استراتيجيا كبرى لإسرائيل ضد الخطر الإيراني
تاريخ المقال
- إيران يمكن أن تتحول إلى الخطر الوحيد على دولة إسرائيل منذ تخلت الدول العربية عن سعيها لإلحاق الهزيمة بإسرائيل بواسطة حرب تقليدية. التهديد الإيراني ناجم عن تقاطع خاص بين أيديولوجيا دينية إسلامية- شيعية متشددة، وبين استراتيجيا بعيدة الأمد لتدمير دولة إسرائيل. ويُترجَم هذا التهديد بمنظومة عسكرية تعتمد على أساسين مركزيين: تطوير سلاح نووي وقوات عسكرية في أنحاء الشرق الأوسط لديها قدرات صاروخية تهدد إسرائيل. معنى ذلك أن إيران تشكل تهديداً استثنائياً لإسرائيل من خلال الجمع بين أيديولوجيا دينية معادية لها وبين قدرات عسكرية متعددة لتحقيق هذه الأيديولوجيا.
- توظف إيران جهوداً كبيرة منذ أعوام من أجل ترسيخ بنية تحتية، تكنولوجية وعملانية، تسمح لها بتطوير سلاح نووي في ظروف ملائمة وخلال وقت قصير. وبينما تنكر القيادة الإيرانية نياتها الحقيقية وتبذل جهداً لإخفاء أنشطتها في المجال العسكري النووي، من الواضح أن إسرائيل تملك معلومات تقدم أدلة واضحة وقاطعة بشأن برنامجها النووي. فترة ولاية إدارة ترامب، وخصوصاً قرارها إلغاء الاتفاق النووي، دفعت إيران نحو دولة على حافة النووي. وفي ظل عدم وجود اتفاق نووي جديد، ستواصل إيران سيرها حتى الوصول إلى نقطة لا عودة عنها من ناحية القدرة في المجال النووي العسكري. تحوُّل إيران إلى دولة نووية يشكل خطراً على أمن إسرائيل، وأيضاً من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى سباق إقليمي على السلاح النووي. وإذا حصلت دول صديقة لإسرائيل، مثل مصر والسعودية، على قدرات عسكرية نووية، لا تستطيع إسرائيل الاعتماد على أنهما ستحافظان على توجُّههما المعتدل حيالها.
- هناك بُعد مركزي في الاستراتيجيا العسكرية لإيران يهدد إسرائيل، هو نجاح إيران في استغلال مناطق سياسية ذات سيادة ضعيفة، مثل سورية واليمن، لترسيخ نفوذها بصورة تسمح لها بتهديد أهداف على الجبهة، وفي عمق إسرائيل. تتألف القدرة الصاروخية الإيرانية من عدة طبقات - صناعة عسكرية متقدمة؛ آلاف المسلحين لدى حزب الله؛ القدرة على الحصول على سلاح دقيق تحرص إيران على الاستمرار في تطويره؛ مسيّرات مزودة بالسلاح؛ صواريخ بحرية تنقلها إلى وكلائها. يجب أن نضيف إلى ذلك نيتها استخدام قوات هجومية في أراضي إسرائيل- بدءاً من أنفاق حزب الله و"حماس" وقواتهما البرية، وصولاً إلى الميليشيات التي تأتمر بأوامرها في سورية والعراق. بالإضافة إلى ذلك، تعمل إيران على زعزعة استقرار شركاء إسرائيل في المنطقة، مثل الأردن والسعودية، بهدف تعزيز موقعها في ميزان القوى الإقليمية بصورة تضر بمصالح إسرائيلية متعددة (على سبيل المثال، الأمن على الحدود المشتركة مع الأردن).
ماذا ينبغي لإسرائيل أن تفعله؟
- أولاً، يجب على إسرائيل أن ترى في إيران تهديداً مركزياً لها، وأن توجّه معظم مواردها وجهودها الدبلوماسية والعسكرية والاستخباراتية والأمنية المطلوبة لذلك.
- ويجب أن تركز الاستراتيجيا الإسرائيلية على المسّ بقدرة إيران، وليس التأثير في نياتها، من خلال خلق جبهة ردع دولية ضدها. يجب علينا الاعتراف بحدود قوتنا ومعرفتنا في هذا المجال وإمكانية أن نفاجأ بصورة سيئة كما في الماضي.
- العمليات العسكرية الإسرائيلية في إطار المعركة بين الحروب ضد إيران ووكلائها في الأعوام الأخيرة، أدت إلى تآكل قدرة إيران العسكرية، وبطّأت وتيرة تسلُّح حزب الله، ووجهت ضربة إلى تمركزها العسكري في سورية، لكنها قد تطمس جدول الأولويات الاستراتيجي لإسرائيل. يجب علينا المحافظة على المعركة بين الحروب كمدماك مهم، لكن من دون تحويل تركيزنا على البرنامج النووي. إيران من دون خيار نووي عسكري لا تشكل تهديداً لوجود إسرائيل من خلال وكلائها. بينما التهديد النووي سيتيح لإيران مضاعفة جهودها لبناء قدرة باليستية تشكل تهديداً من الناحيتين الكمية والنوعية في آن معاً.
- هناك مكوّن مركزي في الاستراتيجيا، وقد يكون الأكثر مركزيةً بالنسبة إلى إسرائيل، هو نطاق عملها العسكري وقدرتها على العمل بصورة مستقلة ضد إيران ووكلائها في المنطقة. قبل كل شيء، نطاق العمل هذا مهم من أجل تنفيذ "عقيدة بيغن"، أي عملية عسكرية ضد أي دولة في الشرق الأوسط تسعى للحصول على قدرة نووية عسكرية، وأيضاً من أجل تحييد القدرات العسكرية لوكلاء إيران الذين يهددون إسرائيل.
- ما الذي يتوجب علينا فعله كي نوسع مجال العمل العسكري ضد إيران؟ فيما يلي عدد من الجهود المطلوبة لذلك:
- تطوير قدرة عسكرية تتيح لنا القيام بعملية عسكرية مستقلة حاسمة لإزالة أي تهديد، سواء في الحلقة الأولى أم في حلقات أكثر بعداً. ويجب أن يركز بناء القوة العسكرية على ذلك على حساب جهود أُخرى. هذه القدرة العسكرية ستزيد أيضاً في قدرة الردع الإسرائيلي، وسيكون لها قدرة على التأثير في طبيعة الخطوات السياسية الدولية حيال إيران، ومن المعقول أيضاً أن تساهم في تعزيز علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة، ومع دول أُخرى في المنطقة معارضة لإيران.
- بذل جهد أمني ودبلوماسي واستخباراتي للمحافظة على التفوق العسكري النوعي للجيش الإسرائيلي كأقوى جيش في الشرق الأوسط. إن التفوق النوعي العسكري للجيش الإسرائيلي ضروري من أجل ردع عدائية الدول المجاورة لإسرائيل، والأهم من ذلك، ضمان أن الجيش الإسرائيلي سيكون، عند الضرورة، قادراً على مواجهة أي سيناريو تصعيد إقليمي جرّاء مواجهة بين إسرائيل وإيران.
- الاستعداد لمواجهة محتملة مع حزب الله في سيناريو هجوم على إيران، سياسياً وعسكرياً. أهمية الاستعداد لمواجهة سيناريو حرب في لبنان ناجمة عن تقدُّم الحزب في بناء قوته، وخصوصاً في مجال برنامج الصواريخ الدقيقة، التي تزيد في معقولية مواجهة بين إسرائيل وحزب الله، حتى لو كان الطرفان لا يرغبان في ذلك. ننصح بأن تكون الخطة العسكرية هي حسم عسكري في مواجهة الحزب بصورة تسمح بقيام سلطة جديدة تمثل كل أطراف القوى في لبنان، وتحظى بتأييد ومساعدة الغرب ودول الخليج، وتشكل وزناً مضاداً للنفوذ الإيراني في بلاد الأرز. من الناحية العسكرية، يتعين علينا الاعتراف بأن الرد العسكري على تهديد حزب الله غير موجود حالياً. سلاح الجو وحده، على الرغم من قوته الهائلة، فإنه لا يمكن أن يشكل رداً على حجم نيران حزب الله ودقتها. أيضاً الدفاع الفعال، مهما كان قوياً، لا يضمن تحقيق المطلوب. يجب على الجيش الإسرائيلي بناء قوته بصورة مختلفة في مواجهة خطر حزب الله، وفي الأساس إعادة بناء قوته البرية كي تشكل قوة ضاربة حاسمة وسريعة. ويتطلب الأمر حواراً أفضل وأكثر انفتاحاً مع المستوى السياسي كي يعرف جيداً قدرات الجيش الإسرائيلي وحدودها في سيناريو حرب ضد حزب الله. بالإضافة إلى ذلك، الاستعداد السياسي للحرب يتطلب التركيز على إقامة علاقات سرية مع كل أطراف القوى في لبنان التي يمكن أن تشكل أساساً لسلطة جديدة تتيح انسحاباً سريعاً، كما يتطلب حواراً مسبقاً مع الولايات المتحدة ودول معينة في أوروبا والمنطقة من أجل تسخير جهودها لإيجاد نظام جديد في لبنان في سيناريو حرب لا مفر منها.
- تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة كدعامة أساسية في الأمن القومي لإسرائيل. يجب علينا السعي لبناء استراتيجيات مع الإدارة الأميركية تسمح لإسرائيل بالعمل ضد إيران نفسها وضد وكلائها بصورة مستقلة، وبما يتلاءم مع مصالحنا القومية. وفي الوقت عينه، يجب الامتناع من ربطنا بالتزامات من نوع حلف دفاعي يقيد نطاق عملنا، كما يجب علينا الامتناع من تحدي العلاقات مع الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تطوير العلاقات مع الصين. استقلالية الجيش الإسرائيلي إزاء السياسة الأميركية ضرورية أيضاً، في ضوء الإدراك أن الولايات المتحدة قررت تقليص تدخُّلها العسكري في الشرق الأوسط، وانسحابها من أفغانستان في آب/ أغسطس 2021 هو أبرز دليل على ذلك.
- يجب على الجيش الإسرائيلي توسيع تدخُّله في "دوائر بعيدة"، مثل العراق واليمن، بالتنسيق مع الولايات المتحدة ودول الخليج، وهي مناطق لإيران مصالح مهمة فيها، وضربها يمكن أن يزيد في الشعور بالتهديد لدى السلطة الإيرانية ويشوش خططها للهيمنة الإقليمية. من جهة أُخرى، يجب الامتناع من مواجهات عسكرية في "الدائرة الأولى" غير الضرورية، ويمكن أن تؤثر في الاستعداد أو القدرة على العمل بصورة حاسمة ضد إيران. ينطبق هذا على دول وأطراف غير دولتية تتحدى إسرائيل (من تركيا، وصولاً إلى "حماس")، والتي يجب السعي للتوصل إلى تسوية معها، ولو موقتة.
- يجب زيادة التعاون مع الدول العربية السُّنية، وعلى رأسها مصر والأردن وجزء من دول الخليج. يتعين على إسرائيل أن تعلم بأنها قادرة على القيام بعملية عسكرية ضد إيران من دون الخوف من ردة فعل من هذه الدول، أو من تأثير هذه العملية في شبكة علاقاتها بهم. بالإضافة إلى ذلك، التعاون مع هذه الدول سيجعل إسرائيل قادرة على عدم الانشغال بمعالجة قضايا أمنية ثانوية من حيث الأهمية، مقارنة بالخطر الإيراني، وسيحصّن شبكة التحالفات الإقليمية ضد إيران. من هنا، تنبع المصلحة الإسرائيلية في استقرار هذه الدول. التقدم الإيجابي في العلاقات مع هذه الدول، والتي كانت ذروتها الأخيرة في "اتفاقات أبراهام"، تنطوي فعلاً على إمكانية توسيع التعاون الأمني والعسكري والاستخباراتي، لكن يجب على إسرائيل الاعتراف بأنها لا تستطيع دفع هذه الدول إلى المشاركة في عملية عسكرية في إطار ائتلاف، أو تجنيدها في عملية مستقلة ضد إيران.
- الاستمرار في مسعى زعزعة استقرار حكم النظام الإيراني، وصولاً إلى إطاحته، على الرغم من أن فرص نجاح ذلك ليست كبيرة. الضغوط الاقتصادية، بينها العقوبات، لا تستطيع تحقيق هذا الهدف. مع ذلك، العقوبات تُضعف النظام، وهذا توجُّه يجب زيادته بقدر الممكن.
- جهد سري مستقل مع شركاء آخرين، هدفه عرقلة تقدُّم البرنامج النووي الإيراني، وليس تأخير الموعد الذي تصبح فيه إيران قادرة على الصعود درجة في قدرتها العملانية العسكرية النووية. ويجب أن نضيف إلى ذلك جهداً دبلوماسياً واستخباراتياً واسع النطاق، ومستمراً في مواجهة دول العالم والمنظمات الدولية لتوسيع نطاق الشرعية السياسية لإسرائيل، من أجل القيام بعملية عسكرية ضد إيران عند الضرورة، ومنع اتخاذ خطوات عقابية سياسية وغيرها في "اليوم التالي".
- تعميق التنسيق التكتيكي مع روسيا. هناك مصلحة مشتركة للدولتين. روسيا لا تريد، مثل إسرائيل، وجوداً إيرانياً واسعاً ومؤثراً في سورية. يجب استغلال ذلك لمصلحة عمليات عسكرية ضد أهداف إيرانية في سورية، ومن أجل إحباط تهديدات جوهرية من أراضي هذه الدولة. مع ذلك، روسيا تعتبر سورية تحت وصايتها، وتنوي دعم الجيش السوري وبناء قوته، وتحويله إلى قوة عسكرية تشكل تهديداً، كما في الماضي، لسيادة أراضي إسرائيل وأمن مواطنيها.
- في الختام، يجب على إسرائيل أن تضع القضاء على البرنامج النووي الإيراني في محور جدول أولوياتها الاستراتيجية. الجيش الإسرائيلي هو الأداة الأساسية التي تملكها إسرائيل لهذه الغاية، ويجب أن نوجه بناء قوته في هذا الاتجاه. لا يمكن ردع إيران عن السعي لامتلاك قدرة عسكرية نووية، ويجب على إسرائيل بناء قدرة عسكرية حاسمة. نطاق عمل إسرائيل ضد إيران مرتبط، قبل كل شيء، ببناء قوة مركزية، وبتنسيق استراتيجي ناجح مع الولايات المتحدة كي تسمح لإسرائيل بالعمل بصورة مستقلة ضد إيران عند الضرورة.
- التوصيات المختلفة التي جرى تفصيلها في هذه الوثيقة تفرض التطرق إلى مسألة سلّم الأولويات، وما هي التوصيات الأكثر إلحاحاً. على هذه الخلفية، وفي ضوء التقدير أن إسرائيل تملك مجالاً للتأثير في البرنامج النووي الإيراني بوسائل دبلوماسية وأيضاً سرية وخفية، ننصح بالتركيز، قبل كل شيء، على بناء قوة بسرعة لمواجهة احتمال حرب مع حزب الله. قوة عسكرية حاسمة من هذا النوع ستمنح في نهاية الأمر متّخذي القرارات نطاقاً لتحرُّك استراتيجي إذا اضطروا إلى إعطاء الأوامر بتنفيذ عملية عسكرية مباشرة ضد منشآت نووية في إيران، وسيكون الجيش الإسرائيلي قادراًعلى مواجهة رد مباشر، سواء من طرف إيران أو من طرف حزب الله.
- قضايا أُخرى تحتل مركز جدول الأعمال في إسرائيل لا تقل أهمية، وخصوصاً المواجهة المستمرة مع "حماس" في غزة، يجب ألّا تحوّل اهتمام إسرائيل عن التهديد الإيراني، بصفته التحدي المركزي للأمن القومي الإسرائيلي.