اتفاقات أبراهام ليست رمالاً متحركة
تاريخ المقال
المصدر
- رياح جيدة تهب من دول الخليج في اتجاه إسرائيل. إذ ما إن انتهت الزيارة التاريخية لرئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ إلى الإمارات في مطلع الأسبوع، حتى بدأت زيارة لوزير الدفاع بني غانتس إلى البحرين لا تقل تاريخيةً عن الأولى. والاثنان شقّا طريقهما إلى هدفهما عبر أجواء الصديقة الأُخرى السعودية، على الرغم من أن المملكة تفضّل التستر على علاقاتها مع إسرائيل وعدم إعلانها في المرحلة الحالية.
- صحيح أن زيارة هرتسوغ كانت زيارة مجاملة بروتوكولية، لكن القواعد والرموز مهمة أيضاً. ففي النهاية، زيارات رؤساء الحكومات ووزراء الدفاع الإسرائيليين كانت سرية وبعيدة عن الأنظار بصورة عامة، وكانت الدول العربية تعتبرها اعترافاً بالواقع وأمراً مفروضاً، وبهذه الطريقة كان يشرحها الحكام العرب لأبناء شعبهم. لكن زيارة هرتسوغ إلى الإمارات مختلفة، فقد كانت زيارة رسمية لرئيس دولة وتعبيراً عن صداقة حقيقية.
- دول الخليج لم تعد تتردد في إجراء مثل هذه الزيارات، ولا تسعى لإخفائها. بل على العكس، أصبح نشيد "هتكفا" يُعزف علناً، وهذا دليل على الثقة بالنفس، وبمتانة وأهمية العلاقات مع إسرائيل، وما لا يقل أهمية عن ذلك، الثقة بالتأييد الواسع الذي تحظى به اتفاقات أبراهام وسط الجمهور في دول الخليج. هذا هو الطابع الفريد للعلاقات بين إسرائيل وبين هذه الدول، مقارنةً بعلاقات إسرائيل الوثيقة والمهمة مع الدول المحيطة بها. ففي تلك الدول، لا يحاول الحكام تجنيد الجمهور لتأييد السلام، لأنهم في معظم الأحيان يفترضون خطأً أن شعوبهم تعارض أي علاقة أو صلة بإسرائيل بسبب الأجواء المسمومة التي تنشرها وسائل الإعلام العربية.
- جاءت زيارة هرتسوغ إلى الإمارات في وقت كانت هذه الدولة تتعرّض لهجوم بالصواريخ الحوثية من اليمن. صحيح أن الأيدي هي أيدي الحوثيين، لكن الصوت هو صوت طهران التي تقف وراءهم وتزودهم بالصواريخ التي يطلقونها بأوامر منها في اتجاه الإمارات، وربما ذات يوم في اتجاه إسرائيل. في مقابل ذلك، زيارة غانتس إلى البحرين جاءت مع اقتراب موعد التدريب البحري الكبير للأسطول الأميركي الخامس، والذي تشارك فيه السعودية وعُمان، وللمرة الأولى إسرائيل أيضاً.
- لقد غيّرت اتفاقات أبراهام الصورة الجيو - سياسية في المنطقة، ونقلت إسرائيل، من وضع الدفاع في مواجهة وكلاء إيران الذين يحيطون بها في سورية ولبنان وغزة، إلى وضع الهجوم. وفي الواقع، إيران هي رأس الأخطبوط، ومن دونها يفقد الحوثيون وحزب الله و"حماس" والتنظيمات الإرهابية أهميتهم. من هنا، المطلوب هو ضرب رأس الأخطبوط، وليس أذرعته فقط. وبهذه الطريقة تستطيع إسرائيل النجاح في طرد طهران من سورية، وتؤسس لنفسها وجوداً عسكرياً بالقرب من السواحل الإيرانية، الأمر الذي يمكن أن يساعد دول الخليج في الدفاع عن نفسها في مواجهة الإيرانيين.
- يبدو أن اتفاقات أبراهام لم تكن حيلة من حيل إدارة ترامب، كما يتضح خطأ الذين اعتقدوا أنه بعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض ستفقد دول الخليج اهتمامها بهذه الاتفاقات، وستغير توجهها وتتقرب من إيران.
- في الماضي، كانت إسرائيل دائماً قوة دفع نحو إقامة علاقات مع الدول العربية، وأحياناً، أكثر مما كانت ترغب فيه هذه الدول أو تسمح به لنفسها. هذه المرة تغيرت الأمور. دول الخليج تُظهر حماسة، وكل ما يتعين على إسرائيل فعله هو الحرص على مواكبة وتيرة التغيُّر المذهلة.
الكلمات المفتاحية