ميزان الإنجازات يميل لمصلحة "حماس"
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- مع توقُّف المعارك لا مفر من الاستنتاج، مع الأسف ميزان الإنجازات يميل نحو "حماس". في عملية "حارس الأسوار" سقطت أسوار كثيرة. "حماس" حققت أهدافها الأساسية منذ بداية المعركة، وكل يوم مرّ عزّز ذلك. على الصعيد العسكري – أطلقت "حماس" آلاف الصواريخ على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وعطلت الحياة في أنحاء البلد، وزعزعت شعور الجمهور بالأمان. على الصعيد الاستراتيجي - نالت الأسبقية في النضال على مستقبل الحكم الفلسطيني، وربطت نضالها بالنضال من أجل القدس، ونصّبت نفسها كـ"مدافع عن الأقصى"، وتسببت باضطرابات في البلد وفي الضفة الغربية، وكشفت تصدعاً متزايداً بين إسرائيل والولايات المتحدة.
- قدرات الجيش الإسرائيلي ظهرت فعلاً قوية وشديدة الفتك، وسجلت إنجازات عسكرية مهمة - بينها ضرب شبكة الأنفاق ومنظومة إنتاج الصواريخ لـ"حماس"، وكبح خطواتها الهجومية والدفاع في وجه الصواريخ (بواسطة القبة الحديدية). لكن ثبت أيضاً بعض الخلاصات المعروفة وغير المشجعة.
- أولاً، اتضح أنه بعد ثلاثة عقود على ظهور التهديد الصاروخي، لا تزال إسرائيل تفتقر إلى رد هجومي ناجع حتى ضد التهديد المحدود من طرف "حماس"، ناهيك بتهديد حزب الله. يُضاف إلى ذلك وضع إيران صواريخ في سورية والعراق واليمن، وطبعاً في أراضيها.
- ثانياً، في مواجهة غير متناظرة ضد طرف غير دولاتي، لا يمكن الحسم من الجو فقط. الحسم في غزة ممكن فقط بعملية برية طويلة ستؤدي إلى سقوط الكثير من الضحايا. حتى إذا قررت إسرائيل العمل على إسقاط "حماس" لا نعرف مَن سيتولى السلطة مكانها، ويمكن أن تكون النتيجة صعود طرف أكثر تطرفاً من "حماس". لذلك امتنعت إسرائيل من إسقاط "حماس" واكتفت بعمليات متكررة "لتعزيز الردع" ومماطلة لا تحل شيئاً وتؤدي فقط إلى جولة مقبلة.
- ثالثاً، مهما بدا ذلك منافياً للمنطق، حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية كانت شريكة فعلية لـ"حماس" في المحافظة على سلطتها وعلى الوضع القائم. تتكرر الشعارت الفارغة بشأن الضربات التي وُجهت إليها والدروس التي تلقّنتها، والتهديدات بأنها لن تتجرأ على الهجوم ثانية. لكنها تتجرأ، ويستمر التباهي. وبين الجولات تزداد "حماس" قوة، وتصبح المشكلة أكثر خطورة.
- رابعاً، في الحروب لا يوجد منتصرون في الدفاع. المشكلة هي أن إسرائيل لا تنتصر أيضاً في الهجوم، لأنها غير مستعدة (وهي على حق) لدفع الثمن من حياة البشر ومن مكانتها الدولية. لذلك نكرر الأخطاء عينها، ونستهلك قدرات مذهلة جرى تطويرها باستثمارات كبيرة من أجل حاجات مهمة جداً في عمليات الردع.
- خامساً، الاستخبارات الممتازة والعمليات التكتيكية لا تشكل بديلاً من الاستراتيجيا. إسرائيل تواصل العمل بخلاف المنطق وبعكس التوصيات المتكررة للجان البحث والخبراء، ومن دون أهداف استراتيجية واضحة. والنتيجة: المراوحة، واستمرار المعارك، وصعوبة في إيجاد النقطة الزمنية الصحيحة لإنهائها، وخيبة الأمل. الإنجازات العسكرية الأساسية حققناها قبل أيام من وقف إطلاق النار، والفعالية الهامشية للهجمات تضاءلت، ومن حسن حظنا تجنّبنا "صاروخاً طائشاً" كان يمكن أن يحول إنجازات جزئية إلى فشل. يسمي الأميركيون ذلك "زحف المهمة"، ولدينا تجربة مُرة مع الظاهرة.
- سادساً، وربما الأكثر خطراً: حتى لو انتهت المعركة بإنجازات، فإن ثقة الجمهور بزعمائه وحكمهم تصدعت أكثر، والفجوة مع الجمهور العربي تعمقت. ربما من الممكن ترميم ذلك بمرور الزمن، لكن ليس هناك ما يؤكد أن هذا ممكن بالنسبة إلى الضرر الذي لحق بالعلاقات مع اليهود الأميركيين ومع الولايات المتحدة إجمالاً. حتى قبل المعركة كان هناك تساؤل ما إذا كانت إسرائيل ستحصل على رزمة مساعدة إضافية لمدة عشرة أعوام. الآن من الممكن أن تواجه صعوبة في الكونغرس لأول مرة منذ 70 عاماً، فقط كي تضمن مساعدة السنة المقبلة.
- نحتاج إلى تغيير عميق. يجب تثبيت وقف إطلاق النار والإعراب عن استعدادنا لإعادة بناء البنى التحتية والعمل والاقتصاد في غزة في المدى البعيد، والسعي لصفقة معقولة بشأن الأسرى والجثامين. كل هذا بهدف تحميل "حماس" المسؤولية وعودة الاهتمام إلى الموضوع الأساسي - النووي الإيراني - وإنقاذ العلاقات مع الولايات المتحدة، ومنع المس بالعلاقات مع الإمارات والبحرين ومصر (ومع الأردن). كما يجب المطالبة بضمانات أميركية وأوروبية من أجل عمل هادف لمنع تعاظُم قوة "حماس" (وحزب الله)، ومنع انتهاكات، مثل البالونات المشتعلة، واستعادتنا الأسرى والمفقودين.
- يجب أن نخلق أفقاً سياسياً مع الفلسطينيين. وبدلاً من المحافظة على التفريق بين الضفة الغربية وغزة وسلطة "حماس" كطريقة لمنع المفاوضات، يجب تقوية محمود عباس بقدر المستطاع، وفي الأساس تقوية الأطراف المعتدلة الجديدة. ولهذا الغرض يجب وضع شروط: تقديم المال من أجل إعادة بناء غزة من خلال السلطة الفلسطينية والإمارات والبحرين، وليس مباشرة إلى "حماس". في موازاة ذلك يجب العمل على استئناف مفاوضات ناجعة مع السلطة. ليس هناك ما يؤكد التوصل إلى تسوية، لكن من الواضح أن الطريقة الحالية فشلت.
- يجب تعزيز قدرات الدفاع ضد الصواريخ، بما فيها المنظومة الموجودة ومنظومات الليزر الجديدة، ويجب رفع مستوى منظومة الأماكن المحصنة والملاجىء. حقيقة أن ليس لدى ثلث الإسرائيليين أماكن محصنة، أي هناك 20% من دون ملاجىء، هي فضيحة.
- يجب وضع العلاقات مع الولايات المتحدة فوق كل شيء تقريباً. إن المحافظة عليها أمر حيوي بالنسبة إلى أمننا. يجب أيضاً العمل لإعادة بناء المجتمع الإسرائيلي وإنهاء تحريض نتنياهو ومجموعة رفاقه، والعمل على اندماج فعلي للمواطنين العرب.
- في هذه الأثناء حققت إسرائيل إنجازات معينة في "حارس الأسوار" - لكن في نظرة إجمالية، تنضم العملية إلى مجموعة إخفاقات نتنياهو، بما فيها ضرب ثقة الجمهور، وانهيار السياسة حيال إيران، والإخفاق الكامل في معالجة الكورونا (حتى عملية اللقاحات التي يستحق عليها الثناء)، والأزمة الاقتصادية، والمسّ الخطِر بأسس الديمقراطية وسلطة القانون، وتدمير العلاقات مع الولايات المتحدة وغيرها.