التقارب بين إيران والسعودية يفكك التحالف المعادي لإيران
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان حمل هذا الأسبوع خبراً ساراً. ففي ختام زيارته إلى سورية ومصر وروسيا أعلن أن "المحادثات بين السعودية وإيران تتقدم في الاتجاه الصحيح". الناطق بلسانه سعيد خطيب زاده كان أكثر كرماً بالتفاصيل فقال: "المحادثات بين الدولتين تتواصل من دون عراقيل. وهي تتناول العلاقات بينهما، ومع دول المنطقة، في الأساس مع دول الخليج، وجرى أيضاً بحث الحرب في اليمن". وأضاف أن الدولتين وقّعتا عدة اتفاقات.
  • وتوقعت مصادر دبلوماسية تحدثت مع صحافيين عرب أن تُفتح القنصليات في البلدين في وقت قريب، وأنه من المنتظر توقيع اتفاق للتطبيع الكامل للعلاقات خلال بضعة أسابيع، وأن يجري فتح السفارات.
  • إذا انتهت المفاوضات بين المملكة السعودية وبين الجمهورية الإسلامية باتفاق تطبيعي، فإن هذا سيشكل الفصل الأخير من الائتلاف المعادي لإيران، الذي بنت عليه إسرائيل الكثير من الآمال، واعتبرت نفسها عضواً غير رسمي فيه. كما أثار هذا القاسم المشترك بينها وبين المملكة الأمل بأن تقيم المملكة علاقات مع إسرائيل. عودة العلاقات بين السعودية وإيران يمكن أن تزيل الحواجز أمام قنوات التواصل بين الدول العربية وإيران، والدليل على ذلك يمكن أن نجده في كلام وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي الذي قال في حديث له مع نظيره الإيراني هذا الأسبوع: "العلاقات الجيدة مع إيران هي مصلحة مهمة بالنسبة إلى الأردن". الاجتماعات بين السعودية وإيران بدأت سرية في نيسان/أبريل الماضي. وحتى الآن جرت 3 جولات من المحادثات الأخيرة التي كانت في نهاية أيلول/سبتمبر، بعد انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية. ومن المنتظر أن تُعقد جولة أُخرى في الأيام المقبلة. خلال حملته الانتخابية، وبتوجيهات من المرشد الأعلى خامنئي، صرّح رئيسي بأن سياسته الخارجية ستركز على ترميم العلاقات بين إيران والدول المجاورة، وخصوصاً السعودية.
  • في هذه الأثناء، وفي الخطاب الذي ألقاه العاهل السعودي في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أعلن الملك سلمان أن بلاده تتطلع إلى علاقات جيدة مع إيران. العلاقات بين البلدين قُطعت في سنة 2016 بعد أن هاجم متظاهرون السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مدينة مشهد، رداً على إعدام السعودية رجل الدين السعودي نمر النمر. وتدهورت العلاقات مع بدء الحرب في اليمن بين القوات الحكومية المدعومة من السعودية والإمارات وبين الحوثيين الذين يحظون بدعم وتمويل وتدريب إيراني.
  • التطلع السعودي إلى إنهاء الحرب في اليمن بانتصار ساحق خلال أسابيع تحطم في مواجهة الصمود القوي للحوثيين الذين سيطروا على أجزاء كبيرة من اليمن، بما فيها العاصمة صنعاء. السعودية التي بادرت إلى هذه الحرب كجزء من الاستراتيجيا المعادية لإيران وجدت نفسها بعد مرور 4 أعوام على مسار لا يقتصر فقط على الاشتباك مع الحوثيين الذين بدأوا بإطلاق الصواريخ على أهداف استراتيجية سعودية، بل أيضاً في مواجهة مع الكونغرس الأميركي الذي أراد إجبار السعودية على وقف هذه الحرب التي أدت إلى مقتل أكثر من 100 ألف شخص وتحولت إلى أكبر كارثة إنسانية، بحسب وصف الأمين العام للأمم المتحدة. واضطر الرئيس ترامب، الذي أيّد السعودية في نهاية ولايته، إلى التراجع أمام الكونغرس، وطلب من السعودية إجراء محادثات مباشرة مع الحوثيين.
  • مع انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة بدأت السعودية بإعادة البحث في سياستها الإقليمية. وعلى خلفية القطيعة المطلقة التي نشأت بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وجو بايدن بسبب قضية مقتل الصحافي جمال الخاشقجي، بالإضافة إلى ضغوط بايدن لمنع بيع السعودية سلاحاً أميركياً قد تستخدمه في حربها في اليمن، وفي مقابل تحريكه المفاوضات مع إيران على اتفاق نووي جديد، قرر الملك سلمان الدفع قدماً بالعلاقات مع إيران. وفسّر معلقون سعوديون هذه الخطوة بأن المملكة أدركت أنه لم يعد في إمكانها الاعتماد على الولايات المتحدة، ومن الأفضل لها تنويع علاقاتها الاستراتيجية وإعادة مَوضَعة نفسها في الشرق الأوسط.
  • سلسلة إخفاقات سياسية، مثل محاولة دفع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري إلى الاستقالة التي فشلت فشلاً ذريعاً، وعدم القدرة على التأثير في الحرب في سورية، وعدم القدرة على الحسم في حرب اليمن على الرغم من التفوق العسكري السعودي، وخروج الإمارات من المشاركة في الحرب، كذلك رفضُ الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساعدة السعودية ضد إيران بعد تعرّض منشآتها النفطية للهجوم - كل ذلك أوضح للسعودية أن الحوار مع إيران أصبح حيوياً، من أجل أن تضمن عدم تحوّلها إلى ساحة قتال دائم يمكن أن تُلحق الضرر بخطة النمو الاقتصادي الضخمة التي يطمح إليها ولي العهد محمد بن سلمان.
  • وكلما ازدادت فرص انتهاء مفاوضات الاتفاق النووي بتوقيع اتفاق، كلما أصبح مطلوباً من السعودية فحص تداعيات هذا الاتفاق على سوق النفط. دخول إيران مجدداً إلى ساحة المبيعات يمكن أن يسرق من السعودية زبائن قدماء، وأن يخفض الأسعار، وأن يمس بمصدر أساسي من مداخيل المملكة. من المحتمل أن تكون مخاوف السعودية مبالغاً فيها لأنه من المتوقع أن تشتري الصين معظم إنتاج النفط الإيراني، بحسب الاتفاق الاستراتيجي الموقّع بينها وبين إيران في آذار/مارس الماضي...
  • على ما يبدو، التقارب واستئناف العلاقات بين إيران والسعودية يشكلان ضربة قاسية موجهة إلى إسرائيل. ليس فقط لعدم وجود توافق بين رئيس الحكومة نفتالي بينت وبين الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن المشروع النووي الإيراني، وبشأن الاتفاق النووي الذي تسعى له واشنطن، بل أيضاً لأن فقاعة الائتلاف العربي المعادي لإيران توشك على الانفجار. لكن منذ البداية كان هذا التحالف فزاعة نفخ فيها نتنياهو هواء ساخناً. فلا يمكن لطائرات سعودية أن تشارك مع إسرائيل في هجوم على إيران من دون موافقة الولايات المتحدة التي أوضحت منذ أيام ترامب أن توجُّهها هو نحو الدبلوماسية وليس الحرب.
  • الإمارات توصلت قبل عامين إلى اتفاقات تعاون مع إيران - الأمر الذي لم يعرقل توقيع اتفاقات سلام مع إسرائيل، فقطر شريكة تجارية قديمة لطهران تخلت عن عضويتها في الائتلاف، كذلك مصر والأردن اللتان وقفتا في الأساس موقف المتفرج. كما أن الدول العربية، وخصوصاً السعودية التي أرادت تعزيز مكانتها في واشنطن بواسطة تسويق الصراع المشترك ضد إيران، كانت تستطيع خلال فترة ترامب الاعتماد على اللوبيات الإسرائيلية. يتضح الآن أن المعركة ضد إيران لم تعد سلعة مرغوباً فيها، وأيضاً إسرائيل لا يمكنها تسويق هذه السلعة.