الجيش الإسرائيلي ليس مستعداً لحرب إقليمية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • هذا الشهر شاهد شعب إسرائيل تحقُّق سيناريو يبعث على الرعب: الانهيار الكامل للنظرية التي تقول إن في الإمكان الانتصار في الحرب بواسطة سلاح الجو. هذه العقيدة حاولوا إحياءها في عملية "حارس الأسوار"، في الأساس من طرف ألوية متقاعدين يُستخدمون كـ"محللين" في بعض الأحيان. العملية التي شارك فيها معظم طائرات سلاح الجو شهدت تدميراً للبنية التحتية لـ"حماس" والجهاد الإسلامي في غزة في النهار والليل. مئات الطلعات ومئات الطائرات ألقت ذخيرة دقيقة تقدّر قيمتها بمليارات الشيكلات على قطعة صغيرة من الأرض - وعلى الرغم من هذا كله لم تنجح في وقف إطلاق الصواريخ والقذائف المدفعية حتى دخول وقف إطلاق النار في حيز التنفيذ. لقد واصلت "حماس" والجهاد الإسلامي إطلاق الصواريخ والقذائف المدفعية كأن شيئاً لم يحدث بالنسبة إليهما، وبدا أنهما قادرتان على الاستمرار في ذلك وقتاً طويلاً.
  • طوال أعوام تحدثنا عن سلاح الجو كذراع استراتيجية لإسرائيل. وفعلاً كانت قوته بارزة في مواجهة طائرات العدو وتفوقه عليه واضح، لكن قدراته تعطلت في الستينيات في مواجهة القذائف والصواريخ. في الأعوام الأخيرة أُهمِل سلاح البر وتدهور، وهو الآن على وشك الانهيار، بينما يُعتبر سلاح الجو هو جيش الدولة، وذلك انطلاقاً من المنطق المشوه القائل إن في الإمكان الانتصار في الحرب ومنع وقوع خسائر في الأرواح بمساعدة سلاح الجو وحده. الآن نحن ندفع لقاء ذلك ثمناً باهظاً جداً.
  • لقد أثبتت "حماس" قدرة كبيرة على الصمود وواصلت إطلاق القذائف حتى تحت هجمات غير مسبوقة لسلاح الجو. وبعد الضربة القاسية التي تكبدتها البنى التحتية في غزة، والتي وُجهت إلى جزء من قادتها ومنازلهم، لم ترتدع "حماس"، والأيديولوجيا تشكل مصدر إلهام بالنسبة إليها. لقد تمكنت من شل الحياة في معظم أنحاء الدولة طوال المعركة، وتسببت بأضرار اقتصادية تقدّر بمليارات الدولارات جرّاء توقف جزء كبير من الاقتصاد المنتج، بالإضافة إلى التكلفة الباهظة لآلاف القنابل الدقيقة التي أسقطتها طائراتنا على أهداف في غزة.
  • حركتا "حماس" والجهاد الإسلامي جعلتا منا موضوع سخرية وتهكم، باستمرارهما في إطلاق الصواريخ من دون توقف، بما في ذلك على غوش دان، في الوقت الذي أعلن رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان أنه من الصعب عليهما التعافي من الدمار الذي لحق بهما (كلنا نذكر جيداً تصريحات مشابهة لرؤساء الدولة والجيش بعد عملية الجرف الصامد). "حماس" والجهاد الإسلامي هما اللتان قررتا موعد البدء بالقصف وموعد وقفه، لذا، فشل سلاح الجو فشلاً ذريعاً في مهمته الأساسية - وقف إطلاق الصواريخ من غزة.
  • بالنسبة إلى "حماس"، ما جرى انتصار في معركة وتَبَنٍّ لتوجه جديد وجريء حقق نجاحاً. ولذا، حظيت بدعم واسع في الدول المعادية لنا ووسط كثيرين في العالم. الجولة الأخيرة لن تمنع "حماس" والجهاد الإسلامي من خوض جولات إضافية، في تطلعهما إلى التسبب بانفجار إقليمي عام يشمل انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية واضطرابات بين العرب واليهود داخل إسرائيل، وجرّ حزب الله والميليشيات الشيعية في اليمن والعراق وسورية إلى المعركة أيضاً. ومن هنا تصبح الطريق قصيرة نحو حرب إقليمية بقيادة إيران.
  • التداعيات ستكون وخيمة العواقب. بخلاف غزة القطعة الصغيرة من الأرض المكتظة سكانياً، في حرب متعددة الجبهات ستُطلَق على إسرائيل آلاف الصواريخ والقذائف من مساحات شاسعة ومن مسافة مئات الكيلومترات. حجم سلاح الجو لا يسمح له بالقيام بهجوم في وقت واحد على مساحات واسعة كهذه، وأيضاً هو ليس قادراً على مهاجمة الأماكن التي يهاجَم منها ووقف استمرار القصف كما لم ينجح بذلك في جولة القتال الأخيرة. وسيستمر إطلاق الصواريخ على الجبهة الداخلية من كل الاتجاهات، من الشمال والجنوب والشرق من دون توقف. وستطلَق يومياً آلاف الصواريخ والقذائف على المراكز السكانية والبنى التحتية والأهداف الاستراتيجية، وستكون هذه الصواريخ ذات قدرة تدميرية أكبر بعشرات المرات من صواريخ "حماس". كما ستطلَق صواريخ دقيقة تحمل رؤوساً ناسفة تزن مئات الكيلوغرامات (لدى حماس صواريخ ثابتة غير دقيقة، أكبرها يحمل رأساً متفجراً زنته 90 كيلوغراماً، بينما لدى حزب الله صواريخ دقيقة برؤوس ناسفة تزن 500 كيلوغرام أو أكثر).
  • تخيلوا أنفسكم مع وابل من الصواريخ الدقيقة، والمسيّرات الانتحارية وصواريخ كورنيت، جزء منها يحمل رؤوساً ناسفة تبلغ مئات الكيلوغرامات، تسقط على رؤوسنا من دون توقف. الدمار لن يطاق وسيكلفنا آلاف القتلى والجرحى. إطلاق الصواريخ الدقيقة سيشل ويعرقل طائراتنا بسبب الإصابات الدقيقة للمدرجات وأبراج المراقبة. في المقابل ستُضرب محطات الكهرباء وتتوقف، بالإضافة إلى منشآت تحلية المياه ومخازن الوقود والغاز والبنى التحتية الاقتصادية والمراكز السكانية.
  • في مقدور أعدائنا القتال أسابيعاً وحتى أشهراً بفضل مخازن السلاح الكبيرة لديهم، والتي تضم 250 ألف صاروخ وقذيفة. لا تملك إسرائيل مخزوناً كافياً من الصواريخ المضادة لصواريخ أرض - أرض للعدو، بسبب ثمنها المرتفع. إذا لم يتمكن سلاح الجو من وقف قصف "حماس" فهل سيكون قادراً على وقف إطلاق الصواريخ في حرب متعددة الجبهات تشمل مساحات واسعة وبعيدة. معظم صواريخ العدو مركبة على منصات إطلاق متحركة تغير مكانها بعد القصف، ومن الصعب جداً تحديد مكانها وتدميرها. ومن نافل القول إن معظم هذه الصواريخ مخزنة تحت الأرض.
  • لقد تابع الإيرانيون وحزب الله عن قرب ما جرى بيننا وبين "حماس" هذا الشهر، وفهموا أكثر أن إسرائيل ليس لديها رد على الصواريخ. وفعلاً دولة إسرائيل ليست مستعدة بتاتاً لمثل هذه الحرب - وهي لا تعمل بجدية على الاستعداد لها حتى يومنا هذا.
  • بعد الجولة الأخيرة يتعين على القيادتين السياسية والأمنية عدم تقديم صورة انتصار لشعب إسرائيل لا علاقة لها بالواقع الكئيب الذي نقف في مواجهته. يجب على قادتنا العودة إلى رشدهم والاجتماع فوراً في جلسة نقاش، واتخاذ قرارات إعداد الجيش لمواجهة حرب متعددة الجبهات، وبلورة عقيدة أمنية حديثة. بادىء ذي بدء يجب إلغاء تقصير مدة الخدمة الإلزامية للرجال، وتدريب وحدات الاحتياطيين والموازنة بصورة صحيحة بين أذرع الجيش "البرية والجوية والبحرية". يجب إنشاء سلاح لصواريخ أرض - أرض هجومية لتأمين الغطاء لسلاح الجو، وتطوير مشروع الليزر بسرعة ضمن إطار مشروع وطني. ومن الضروري الإصلاح الجذري للثقافة التنظيمية والإدارية والقيادية السيئة للجيش، وإعداد الجبهة الداخلية وإدارتها في حالات الطوارىء.
  • إذا لم نفعل شيئاً، من المتوقع حدوث كارثة – حرب تشكل تهديداً لوجودنا وحياتنا في دولة إسرائيل. المسؤولية ملقاة على عاتق المستوى السياسي والأمني، لكن الخلاص لن يأتي من دون استخدام الجمهور للضغط الكثيف من أجل تغيير العقيدة والنهج وتحمّل المسؤولية.

 

 

المزيد ضمن العدد 3566