معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، يتحضر النظام الدولي لإمكان شنّ روسيا معركة واسعة النطاق في أوروبا، مع الاستعداد للدخول في مواجهة مع الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة.
- ... قبل إطلاق الطلقة الأولى، من الواضح أن دول الشرق الأوسط، وبينها إسرائيل، تهمها المحافظة على الوقوف على الحياد بقدر الممكن والامتناع من الحاجة إلى اتخاذ موقف من النزاع في أوروبا الشرقية واختيار طرف. فمن جهة، على الرغم من الإدراك أن الولايات المتحدة تقلص تدخُّلها في الشرق الأوسط، فإن عدة دول في المنطقة لا تزال ترى في العلاقات الجيدة مع الإدارة الأميركية مدماكاً مركزياً في عقيدتها الأمنية. لكن من جهة أُخرى، هي مهتمة أيضاً بالحفاظ على شبكة العلاقات مع روسيا، والتي تعمقت في الأعوام الأخيرة وتشمل اليوم علاقات عسكرية واسعة النطاق، والدفع قدماً بصفقات لشراء سلاح روسي. هذا بالإضافة إلى التدخل العميق لروسيا في الحرب في سورية.
- من السابق لأوانه أن نقدّر بصورة كاملة التداعيات العالمية للأزمة في أوروبا، ومن الواضح أنه سيكون للتطورات العسكرية والسياسية والتسويات، التي سيجري وضعها، تأثير أيضاً في المخاطر والفرص التي ستواجهها دول الشرق الأوسط. صحيح أنه ليس باستطاعة هذه الدول منع التدهور العسكري، لكن يتوجب عليها بلورة سياسات والعمل بسرعة، في ضوئها، من أجل تقليص مخاطر محتملة.
- أيضاً إسرائيل، مثلها مثل الدول الأُخرى في المنطقة، تحرص حتى الآن على السير بين النقاط والامتناع من التعبير عن موقف إزاء التطورات. لقد اضطرت إسرائيل إلى دعوة مواطنيها إلى مغادرة أوكرانيا كي لا تحتجزهم الحرب - إذا نشبت - وتعرّضت لإدانة من سلطات كييف، بعد أن نُشر أنها طلبت من روسيا المساعدة في إخراج المواطنين الإسرائيليين من أوكرانيا. بالنسبة إلى إسرائيل، التداعيات الأساسية للأزمة تتركز على ثلاثة مستويات: على المستوى العالمي، وعلى مستوى الساحة الإقليمية، وعلى جارتها الأقرب - الساحة الشمالية.
في مواجهة الساحة العالمية
- كلما طالت الأزمة وتعقدت، وخصوصاً إذا نشبت الحرب واستمرت وقتاً، من المتوقع أن يطلب الرئيس بايدن والإدارة الأميركية، المهتمة بترسيخ وتأكيد المكانة الرائدة للولايات المتحدة في النظام الدولي، اختيار طرف بصورة علنية والدعم الصارم للخطوات الأميركية، والمشاركة في الضغوط التي ستُمارَس على روسيا، والانصياع لمجمل العقوبات المفروضة عليها. في مثل هذه الظروف، من الصعب جداً أن تكون الإدارة الأميركية مستعدة للإصغاء، وأن تتفهم محاولات إسرائيل التوضيح والادعاء أن المصالح الإسرائيلية تفرض عليها المحافظة على قنوات مفتوحة مع موسكو. ومن المعقول أنه إزاء تحفُّظ دول الشرق الأوسط عن إظهار تعاطفها الكامل مع موقف الولايات المتحدة وخطواتها، أن تقوم الإدارة الأميركية، لاحقاً، بتصفية حسابها مع الدول التي ستحاول الوقوف موقف المتفرج.
- إن الأزمة في أوروبا الشرقية يمكن، تحديداً، أن تؤكد للولايات المتحدة أهمية المنطقة كمزود بالطاقة بدلاً من روسيا. ويبدو أن الإدارة الأميركية تتوقع رؤية خطوات في هذا الاتجاه. ولقد برز سعيها لإيجاد بديل في مسألة الطاقة حيال قطر التي اعتُبرت، خلال الزيارة التي قام بها الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني إلى واشنطن مؤخراً، "حليفة مهمة غير عضو في حلف الناتو" (Major Non-Nato ally). وتوجهت الإدارة بطلب مشابه إلى السعودية، استُقبل حتى الآن ببرود، لكن من المعقول، لاحقاً، أن يلبّي السعوديون الطلبات الموجهة إليهم، والمتعلقة بسوق الطاقة، من أجل تحسين علاقاتهم مع الإدارة الأميركية. أحد بدائل تزوُّد أوروبا بالغاز الروسي هو حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط، المشتركة بين مصر وقبرص وإسرائيل. سيكون من الصعب على مصر وعلى إسرائيل رفض طلب الولايات المتحدة تزويد أوروبا بالغاز والمساعدة بوقف التزود بالغاز الروسي عبر خطيْ Nordstream.
في الساحة الإقليمية
- الأزمة في أوروبا الشرقية، وخصوصاً إذا تدهورت إلى معركة عسكرية، يمكن أن تؤثر مباشرة في استقرار جزء من دول الشرق الأوسط، في الأساس بسبب اعتماد هذه الدول إلى حد كبير على التزود بالمحاصيل الزراعية عموماً، وبالقمح خصوصاً، من أوكرانيا وروسيا. على سبيل المثال، مصر هي إحدى أكبر الدول المستوردة للقمح في العالم، وهي تشتري معظم محاصيلها من روسيا وأوكرانيا... بالإضافة إلى هذا الجانب الاقتصادي، يجب أن نضيف الارتفاع في تكاليف الطاقة والنقل والمواصلات، ويجب أن نأخذ في الحسبان أن هذه المشكلات، بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها دول كثيرة في المنطقة - الناجمة عن الزيادة الديموغرافية وحجم البطالة العالي، في الأساس وسط جيل الشباب، وتأثيرات التغيرات المناخية، كل ذلك سيجعل من الصعب جداً على هذه الدول الحؤول دون تدهور الوضع. في مثل هذا الواقع، ستزداد احتمالات أن تواجه أنظمة المنطقة صعوداً في الاحتجاج الشعبي من جديد، وستعجز عن تلبية المطالب الشعبية. والدول التي من المحتمل أن يتزعزع استقرارها، كنتيجة غير مباشرة للأزمة بين روسيا ودول الناتو، هي الدول الأضعف في المنطقة: سورية ولبنان وليبيا والعراق. في ظل هذه الظروف لأزمة عالمية حادة، تزداد المخاوف أيضاً على استقرار الأردن ومصر. وغني عن الذكر أن عدم الاستقرار في الدول المجاورة سيزيد في التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل. ومن المعقول أن إسرائيل نفسها يمكن أن تواجه ارتفاعاً في أسعار الطاقة وتأثيراتها في غلاء المعيشة. ثمة تحدٍّ آخر بالنسبة إلى إسرائيل يعود إلى تركيز الولايات المتحدة على أوروبا، وهو ما سيسرّع توجّه الابتعاد الأميركي عن الشرق الأوسط والحد من دعم الولايات المتحدة العسكري لحلفائها في المنطقة.
إسرائيل في مواجهة الجبهة الشمالية
- يبدو أن احتمالات أن تستغل روسيا ساحة عملها في سورية كي تثبت للولايات المتحدة أنها تملك أدوات لجعل جبهات إضافية قابلة للانفجار، إلى جانب أوروبا الشرقية، تتحقق عملياً ونظرياً. في الفترة الأخيرة، تضع روسيا العراقيل في طريق المعركة التي تخوضها إسرائيل ضد التمركز الإيراني في سورية، وضد جهود طهران في نقل السلاح إلى حزب الله في لبنان، عبر الأراضي السورية. فخلال كانون الثاني/يناير الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن طائرات روسية وسورية تقوم بدوريات مشتركة في أجواء هضبة الجولان، وأن موسكو ودمشق تنويان الاستمرار في ذلك. كانت هذه رسالة واضحة إلى إسرائيل، مفادها أن روسيا تقدر، إذا شاءت، إزعاج إسرائيل في صراعها ضد المحور الإيراني كما تجلى ذلك في الأراضي السورية. كما يجب أن نرى في ذلك خطوة هدفها أن توضح للقدس أن وقوفها إلى جانب طرف في الأزمة بين روسيا والناتو ينطوي على خطر عليها، وهي رسالة إلى واشنطن بأن موسكو تملك أدوات ضغط أُخرى...
- بناءً على ذلك، الرد الأميركي على هجوم روسي على أوكرانيا، والذي يمكن أن يتجلى بفرض العزلة على روسيا وتعميق العقوبات المفروضة عليها، من المتوقع أن يكون له تداعيات سلبية على إسرائيل. في إطار الرد الروسي ضد حلفاء الولايات المتحدة، من المحتمل أن تقطع موسكو التنسيق العملاني الروسي - الإسرائيلي، وأن تحاول التصدي للهجمات الإسرائيلية في سورية بواسطة منظومة الدفاع الجوي وطائرات اعتراض روسية. في الوقت عينه، من المحتمل أن تمتنع روسيا من كبح إيران، وربما تشجعها على استخدام أذرعتها، ليس فقط ضد القوات الأميركية، بل أيضاً ضد إسرائيل.
توصيات مركزية لإسرائيل
- يدل اختيار دول الشرق الأوسط الحياد، وبينها إسرائيل، على التغيير الذي طرأ على مكانة الولايات المتحدة في المنطقة، وعلى موازين القوى الإقليمية. مع ذلك، فإن العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة التي تشكل درعاً سياسياً - دبلوماسياً حيوياً لإسرائيل، والالتزامات الأميركية العلنية بأمنها، لا يتركان خياراً أمام إسرائيل - أيضاً لو فضلت الوقوف موقف المتفرج – سوى أن تدعم موقف واشنطن بصورة كاملة ومن دون تردد. إذا امتنعت إسرائيل من الوقوف في معسكر الولايات المتحدة وأوروبا، فإن التوترات مع الإدارة الأميركية ستزداد، وستنزلق أيضاً إلى المطالبة الأميركية بتقليص شبكة العلاقات مع الصين. ناهيك بأن القدس لا تقدر على رفض طلب واشنطن تطوير بديل من روسيا لتزويد أوروبا بالغاز.
- المطلوب بلورة رد على مجموعة التداعيات على إسرائيل في حال تطورت نسخة جديدة من "الحرب الباردة" بين الولايات المتحدة وروسيا. في هذا الإطار، من المهم الحرص على التشاور الدائم مع واشنطن، وأن ننقل منذ الآن رسالة واضحة وملزمة وسرية بأن إسرائيل، عند الحاجة، ستقف علناً إلى جانب الطرف الذي تقوده الولايات المتحدة، حتى على حساب علاقاتها مع روسيا.
ج- المفاوضات الدائرة في فيينا بشأن العودة إلى الاتفاق النووي تتقدم، وثمة معقولية كبيرة أن يجري توقيع الاتفاق في الأيام المقبلة. ننصح إسرائيل بالامتناع، بقدر الممكن، من الدخول في مواجهة مع الإدارة الأميركية، حتى لو أُبرم اتفاق جديد مع إيران في المرحلة المقبلة.
د- في هذه المرحلة، يجب المحافظة على قنوات الحوار مع موسكو - في ضوء الحاجة الحيوية والدائمة إلى منع حدوث احتكاك عسكري في الجبهة الشمالية، كما يجب الاستعداد لسيناريو قطع التنسيق العملاني بين إسرائيل وروسيا، وأن يجد الجيش الإسرائيلي نفسه في مواجهة تحديات متزايدة في الساحة الشمالية.
ه- حالياً، يجب الامتناع من بيع السلاح لأوكرانيا ودول تحيط بروسيا، في الأساس السلاح المضاد للدبابات، ومواصلة الامتناع من تزويد الجيش الأوكراني ببطاريات القبة الحديدية.
و- على إسرائيل توسيع نطاق مساعيها لترسيخ علاقاتها مع دول المنطقة، وأن تنقل إليها رسائل إيجابية، استعداداً لاحتمال نشوب اضطرابات داخلية فيها، بهدف الحؤول دون انسحابها من عملية التطبيع. وهذه ستكون رسالة أيضاً إلى الولايات المتحدة بأن إسرائيل لا تقف فقط مع الجانب الصحيح، بل تعمل على ترسيخ جبهة إقليمية تؤيد سياستها.
ز- يجب الاستجابة إلى المحاولات التي تبذلها تركيا للتقرب مجدداً. فتركيا دولة مهمة في الناتو وتحسين العلاقات معها سيعزز موقع إسرائيل الاستراتيجي وأرصدتها في المنطقة.