مدير السي آي إيه لم يأت في زيارة مجاملة بل ليذكّر إسرائيل بحدود المناورة
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- العديد من مدراء السي آي إيه زاروا الشرق الأوسط خلال توليهم منصبهم. بينهم ستة زاروا إسرائيل منذ السبعينيات. كلهم بدرجات تدخّل مختلفة قدموا توصياتهم إلى الرئيس الأميركي بشأن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
- بعضهم زار إسرائيل ضمن إطار وظروف عملية سياسية والحرب ضد الإرهاب، مثل جورج تينت خلال رئاسة بيل كلينتون وجورج بوش الثاني. آخرون زاروها ضمن إطار عسكري واستراتيجي، مثل زيارات مايكل هايدن في سنة 2007، بعد الكشف عن المفاعل النووي في سورية، أو جون بيرنان في سنة 2015، على خلفية المفاوضات والمحادثات النووية مع إيران، والتي أدت إلى الاتفاق النووي في ذلك العام. وليام كايسي، الذي كان مديراً للسي آي إيه خلال قضية جوناثان بولارد في منتصف الثمانينات، جاء على خلفية أزمة الثقة بين أجهزة الاستخبارات. آخرون جاؤوا في ظل توترات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ليون بانيتا والجنرال ديفيد بتريوس جاءا في ظل تغيرات في المنطقة وغموض جيو-سياسي.
- كل هذه الزيارات كان لها أساس مشترك هو أن الولايات المتحدة منخرطة دبلوماسياً وعسكرياً في الشرق الأوسط، وترى أن لديها مصالح أميركية حيوية يجب المحافظة عليها والدفع بها قدماً. وهذا الوضع ليس هو اليوم. في فترة تتوجه الولايات المتحدة نحو انسحاب بطيء وتدريجي، لكنه واضح، من منطقة لم تعد لديها فيها تقريباً مصالح حيوية من الدرجة الأولى.
- أمران يجعلان زيارة مدير السي آي إيه وليام بيرنز إلى إسرائيل زيارة خاصة: أولاً جدول الأعمال المتنوع. بالتأكيد إيران تشكل الموضوع المركزي والمُلح، والسيناريوهات المختلفة التي يمكن أن تنجم عن المحادثات بشأن العودة المحتملة للولايات المتحدة إلى إطار الاتفاق النووي ستكون محور الاهتمام. لكن إيران ليست الموضوع الوحيد. هناك أيضاً مستقبل السلطة الفلسطينية واستقرار الأردن، والموضوع المركزي بالنسبة إلى الولايات المتحدة - مكانة الصين وتمدُّد نشاطها وتعمُّقه في المنطقة - هذه الموضوعات كلها ستكون مطروحة.
- ثانياً؛ خلفية بيرنز: لمدير السي آي إيه سيرة مهنية غنية كدبلوماسي في وزارة الخارجية لمدة 33 عاماً، أنهاها كنائب لوزير الخارجية ومفاوض مع إيران. هذه الخلفية لا تجعله مختلفاً فقط عن سائر مدراء السي آي إيه الذين جاؤوا من المؤسسة نفسها ومن الجيش أو من السياسة، بل كانت السبب المركزي الذي دفع الرئيس إلى تعيينه. بنى بايدن طاقماً ثنائياً للنهج القائم على مقولة "الدبلوماسية هي سياسة خارجية" مؤلفاً من وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومدير السي آي إيه وليام بيرنز. كل مَن يريد فحص وتحليل كيفية بلورة وصوغ خطوات السياسة الخارجية لإدارة بايدن، يجب عليه التعامل مع بيرنز كوزير خارجية إضافي لا يقتصر دوره على المهمات التقليدية لمدير وكالة الاستخبارات المركزية.
- يمكن التعرف على تفكير بيرنز وعلى المبادىء التي توجهه ونظرته إلى الشرق الأوسط من خلال المقال الطويل الذي كتبه في كانون الأول/ ديسمبر 2019 عندما كان رئيساً "لمركز كارنيغي"، قبل تعيينه مديراً للوكالة؛ عنوان المقال: "نهاية فكرة سحر الشرق الأوسط". من المهم مراجعة فقرتين في المقال من أجل فهم طريقة تفكير الإدارة الأميركية:
- "على الرغم من الإنجازات المهمة، نحن (الولايات المتحدة) أحياناً كثيرة لا نقرأ التيارات الإقليمية بصورة صحيحة، ونخطىء في استخدام الوسائل التي تتلاءم مع الغايات. في نقطة زمنية معينة، مثل ما بعد الصدمة الناجمة عن هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، دفعنا تعصُّبنا المسياني إلى تجاوز حدودنا العسكرية والتقليل من الاستثمار الدبلوماسي. لقد سمحنا لطموحاتنا بالتغلب على إمكاناتنا الفعلية في منطقة "الكمال" فيها أمر نادر وغالباً ما تكون النتائج مخيبة. إغراءات التفكير السحري والميل الدائم إلى افتراض الكثير بشأن تأثيرنا والتقليل من العقبات التي تعترض طريقنا وفاعلية الأطراف الأُخرى، كل ذلك أدى إلى عدم الانضباط وخيبات الأمل - وهو ما قلل بصورة مضطردة رغبة معظم الأميركيين في الدخول في مغامرات في الشرق الأوسط..."
- ويتابع بيرنز: "هذا يضع السياسة الأميركية على مفترق طرق. لقد تلاشت لحظتنا، ولم نعد القوة الخارجية المهيمنة في الشرق الأوسط، لكن لا تزال لدينا يد قوية يمكن استخدامها. مفتاح اللعبة الصحيحة ليس في استعادة الطموحات المبالَغ فيها والعسكرة المفرطة التي طبعت فترة ما بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، و أيضاً ليس من خلال فك ارتباط كامل."
- زيارة بيرنز ليست زيارة مجاملة. وهو لم يأت إلى هنا ليتعرف على سياسة الحكومة في إسرائيل. هو يعرف جيداً النهج الأساسي لإسرائيل. المحادثة السياسية المهمة سيتركها للاجتماعين بين بينت وبايدن المقرريْن في الأسابيع والأشهر المقبلة. يأتي بيرنز كحليف يريد تذكير إسرائيل بلطف بالمصالح الأميركية، وما هي حدود المناورة، ومدى معرفة إسرائيل بها وحساسيتها تجاهها.
- هناك سيناريوهان متساويا المعقولية: اتفاق أو لا اتفاق. بيرنز يعرف تحفظات إسرائيل الجوهرية عن الاتفاق النووي، والتحفظات الإضافية بعد أن اتضحت الخطوط التوجيهية للاتفاق الجديد، وخصوصاً عدم التعويض عن التقدم الذي حققته إيران في تخصيب اليورانيوم وتقصير "زمن القفزة" نحو آلية عسكرية نووية.
- في سيناريو اتفاق، وكتمهيد للقاء بينت - بايدن، يريد بيرنز من إسرائيل التخفيف من خطابها المعارض للاتفاق والامتناع من القيام بعمليات ضغط في الكونغرس ووسائل الإعلام الأميركية. هو يقول ندرك أنكم تعارضون الاتفاق، تصرّفوا مع ضبط النفس. البديل أسوأ.
- المعضلة الكبيرة هي عدم التوصل إلى اتفاق نتيجة قرار أميركي بعدم المضي قدماً في ضوء الشروط التي تضعها إيران، أو محاولة إيرانية لإطالة أمد المفاوضات عدة أشهر من دون التوصل إلى نتيجة. في مثل هذه الحالة ومن شبه المؤكد أن بيرنز وبينت تحدثا عن المعلومات الاستخباراتية السياسية والتكنولوجية الموجودة بشأن إيران، وعن نوع وحجم آلية التشاور وتبادل المعلومات الدائم الذي يحتاج إليه كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
- في الساحة الفلسطينية، سيقترح بيرنز على إسرائيل الامتناع من القيام بخطوات أحادية الجانب وإضعاف وزعزعة استقرار السلطة الفلسطينية، وسيوصي بالقيام بخطوات بانية للثقة.
- سيقول لمضيفيه هناك الآن مسألة الصين. أنتم تعرفون تماماً ما المقصود، وتعرفون اتفاق التعاون الاستراتيجي بين الصين وإيران، ومشروع شي جين بينغ "طريق الحرير الجديد". وتدركون المصلحة العليا والموارد التي توظفها الولايات المتحدة في موضوع الصين. وسيختم قائلاً: أنا أؤمن وآمل أنكم تنتبهون وتعون ما يجري، وأنكم شركاء أيضاً.