مطالبة الولايات المتحدة بفتح قنصلية في القدس الشرقية تحركها اعتبارات سياسية وليس قنصلية
تاريخ المقال
المصدر
- إن شروط فتح قنصلية في بلد معين محددة بالتفصيل في اتفاقية فيينا العائدة إلى سنة 1963. بحسب هذه الاتفاقية، تحصل الدولة التي ترغب في فتح قنصلية على رسالة موافقة من الدولة المضيفة. وهذا ينطبق على الولايات المتحدة وإسرائيل. ومن المهم أن نتذكر 3 أشياء في هذا السياق: أولاً، معظم القنصليات تفتح خارج حدود العاصمة من أجل خدمة سكان معينين وتوسيع العلاقة بين الدولتين.
- ثانياً، لا يمكن فتح القنصلية إذا لم توافق الدولة المضيفة. بكلمات أُخرى، فرض فتح قنصلية من دون اتفاق وبصورة أحادية الجانب، معناه خلق أزمة دبلوماسية خطِرة وانتهاك للاتفاقية.
- ثالثاً، بالاستناد إلى الاتفاقية، فإنه بعكس ما يقول بعض المعلقين، فإن القرار ليس محصوراً بالولايات المتحدة التي تستطيع من خلاله استخدام أرصدتها كما تشاء وخدمة لمصالحها. عندما غيّرت المؤسسات التي تتخذ القرارات في الولايات المتحدة، أي الإدارة الأميركية والكونغرس ومجلس النواب، رسمياً الوضع القائم (الستاتيكو) في القدس، واعترفوا بها مدينة موحدة وعاصمة لإسرائيل، ونقلوا السفارة إلى هناك، أصبح الوضع القائم الذي كان موجوداً قبل ذلك ملغى تلقائياً، وأصبحت اتفاقية فيينا هي التي تطبَّق على أي طلب أميركي جديد، ولا تستطيع الولايات المتحدة أن تفرض بالقوة فتح قنصلية في القدس الشرقية إلاّ إذا كانت تريد ليَّ ذراع إسرائيل، وهذا سيؤدي إلى أزمة.
- في جميع الأحوال، طلبُ واشنطن فتح قنصلية في القدس تحرّكه اعتبارات سياسية أكثر منها قنصلية. يتعين على الولايات المتحدة أن تقرر ما إذا كانت حقاً تريد الحرص على مصلحة سكان محددين تريد خدمتهم، أم أنها تريد استخدام طلب فتح القنصلية كورقة سياسية مع تداعياتها على مستقبل الوضع القائم في القدس. إذا كان الأمر قنصلياً مجرداً فهناك حلول، مثل فتح قسم قنصلي في السفارة الأميركية في القدس العاصمة، ويمكن لهذا القسم أن تكون له فروع في كل مكان في المدينة. ويوجد لإسرائيل قسم من هذا النوع في سفارتها في باريس.
- هناك احتمال آخر، فتح القنصلية في أبو ديس التي تقع خارج الحدود البلدية للمدينة وقريبة من السكان الذين ترغب في خدمتهم. يجب على الولايات المتحدة فصل الوجه السياسي عن الطلب والعودة إلى تطبيق اتفاقية فيينا.
- من خلال طلب الولايات المتحدة فتح القنصلية في القدس الشرقية فإنها في الواقع تحدد مسبقاً ما سيكون عليه الحل المستقبلي للمدينة عند الوصول إلى محادثات مع الفلسطينيين. وسواء بقيت القضية سياسية أم انتقلت إلى المجال القنصلي فإن الأمر يعود إلى إسرائيل. وإسرائيل دولة ذات سيادة وقادرة على تلبية طلب الولايات المتحدة، كما يمكنها معارضته.
- العلاقات المميزة بين الدولتين تفرض على الطرفين عدم تجاوز الخطوط الحمراء التي يمكن أن تضر بهما. يتعين على الولايات المتحدة إبقاء موضوع قضايا القدس للنقاشات مع الفلسطينيين، وبحسب ما اتفق عليه الطرفان. من جهتها، يجب على إسرائيل إبداء الحكمة في قضية القنصلية، لكن من دون أن تضر بسيادتها وبالعلاقة الخاصة مع واشنطن.