تشجير أراضي النقب لن يحلّ أي مشكلة من مشاكل السكان البدو، بل يفاقم مشاعر الاغتراب بينهم وبين الدولة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • تسبب قرار مؤسسة الصندوق الدائم لإسرائيل ["الكيرن كاييمت"]، وهي الذراع التنفيذية لمؤسسة إدارة أراضي إسرائيل، والقاضي بزرع أشجار غابات في منطقة النقب [جنوب إسرائيل]، بإشعال إحدى المواجهات القاسية بين السكان البدو في تلك المنطقة وقوات الأمن الإسرائيلية.
  • إن الإنسان الساذج فقط هو مَن يعتقد أن غرس الأشجار، بعد تجريف الأراضي المجاورة لمناطق سكن البدو في النقب، يهدف إلى الاحتفال بعيد غرس الأشجار، بحسب التقويم اليهودي [الذي يصادف هذه الأيام]، أو إلى تحسين النسيج البيئي في النقب. إن الحديث يدور في واقع الأمر حول مبادرة سياسية واضحة تحمل بكل الفخر صفة "الحفاظ على أراضي الدولة"، وهذه الصفة تعني حماية الأراضي من سيطرة البدو عليها والتظاهر بـ"الحوكمة" حيالهم.
  • وهي ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها مؤسسة "الكيرن كاييمت" غرس الأشجار كأداة سياسية. فقبل عامين، تسببت خطوة غرس أشجار مماثلة باندلاع احتجاجات من طرف السكان البدو وإبداء معارضة من جانب منظمات جودة البيئة. وفي ذلك الوقت، وافقت الحكومة الإسرائيلية، التي كانت برئاسة بنيامين نتنياهو، على وقف عمليات غرس الأشجار، وكذلك وافقت على القيام بإجراءات تحكيم مع السكان البدو. ولكن في بداية السنة الحالية، حاولت مؤسسة "الكيرن كاييمت" ومؤسسة إدارة أراضي إسرائيل إرسال أدوات حربهما الوحشية، وسرعان ما جرى الردّ على ذلك بأعمال شغب عنيفة شملت إحراق سيارات ومهاجمة عناصر شرطة وصحافيين وإلقاء حجارة وإغلاق شوارع، وطبعاً شملت مواجهة سياسية حادّة. وقد وقف في الجهة المعارضة أعضاء الكنيست العرب، وعلى رأسهم عضوا الكنيست منصور عباس ووليد طه [راعم]، اللذان هدّدا بالإضراب عن التصويت في الكنيست في حال عدم وقف عمليات غرس الأشجار، وهذا ما فعله أعضاء الكنيست من راعم فعلاً، وفي المقابل، احتج أعضاء الكنيست من المعارضة اليمينية على ضعف الحكومة الحالية وخضوعها لـ"التهديدات الإرهابية" الصادرة عن أعضاء الكنيست العرب، كما أنهم استغلوا الخلافات الناشبة داخل صفوف الائتلاف الحكومي من أجل الدفع قدماً بمشاريع قوانين للمعارضة. ويمكن القول إن كل جانب قام بأداء دوره في هذا العرض على أتم وجه، إذ تم التخطيط للقيام بأعمال غرس الأشجار على مدار 3 أيام فقط، وقد توقفت أمس (الأربعاء).
  • ولكن في ظل هذا كله، يجدر أن نشير إلى الموقف العملي لوزير الخارجية ورئيس الحكومة البديل يائير لبيد، والذي قال فيه: "يجب على دولة إسرائيل أن تقوم بغرس الأشجار في أراضي الدولة، لكنها ليست مضطرة إلى إلحاق أي ضرر بمعيشة سكان المنطقة.. يمكن وقف عمليات الغرس الآن من أجل الاستعداد لها من جديد. إن حكومة التغيير مُلزمة بحلّ مشكلة السكان البدو والتوصل إلى تسوية في النقب".
  • إن ردة الفعل العنيفة من جانب السكان البدو تستحق الشجب وتلزم بتطبيق وسائل تنفيذ القانون الشرعية، لكن ذلك لا يعفي الحكومة من مسؤوليتها عن إصلاح الإخفاقات والإهمال والتغاضي عن حاجات هؤلاء السكان. ولا شك في أن جزءاً من واجبات الدولة تجاه هذا القطاع، الأكثر ضعفاً في الدولة [قطاع السكان البدو]، يتمثل في تركيز سكن آلاف العائلات ضمن بلدات منظمة ومخططة جيداً، وتطوير البنى التحتية، وتحسين مستوى الخدمات بصورة جوهرية، وتقليص البطالة، وذلك إلى جانب الحفاظ على نمط الحياة التقليدي لهذا القطاع. إن تشجير أراضي النقب لن يحلّ أي مشكلة من هذه المشاكل، بل يفاقم مشاعر الاغتراب بين الدولة ومواطنيها البدو.