ما زال أمام إسرائيل طريق طويل لا بدّ من اجتيازه كي يكون الوضع مرضياً في كل ما يتعلق بتوفير الحماية للجبهة الداخلية
تاريخ المقال
المصدر
-
- قطعنا شوطاً طويلاً منذ عايشنا حالة التسيّب التي كانت سائدة في كل ما يتعلق بمسألة الجبهة الإسرائيلية الداخلية في إبان حرب لبنان الثانية [2006]، وعلى الرغم من ذلك فإنه لا يزال هناك طريق طويل لا بدّ من اجتيازه إلى أن يكون الوضع مرضياً.
- كانت الحرب في سنة 2006 بمثابة نداء للصحوة، وربما يتعين علينا أيضاً رؤيتها كهدية. ودفعت إسرائيل فيها ثمناً متدنياً نسبياً، لكنها فهمت أن عليها أن تستيقظ. فالوضعية التي كانت غير مفهومة آنذاك - والتي فرّ فيها رؤساء سلطات محلية من البلدات وهجروا مسؤوليتهم عن السكان، وامتنع الحكم المركزي لأسباب اقتصادية من إعلان وضع خاص [طوارئ] في الجبهة الداخلية، وتصرّف الجيش الإسرائيلي كما لو أن الجبهة الداخلية ليست شأنه وعملت الوزارات الحكومية بانعدام تنسيق في ظل إسقاط متبادل للمسؤولية عن الملفات الحارقة - هذه الوضعية أدّت إلى تغيير الأمور بشكل جوهري.
- إن قائمة التغييرات التي حدثت منذ تلك الحرب تكاد تكون لا نهائية. فمنظومة الدفاع الجوي اجتازت ثورة كبيرة، وتم تطوير منظومتي "القبة الحديدية" و"العصا السحرية" [المضادتان للصواريخ]، وسبق أن أعطت منظومة الدفاع الجوي جواباً مهماً في 4 جولات قتالية اندلعت في قطاع غزة (وكذلك في عدد لا يحصى من الحالات الأُخرى في كل الجبهات)، كما أن مجالات المسؤولية تم تحديدها وجرى توضيح أن رؤساء السلطات المحلية هم المسؤولون عما يحدث في مدنهم وبلداتهم، وكل الجهات الأُخرى يُفترض أن تدعمهم، سواء في أثناء الحياة العادية أو في أوضاع الطوارئ.
- وفي هذا الإطار عمّقت قيادة الجبهة الداخلية العلاقة بالسلطات الأُخرى، وجرى إعداد ملف لكل سلطة يُفترض أن يقدم لها جواباً تفصيلياً بشأن مهماتها وهي تتدرب عليه على أساس سنوي ويؤدي كل تدريب إلى استخلاص الدروس، كما أن سلطة الطوارئ الوطنية في وزارة الدفاع، والتي أقيمت كأحد الدروس التي استُخلصت من تلك الحرب، يُفترض أن تحسّن الوضع كثيراً، وأن تجعل سيرورات العمل في الحياة العامة ناجعة، وأساساً في ظل أوضاع الطوارئ.
- كانت النتيجة أن مواطني إسرائيل باتوا محميين أكثر وعلى نحو أفضل بكثير مما كانت عليه الحال قبل 15 عاماً. والمنظومة البلدية، وطواقم النجدة والطوارئ، والمحافل الأمنية، أصبحت تعرف بالضبط ما تفعله وكيف تؤدي مهماتها في كل وضعية، بدءاً بهجمة صواريخ، مروراً بتسلل مخربين، وانتهاء بسيناريوهات مدنية في جوهرها، مثل اندلاع حريق، ووقوع هزة أرضية، وسقوط ثلج ثقيل، وحتى التعرض لهجمة سيبرانية.
- في مقابل هذا كله ما زال هناك نصف كأس فارغ: مثلما اتسع الرد [على التهديد الماثل أمام الجبهة الداخلية] بصورة دراماتيكية منذ سنة 2006، فقد اتسع التهديد أيضاً. إن إسرائيل مهددة في الوقت الحالي بأكثر من 100.000 صاروخ وقذيفة صاروخية من لبنان، وبعشرات آلاف الصواريخ والقاذفات الصاروخية من قطاع غزة، وبعدد كبير من الصواريخ والقذائف الصاروخية على أنواعها المختلفة من دول أبعد (إيران والعراق واليمن). ومن الواجب قول الحقيقة للجمهور أمام هذا التهديد: إن المنظومات القائمة ليس لديها ولن يكون لديها قدرة على اعتراض كل صاروخ وحماية كل مواطن. وفي أي حرب شاملة قد تندلع في المستقبل سيكون المواطنون مطالبين بانضباط عالٍ أكثر من الماضي، ويتعين عليهم التجهيز بالغذاء وبالماء والبقاء في المجالات المحصنة فترات زمنية طويلة، ومَن لا يفعل ذلك يخاطر بحياته.
- ولكن في الوقت عينه لا بد من القول إن أمام الدولة شوطاً طويلاً آخر عليها أن تقطعه كي تحسّن الدفاع عن المواطنين. ومؤخراً انطلقت خطة تحصين البيوت في بلدات الشمال بتأخير أعوام طويلة وسيمر وقت طويل إلى أن تُستكمل (وحتى عندها ستوفر جواباً جزئياً فقط على التهديد الذي يمثله حزب الله، سواء من حيث نار الصواريخ أو من حيث التسلل إلى البلدات الحدودية). وفي منطقة غلاف غزة ثمة عمل غير قليل آخر يتطلب الاهتمام وتخصيص مبالغ مالية كبيرة هي من خارج الميزانية الجارية للمؤسسة الأمنية.
- وفوق كل شيء هناك سؤال دائم: لماذا تقع المسؤولية العامة عن الجبهة الداخلية على عاتق الجيش الإسرائيلي؟ لقد أقيمت قيادة الجبهة الداخلية في حرب الخليج الأولى [1991] وبطبيعة الأحوال تحمّل الجيش الإسرائيلي مسؤوليته عنها لأنه لم يكن هناك أي جسم آخر بمقدوره إقامة منظومة كهذه في زمن قصير كهذا.
- لكن منذ تلك الحرب مرّ حتى الآن 30 عاماً، وعلى إسرائيل أن تستوضح مع نفسها ما إذا كان من الصحيح أن يوزع الجيش الإسرائيلي اهتمامه بين الهجوم والدفاع، وما إذا كان يملك القدرة والوسائل لمعالجة الجبهة الداخلية، وإذا لم يكن ذلك صحيحاً، فمن الأفضل نقل الموضوع إلى عناية وزارة مدنية (وزارة الأمن الداخلي هي المرشحة الطبيعية) تكون على اتصال جارٍ مع السلطات والسكان ويُفترض أن تقدم لهم جواباً كاملاً في حالة الطوارئ أيضاً.