على إسرائيل إعادة فحص منطق "حماس" وحزب الله وإيران والذي يتمثل في شكل من الجرأة الفائضة لإعادة تصميم "قواعد اللعب"
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

  • تواجه إسرائيل في الأشهر الأخيرة ثلاث بؤر توتر أمني مركزية: قطاع غزة، ولبنان، وإيران (ولا سيما في السياق المرتبط بمنطقة الخليج). وتطور التوتر في الحلبات الثلاث على خلفية منفردة، لكنه ينطوي على قاسم مشترك يتمثل في شكل من الجرأة الفائضة لدى أعداء إسرائيل ومحاولة حذرة من طرفهم لإعادة تصميم قواعد اللعب في كل ما يرتبط بالمواجهة مع إسرائيل.
  • كان التعبير الأول عن ذلك عملية "حارس الأسوار" العسكرية التي بادرت فيها حركة "حماس" لأول مرة إلى خوض معركة عسكرية واسعة، وذلك من دون توتر مسبق في قطاع غزة، بل رداً على ما يجري في القدس. وفي السياق الإيراني برزت مؤخراً عمليات توجيه ضربات إلى السفن في منطقة الخليج، بعضها بملكية إسرائيلية، وعلى رأسها السفينة التجارية التي قُتل فيها مدنيان (بريطاني وروماني). أمّا التعبير الأخير عن النزعة الموصوفة فنجده في قيام حزب الله بإطلاق قذائف في اتجاه شمال إسرائيل عقب هجوم شنه الجيش الإسرائيلي (وجاء بعد إطلاق صواريخ من الجنوب اللبناني)، وذلك لأول مرة منذ سنة 2006.
  • إن هذه الأحداث مجتمعة يمكن أن تشهد على تغيير آخذ بالتحقق في منطق أعداء إسرائيل الذين انتهجوا سياسة كبح في الأعوام الأخيرة خوفاً من التورط في تصعيد واسع. ويحدث هذا التغيير في إثر تحولات في المنظومتين الإقليمية والدولية، وعلى رأسها: صعود إدارة جديدة في الولايات المتحدة تُعَد في نظر الكثيرين في الشرق الأوسط أقل حماسة من سابقتها للعمل بقوة في المنطقة؛ تركيز إسرائيل على أزمة فيروس كورونا والعقدة السياسية الداخلية المتواصلة؛ ضعف العالم العربي السُّني والمخاوف التي يبديها جرّاء تقديره أن واشنطن لا توفر له دعماً مستقراً كما كانت الحال عليه في الماضي.
  • إن الجرأة التي تبديها "حماس" وحزب الله وإيران لا تعني أن هناك ضياعاً تاماً للردع الإسرائيلي، وأن هناك تظاهراً بوجود استعداد لمواجهة شديدة القوة معها. ويدور الحديث حول تجربة ومناورة هدفهما فحص كيف يمكن خلق مجال عمل يتيح احتكاكاً بإسرائيل والرد على أعمالها من دون الوصول إلى مواجهة شاملة معها. كما يدور الحديث حول نوع من "معركة بين الحروب" من إنتاج معسكر المقاومة وجد تعبيراً مختلفاً له في كل حلبة: في قطاع غزة، من خلال إرهاب البالونات، وفي الخليج، عبر ضرب متواصل للسفن، وفي لبنان، بإطلاق متقطع للصواريخ، وليس واضحاً بعد ما إذا كانت هذه مجرد ظاهرة شاذة أم هي نمط متكرر.
  • وتقوم الجهات الثلاث بإجراء متابعة حثيثة لردات فعل إسرائيل والساحتين الإقليمية والدولية على الاحتكاكات المختلفة، وتتلقى على ما يبدو انطباعاً بأنها ردات فعل ليست قوية كما كانت في الماضي. صحيح أن "حماس" تلقت في عملية "حارس الأسوار" ضربة عسكرية مهمة إلّا إنها سجلت إنجازات استراتيجية على نحو عزز صورتها في الداخل، وتسبب بإثارة تطرّف المجتمع العربي في إسرائيل. ولم تتكبد إيران ضرراً ذا أهمية بعد خطواتها العدوانية في الخليج (الحوار بينها وبين الأسرة الدولية بشأن الموضوع النووي مستمر، ومندوبو الاتحاد الأوروبي حضروا احتفال تنصيب رئيسها الجديد). وإطلاق الصواريخ في لبنان لم يواجَه بضربة إسرائيلية حادة أو بانتقاد دولي لاذع (وإن كان روفق بنقد حاد ضد حزب الله داخل لبنان).
  • إن تلاحُق هذه الأحداث يستوجب فحصاً لشكل نظرة إسرائيل إلى منطق خصومها وتقدير نشاطهم. في هذا السياق يتبين منذ بضعة أشهر أن ثمة فجوة بين التقدير الإسرائيلي، الذي يرى أن جميع هؤلاء مرتدعون ويسعون للحفاظ على الهدوء مع إسرائيل على خلفية مشاكلهم الداخلية (الضائقة المدنية في قطاع غزة؛ انهيار الدولة اللبنانية؛ محاولة إيران تحسين مكانتها في الساحة الدولية)، وبين الواقع القائم بالفعل الذي يتسلح فيه هؤلاء بجرأة ولّدت مفاجآت في صورة مبادرة هجومية تتبناها "حماس" ضد إسرائيل، أو رد حزب الله على هجوم الجيش الإسرائيلي في لبنان.
  • إن الفرضية الإسرائيلية الأساس بشأن الردع وبشأن نفور خصومها من خوض معركة واسعة هي فرضية صحيحة بالفعل، لكنها تفوّت حقيقة أن لديهم استعداداً لاتخاذ خطوات عسكرية تُعتبر في نظرهم أدنى من مستوى التصعيد الشامل. ومطلوب فهم هذه الفجوة واستيعابها بدلاً من الانجرار إلى حلول سهلة نسبياً، مثل التفسيرات التي تقول إن العدو فقد رجاحة رأيه وأصبح غير متوقع، مثلما جرى الزعم مؤخراً بشأن يحيى السنوار [قائد "حماس" في قطاع غزة].
  • على إسرائيل أن تلاحظ المحور أو الخيط الذي يربط بين ساحات التوتر المذكورة، وإن كان كل منها يُدار على خلفية منفردة، إلّا إن اللاعبين المركزيين فيها يعكسون منطقاً مشابهاً، لا بل يجرون فيما بينهم حواراً وسيرورات تعلُّم مشتركة. على إسرائيل أن تفهم أن أعداءها لا يزالون مرتدعين عن معركة شاملة ضدها، لكنهم يحاولون فحص ما إذا كان بإمكانهم إعادة رسم الخطوط الحمراء تجاهها. إن هذه الدينامية قد توجه إسرائيل - وأعداءها أيضاً - إلى تصعيد واسع، وذلك من دون تخطيط، وخلافاً للمصالح الأساسية لعموم اللاعبين.

 

 

المزيد ضمن العدد 3616