إذا كانت إسرائيل مصممة على إيقاف التقدّم الإيراني نحو السلاح النووي بأي ثمن فلا مفرّ لها غير إعداد خيار القوة، لا بل استخدامه يوماً ما
تاريخ المقال
المصدر
- حين اكتشفت إسرائيل سنة 1994 أن إيران تقوم بجهد لامتلاك سلاح نووي، قدّر أفضل الخبراء أن الإيرانيين سيمتلكون سلاحاً نووياً في سنة 2005، أو في أقصى الأحوال في سنة 2010. وعندما دخل الإيرانيون إلى سورية كي يبنوا قوتهم العسكرية كان لديهم خطط منظمة، لكنهم نجحوا في تحقيق نحو 25% منها فقط، وربما أقل. وكان ينبغي لمشروع الدقة المشترك مع حزب الله في لبنان أن يُنتج حتى الآن آلاف الصواريخ والقاذفات الصاروخية الدقيقة، لكنهم بعيدون عن هذا العدد مسافة كبيرة.
- إن كل هذه التأجيلات تحققت بسبب الاستخدام العاقل للقوة. وطبعاً لا يُعتبر استخدام القوة السبب الوحيد الذي أدى إلى عدم حيازة إيران سلاحاً نووياً. فقد نجحت إسرائيل في تجنيد الولايات المتحدة، التي جلبت قوتها الاقتصادية، ودولاً أُخرى كي تضغط على طهران. لكن ينبغي القول إنه من دون استخدام القوة من أنواع مختلفة لكانت إيران اقتربت من السلاح النووي كثيراً.
- ولا بد من القول إن إنجازات إسرائيل في كل ما هو متعلق بكبح القدرة الإيرانية في سورية وموضوع السلاح الدقيق تحققت بالقوة فقط، ولا أعرف طريقاً آخر لمنع الأمرين. غير أن الأمور تبدو أكثر تعقيداً فيما يرتبط بموضوع منع النووي الإيراني. فالأميركيون يروّجون أسطورة، فحواها أنهم وقّعوا اتفاقاً [مع إيران] في عهد [الرئيس الأميركي السابق] باراك أوباما، لأن إسرائيل هددت بشنّ هجوم. لكن بصفتي كنت أحد المسؤولين في الأيام التي توجّه فيها الأميركيون إلى المفاوضات، وقاموا بإخفاء ذلك عن إسرائيل، من المهم القول إن إسرائيل قالت لهم بوضوح: لديكم كل الوقت الذي تحتاجون إليه، ولن نهاجم ما دام الإيرانيون لم يتجاوزوا خطوطاً معينة بقيت عمداً ضبابية.
- لقد سارع الأميركيون إلى عقد صفقة سيئة، ليس لأنهم تخوفوا من هجوم إسرائيلي، بل لأنهم لم يرغبوا في الوصول إلى وضع يسألهم فيه العالم، وعلى رأسه إسرائيل، عما يعتزمون القيام به حين يتبيّن أن الإيرانيين غير مستعدين للتنازل عن البرنامج النووي؟ لهذا الغرض غيروا سياستهم من "تفكيك القدرة النووية" إلى "التأجيل والرقابة". لكن بسبب الاتفاق السيئ لم يتأجل كل شيء، ولم تنشأ رقابة واسعة وعميقة بما فيه الكفاية. لقد كان هذا الاتفاق سيئاً وبررته الإدارة الأميركية بذريعة لا أساس لها في الواقع تتمثل في "منع هجوم إسرائيلي". وللأسف هناك مَن يتبنى هذه الذريعة في إسرائيل أيضاً.
- يجب علينا أن نستوعب الحقيقة المحزنة: إذا كانت إسرائيل راغبة في منع استمرار برنامج إيران لإنتاج سلاح نووي، فلا يبدو أن بإمكانها الاعتماد على جهود سياسية تقوم بها جهة ما. وإذا كانت إسرائيل مصممة على إيقاف التقدّم الإيراني بأي ثمن، فلا مفر لها غير إعداد خيار القوة، لا بل استخدامه يوماً ما.
- كنت من الأشخاص الذين لم يعجبهم الوصف المتبجح لقائد سلاح الجو المنتهية ولايته لإنجازات هذا السلاح، لكن لا ينبغي أن ننكر الواقع: لولا نشاط سلاح الجو على أساس الاستخبارات المتميزة لكانت إسرائيل في مواجهة عدو إيراني مع صواريخ عديدة، ومع مسيّرات غير قليلة جاهزة للعمل تحت قيادة إيرانية في الأراضي السورية. لولا نشاط سلاح الجو لكانت هناك اليوم قدرات دقيقة أكثر بكثير في يدي حزب الله. وقد تضطر إسرائيل إلى الخروج إلى عملية واسعة لتصفية هذه القدرة، ذلك بأن قصف سلاح الجو لن يكفي، ولن يؤدي أي جهد سياسي واستراتيجيا حكيمة، مهما تكن، إلى النتيجة المرجوة.
- واضح أيضاً أن ثمة حاجة إلى تفكير عميق مستقبلاً وحاضراً، ولا ينبغي الاكتفاء باستخدام القوة العسكرية. لكن في الوقت نفسه علينا أن ندرك أنه في العالم الآخذ بالتشكل الآن هناك أوضاع لا يمكن فيها إزالة التهديدات لإسرائيل، أو تأجيلها على الأقل، إلاّ بالقوة فقط. وطبعاً يفترض استخدام القوة إعداداً سياسياً مناسباً وإعلاماً جيداً لما بعده، لكن الخطوة الحاسمة هي خطوة القوة. بالنسبة إلى دولة صغيرة كإسرائيل، وفي المنطقة التي توجد فيها، لا مفر من المعادلة التالية: إن قاعدة القدرة الاستراتيجية والفعل السياسي هي القوة العسكرية التي في يديها. وفقط حين تكون هذه حاضرة ونشطة، ومؤثرة ومانعة، فإنها تسمح بخطوات استراتيجية في المجال السياسي. من دون قوة، لن يتحقق شيء.
الكلمات المفتاحية