال من "الأخبار الكاذبة". وهو ما يصعّب بلورة دقيقة لصورة الواقع، وبالتالي التقديرات والتوصيات السياسية. هذا تحدٍّ كبير يتعامل معه متّخذو القرار في الغرب - يشمل إسرائيل - كما الأطراف المسؤولة عن التقديرات في أجهزة الاستخبارات، وفي الإعلام والأكاديميا.
- تُضاف إلى مشكلة كثرة المعلومات والحاجة إلى تبيان الحقيقة والكذب فيها مشكلات أُخرى كثيرة، بينها الميل لدى الكثيرين في الغرب إلى التضامن مع الضحية - وهو ما يؤثر في قراءة الواقع، الأمر الذي يؤدي، أحياناً، إلى التداخل بين الأماني والتقديرات - يُضاف إلى هذا أيضاً الفجوة في عالم القناعات والحسابات للمراقب من الخارج في الغرب، وبين موضوع البحث الروسي. وهو ما يخلق حالة نعرف فيها الكثير عن الواقع، لكن هذا لا يعني، بالضرورة، أننا نفهمه في العمق.
- الحرب في شرق أوروبا تضعنا أمام العديد من الدروس الاستراتيجية العميقة، الصالحة للمحللين في الإعلام والباحثين في الأكاديميا والعاملين في مجال التقديرات الاستخباراتية:
التفرقة بين تحليل الأحداث وفهم المسارات
- تميزت أجهزة الاستخبارات في الغرب، وخصوصاً في الولايات المتحدة وبريطانيا، عشية الحرب، بتقديراتها أن احتمال نشوبها مرتفع جداً. وهو ما استند إلى مزيج بين جمع المعلومات النوعية عن التحركات العسكرية الروسية، وخصوصاً تجميع القوات وتجهيزها للمعركة، وبين معلومات استخباراتية دقيقة بخصوص اتخاذ قرار الاجتياح في موسكو. مع ذلك، يبدو أنهم لم يقدروا على تحليل مسار الأحداث في العمق والتحذير مسبقاً، قبل أشهر طويلة، من الدينامية الآخذة في التشكل، ومن احتمال انفجار العلاقات الروسية الأوكرانية. وعلى عكس الاستخبارات القصيرة المدى، التكتيكية، يُعد هذا عملاً استخباراتياً استراتيجياً، يستند إلى فهم عميق للتيارات والوعي الجماعي، كالحساسية الروسية التاريخية إزاء وجود قوات الناتو على حدودها. وبصورة خاصة، عندما يكون المقصود أوكرانيا، التي يراها الكثيرون من القيادات الروسية جزءاً تاريخياً من روسيا الكبرى.
أهمية الاستخبارات لفهم النيات
- على عكس المعلومات النوعية بشأن قدرات الروس العسكرية وتحركاتهم التكتيكية، يبدو أن أجهزة الاستخبارات الغربية كانت تعيش حالة ضبابية ليلة الحرب - وأيضاً اليوم، إلى حد ما - بكل ما يخص النيات الاستراتيجية الروسية. لذلك، لا يزال العديد من الأسئلة المهمة من دون إجابات، وأهمها: هل كان احتلال كافة الأراضي الأوكرانية وتنصيب حكومة دمى في كييف في الخطة الروسية الأصلية؟ كم تغيرت الخطة الأصلية بسبب صعوبات في تحقيق تقدُّم عسكري؟ ما هو الإطار الزمني الروسي للحرب الحالية؟ وكيف يتم اتخاذ القرارات في الكرملين (قرارات فردية لبوتين، أم حسم جماعي)؟
- خريطة المعركة تتضح، بالتدريج. ومع ذلك، لا يزال هناك سؤال كبير بشأن الخطة الاستراتيجية التي يتقدم المجهود العسكري، استناداً إليها. هذه الفجوة تدلل على أنه حتى عندما يتحسن فهم الواقع بسبب وجود بنك معلومات كبير جداً، فإنه سيبقى ناقصاً في حال لم يتطرق إلى منطق عمل العدو.
أهمية الخلفية الثقافية في تحليل العدو
- المقصود هنا ادّعاء ينطبق على الكثير من الصراعات التي حدثت خلال العقود الأخيرة، وخلالها خاض الغرب، وضمنه إسرائيل، صراعات مع جهات غير غربية، وبصورة خاصة شرق أوسطية. وتفاجأوا، مرة تلو الأُخرى، بالسلوك وتحديد الأهداف وطريقة تفكير "الآخر". وكذلك، خلال الحرب في أوكرانيا، من المهم فهم الخلفيات الثقافية والتاريخية، بينها العقيدة الروسية الأساسية بشأن مناطق النفوذ والتأثير والخوف من التسلل الغريب إليها (وخصوصاً الأميركي)، إلى جانب الحساب التاريخي الدموي بين الشعبين.
- هذه الجوانب كانت بارزة جداً في خطاب بوتين ليلة الاجتياح، والذي طرح خلاله رؤيته التاريخية التي تنكّر فيها لوجود هوية وطنية أوكرانية مستقلة، مع التشديد على ماضي موسكو الإمبريالي؛ هذا بالإضافة إلى ذكرى الحرب العالمية الثانية والدور الذي تؤديه في الحرب الحالية (يصور الروس ذاتهم على أنهم يحررون أوكرانيا من نظام داعم للنازية، في الوقت الذي تصور كييف بوتين على أنه هتلر).
- قضية إضافية لا يمكن فهمها من دون فهم الخلفية الثقافية، هي موقف الرأي العام الروسي بخصوص الحرب: يشير الكثير من استطلاعات الرأي إلى تأييد ما يسمى دفاعاً عن الأمن القومي، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت العقوبات تؤدي إلى حالة من الغضب الداخلي، أم ستدفع في اتجاه توحيد الصفوف داخلياً ضد الخطر الخارجي.
الحذر من الاستخفاف والشخصنة في التقديرات
- في الأزمة الحالية، هناك ميل لدى المحللين، وبصورة خاصة في مجاليْ الإعلام والأكاديميا، إلى التطرق إلى "ما يحدث في رأس بوتين"، بحجة الادعاء القائل إنه المكان الذي تقرّ فيه الاستراتيجيا الروسية. وفي مواقع معينة، يُضاف إلى هذا الافتراض أن الرئيس الروسي فقد علاقته بالواقع. ويبدو، بحسب هذا الادعاء، أنه على استعداد للمضي في سياسة القوة، وانتهاك قواعد السلوك القائم في الغرب. جزء من هذه الادعاءات يستند إلى "تحليلات نفسية من بعيد"، يتم من خلالها تشخيص الرئيس الروسي، وكثير ما يكون على يد باحثين غير مُلمّين بقناعاته وثقافته. هذا بالإضافة إلى تسطيح لصراع واسع بين شعبين وقوميتين، يتم اختزاله في شخص واحد، وسط ميل نحو تقليص الصراع إلى هذا المستوى الفردي. وهو ما يسمح للمحلل بالهرب من التحليل العميق والجهد الكثير الكامن في تحليل منطق الآخر، الذي يفرض فهماً عميقاً للخلفية الثقافية، واللغة، والخلفية التاريخية.
حرب الوعي - "صراع من طرف واحد"
- جزء كبير من التقارير بشأن ما يحدث في ساحة المعركة مستند إلى مصادر أوكرانية، وجزء منها مضلل. يستعمل الطرف المعتدى عليه بصورة عامة هذه الأداة، إمّا لأسباب داخلية (تشجيع الروح القتالية ورفع المعنويات)، أو لأسباب خارجية (المساعدات الغربية والتشديد على ثمن الحرب أمام الرأي العام الروسي).
- جزء كبير من الأخبار عن الخسائر الروسية ونجاحات القوات الأوكرانية، وأحياناً، ما يحدث في المجتمع الروسي، يصدر عن الطرف الأوكراني. من جانبه، يبدو بوتين كأنه لا يريد المشاركة كلياً في هذه اللعبة: فهو غير معنيّ بإقناع الرأي العام الغربي بأنه على حق؛ يركز كافة جهوده على الجبهة الداخلية (إبراز الخطر الخارجي ونزع الشرعية عن النظام في كييف)؛ كما يبدو نشاطه على وسائل التواصل محدوداً جداً، إمّا بسبب مقاطعته من طرف الغرب، وإمّا بسبب ما يفرضه هو ذاته من قيود على النقاش العام في هذه الوسائل.
- كما في مجال الاستخبارات، من الصعب تحقيق إنجازات في مجال الصراع على الرواية والوعي عندما يكون المقصود قوة عظمى لا تُظهر أي رغبة في إقناع الرأي العام الدولي، ولا تحترم القواعد الدولية في هذا المجال؛ وتردع القوات الأجنبية عن التدخل على الرغم من إعادة التذكير بالتراجيديا التي تحدث في أوكرانيا؛ ويحظر مجال النقاش العام الداخلي.
وجهة النظر الإسرائيلية
- كثير من الدروس من الحرب الأوكرانية محفور في وعي مَن يتخذ القرار في إسرائيل على مدار الأعوام، وبصورة خاصة تلك المتعلقة بالنتائج الصعبة لعدم فهم النيات الاستراتيجية للعدو. ظهر هذا خلال حرب أكتوبر؛ الاستخفاف بالعدو والاعتقاد أنه من الممكن "هندسة الوعي والفهم" (عقيدة سقطت في سنة 1982 مثلاً)؛ وأيضاً الميل إلى توصيف القائد العدو بأنه مجنون (يحيى السنوار، أو الرئيس الإيراني، على سبيل المثال)، وذلك أغلب الظن بسبب الصعوبة في فهم منطق عملهم.
- وفي الوقت عينه، أوضحت الحرب في أوكرانيا حدود المعرفة، الفهم والعمق لدى الجهات الفاعلة في مجال التقديرات في إسرائيل. يدور الصراع في جبهة جيوسياسية واسعة، معقدة، وبعيدة، ومتدنية في سلّم أولويات أجهزة الأمن والسياسة الإسرائيلية. لذلك، فإن القدرة على تشكيل صورة استخباراتية شاملة محدودة جداً، على عكس الجبهات القريبة من إسرائيل، حيث يتم الاستثمار في البنية والجهود، كما الخبرة في جمع التفاصيل على جميع الأصعدة. هذا الفهم، يفرض بعض التواضع الذي كان غائباً قبل اندلاع الحرب، وخصوصاً في مجال الاعتراف بالفجوات والحاجة إلى الاستناد إلى مصادر خارجية، بهدف تجهيز صورة شاملة للوضع الاستراتيجي، وبالتالي اتخاذ القرارات بكل ما يخص هذه الجبهات البعيدة.