"حماس" والتوتر ما بين التسوية والمقاومة
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • كلما اقتربت حركة "حماس" من التوصل إلى تسوية مع إسرائيل بشأن اتفاق لوقف إطلاق النار لفترة طويلة (حتى خمسة أعوام) في مقابل ترميم قطاع غزة وتحسين الوضع الاقتصادي والإنساني هناك، اشتدت لديها غريزة "المقاومة"، وهو ما انعكس في تصريح رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية بأن "المقاومة هي خيار حماس الاستراتيجي".
  • الحجة التي تستخدمها "حماس" في "تسخين" الأجواء هي "عدم الرضا العميق" عن أداء الوسطاء المصريين، وعن تراجعهم عن تعهداتهم لها. وكما يقول المتحدثون بلسانها، فإن التفاهمات تتقدم بوتيرة بطيئة جداً ولم يتحقق فيها أي اختراق حتى الآن. وكشف مصدر مجهول الهوية في قيادة حركة "حماس" لقناة "الجزيرة" إن الحركة تفحص إمكان التصعيد مقابل إسرائيل، على خلفية استمرار "الحصار" على قطاع غزة والتلكؤ في إعادة إعماره، إلى جانب "الهجمات" الإسرائيلية على المسجد الأقصى و"المسّ بالأسرى". كما اتهم المصدر نفسه مصرَ بأن أداءها يشكل تخلياً عن تعهدها إرغام إسرائيل على احترام التفاهمات التي تم التوصل إليها بشأن التهدئة في مقابل التزام فصائل "المقاومة" الحفاظ على الهدوء. وعليه، حدد المتحدثون باسم "حماس" هدفاً جديداً لنهاية العام الجاري هو تطبيق التفاهمات، وربما تبدأ أعمال التصعيد خلال الأسبوع القريب.
  • تأتي تهديدات "حماس" هذه بعد أسابيع عديدة من الهدوء في قطاع غزة، وذلك على خلفية التقدم الذي أُحرِز خلال الاتصالات الجارية للتوصل إلى تسوية؛ سياسة التسهيلات الإسرائيلية السخية في إدخال البضائع إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم؛ زيادة عدد العمال/ التجار المسموح لهم بالدخول إلى إسرائيل، بموافقة "حماس"، إلى عشرة آلاف؛ تحويل الهبات المالية من قطر إلى غزة، وبصورة خاصة لتزويد محطة الطاقة بالوقود، وللعائلات الفقيرة؛ التسوية القطرية - المصرية الخاصة بشراء الوقود ومواد البناء وتحويل الأموال اللازمة لتمويل دفع رواتب العاملين في حكومة "حماس" في قطاع غزة؛ الزيادة الكبيرة في حجم وأنواع البضائع والمواد الخام التي يتزود بها قطاع غزة من مصر.
  • فما الذي يثير قلق "حماس"، إذاً؟ تتأثر "حماس" بموجة العمليات التي تُنفَّذ (ضد أهداف إسرائيلية ويهودية) في "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية)، بينما تحرص هي على حفظ الهدوء الأمني، تتعايش مع إقامة الحواجز الأمنية حول قطاع غزة وتستفيد من التسهيلات في الحصار. وعلى الرغم من أن "حماس" تشجع التصعيد في الضفة الغربية، سواء بالتحريض أو بتحفيز شبان على تنفيذ عمليات ضد إسرائيليين، فإن التوتر الذي تعيشه يزداد حدة حيال الهدوء السائد في قطاع غزة، ولا سيما معضلة "حماس" وتخبُّطها بين هوياتها المتعددة - حركة إسلاموية، حركة وطنية فلسطينية، لاعب شبه دولتي يسيطر على قطاع غزة وحركة مقاومة عنيفة. ترى "حماس" أنه في أعقاب "حارس الأسوار" (العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، من 10 حتى 21 أيار/مايو الماضي، والذي أطلقت عليه فصائل المقاومة الفلسطينية اسم "معركة سيف القدس") أصبح من حقها اعتراف مصر وإسرائيل والمجتمع الدولي بأنها أصبحت في مكانة اللاعب الدولتي الشرعي، أو أقرب ما يمكن منها، بل الاعتراف بها بما يعادل الاعتراف بالسلطة الفلسطينية على الأقل. لكن هذا الإنجاز تبدد مع مرور الوقت.
  • في المقابل، سرّبت "حماس" مسودة وثيقة سياسية قدمتها إلى مصر وتلخص فيها مواقفها المتعددة. لم تتخلّ "حماس" عن الهدف الأسمى -"تحرير فلسطين" - بصرف النظر عن الظروف المتغيرة، بل تطمح إلى "وضع حد لحصرية حركة "فتح" في عملية صنع القرارات في داخل الحركة الوطنية الفلسطينية". وتفصل "حماس" بين مسألة الأسرى والمفقودين (الإسرائيليين) وبين أية تسوية، أو تفاهمات مع إسرائيل بشأن التهدئة الأمنية لمدى طويل، وقد أوضحت بصورة لا لبس فيها أنها لن تتوقف عن محاولات خطف جنود إسرائيليين من أجل تحرير أسرى فلسطينيين.
  • يمثل قطاع غزة وحُكم حركة "حماس" فيه مشكلة لا حل لها، وهي أشبه بمرض عضال لا علاج له ولا دواء. تذهب إسرائيل أحياناً إلى البحث في عدد من الخيارات وتحتار فيما بينها: (1) وقف إطلاق النار لفترة طويلة مع تسوية لقضية الأسرى والمفقودين (الإسرائيليين)، ووقف تعاظُم "حماس" العسكري؛ (2) تفاهمات بشأن تهدئة قصيرة المدى، من دون تسوية قضية الأسرى والمفقودين، ومن دون وقف التعاظُم العسكري؛ (3) الاستمرار في إدارة الصراع والتأقلم مع تغيرات الوضع؛ (4) عملية عسكرية محدودة النطاق لترميم الردع؛ (5) عملية عسكرية واسعة النطاق لتدمير الذراع العسكرية لحركة "حماس"؛ (6) الانفصال التام والنهائي عن قطاع غزة وإغلاق المعابر إلى إسرائيل.
  • اختارت إسرائيل خيار الدفع نحو تفاهمات بشأن تهدئة طويلة المدى مع "حماس"، بوساطة مصرية، في مقابل تسهيلات في الحصار وتحسين جدّي للبنى التحتية المدنية في قطاع غزة، مع التركيز بصورة خاصة على التزويد المنتظم بالكهرباء والماء، بالإضافة إلى توسيع وزيادة مصادر العمل ومقومات العيش لعموم السكان في القطاع.
  • من شأن الاستجابة لمطالب "حماس" الخاصة بتسريع التسهيلات في الحصار وإعادة إعمار قطاع غزة، من دون الحصول على مقابل عملي يضمن وقف تعاظُم الذراع العسكرية للحركة وحلاً لمسألة الأسرى والمفقودين، أن تؤدي إلى استمرار تعاظُم قوة "حماس" في الساحة الفلسطينية الداخلية، في موازاة استمرار تراجُع قوة السلطة الفلسطينية، بما يترتب على ذلك من زعزعة للاستقرار والهدوء في الضفة الغربية. نهاية سلطة "حماس" في قطاع غزة لا تبدو في الأفق، ولا بدائل جيدة منها، بل لا حلول فعالة لمنع تعاظُمها. ستواصل "حماس" التنقل بين هوياتها المتعددة، الدينية، والوطنية، والمدنية، والمقاومة - ولن تلتزم بالتسوية لمدى بعيد، بل ثمة أحداث متوقعة على الدوام، من شأنها "إشعال فتيل المقاومة لديها"، وهو ما يعني أن الطريق من التسوية إلى المواجهة العسكرية وإدارة الصراع قصيرة جداً.