من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.
- تشكل انتخابات الكنيست الـ24 انعطافة تاريخية في تاريخ الجمهور العربي في إسرائيل عموماً، وفي شبكة العلاقات بينه وبين الحكم بصورة خاصة. ما جرى ينطوي على تناقض أساسي: من جهةٍ انخفاض كبير في معدل تصويت الناخبين العرب، ومن جهة ثانية ذروة في كل ما له علاقة بالانخراط العربي في الساحة السياسية الإسرائيلية وتأثيرهم فيها.
- يُظهر تحليل نتائج التصويت في المجتمع العربي عدة نتائج مركزية:
- نسبة تصويت المواطنين العرب في انتخابات الكنيست الـ24 هي الأدنى منذ قيام الدولة وبلغت 45.6%. هناك نسبة أقل سُجلت في سنة 2001 (18%)، على خلفية أحداث تشرين الأول/أكتوبر 2000 - لكن تلك الانتخابات كانت لرئاسة الحكومة فقط. تدنّي نسبة التصويت نابع من مزيج من تعب عام من معركة انتخابية رابعة خلال عامين (ظاهرة برزت في وسط الجمهور عموماً في الدولة)، وخيبة الأمل بالقائمة المشتركة التي لم تنجح على الرغم من قوتها غير المسبوقة في الكنيست (15 مقعداً) في تحقيق إنجازات سياسية، ولم يكن لها تأثير، ولم تحل مشكلات أساسية يعانيها الجمهور العربي.
- إنجاز راعم شكّل التطور المركزي في الانتخابات الأخيرة، سواء بالنسبة إلى الجمهور العربي أو بالنسبة إلى السياسة الإسرائيلية عموماً. حقق الحزب إنجازات في مجمل المجتمع العربي، لكن يبدو أن معاقل التأييد المركزية للحزب كانت في المجتمع البدوي وجنوب البلد، وكذلك في أحياء المدن المختلطة التي يوجد فيها سكان من أصل بدوي، وفي جنوبي المثلث، وخصوصاً في كفرقاسم مهد الحركة الإسلامية في إسرائيل. بخلاف القائمة المشتركة، ليس لحزب راعم نفوذ وسط الجمهور المسيحي أو اليهودي في إسرائيل، وذلك بسبب هويته الدينية -الإسلامية.
- القائمة المشتركة بقيت القوة السياسية العربية الأكبر في إسرائيل (6 مقاعد)، لكن راعم هو الحزب العربي الأكبر في الكنيست (4 مقاعد)، لأن القائمة المشتركة مكونة من 3 أحزاب، الأكبر فيها حداش الذي نال 3 مقاعد. معاقل التأييد للقائمة المشتركة هي بلدات الشمال في المثلث، وعلى رأسها أم الفحم، والمدن المختلطة، ومنطقة الجليل الشرقي، وخصوصاً الناصرة، وفي التجمعات السكانية العربية المسيحية، مثل حيفا والناصرة، حيث نالت القائمة 60% من الأصوات.
- التصويت العربي للأحزاب اليهودية كان أكبر مما كان عليه في انتخابات 2020 (17.3% في مقابل 12.4%)، لكنه لم يشكل اختراقاً مهماً وبقي مشابهاً في الواقع لأنماط التصويت السابقة. الليكود هو القوة السياسية اليهودية التي حظيت بتأييد واسع من الجمهور العربي- 4.7% من مجموع أصوات المواطنين العرب- لكن هذه الأصوات توازي نصف مقعد فقط. ميرتس التي رشحت مرشحين من العرب في أماكن حقيقية في قائمتها حصلت على 3.3% من أصوات المجتمع العربي، بينما حصل سائر أحزاب الوسط واليسار واليمين على نسبة تأييد ضئيلة للغاية في المجتمع العربي.
من خلال تحليل النتائج تظهر عدة توجهات أساسية:
- الانتخابات الأخيرة هي ثورة سياسية تكشف تحولات اجتماعية وثقافية عميقة. التعبير المركزي لذلك صعود راعم، الحزب الذي رفع لواء الاستعداد لاندماج عميق في اللعبة السياسية الإسرائيلية والتأثير في اتخاذ القرارات في الدولة. هذا الهدف يعكس التوق إلى الاندماج لدى العديد من أبناء الجمهور العربي المهتمين بإعطاء الأولوية لمعالجة مشكلات مدنية يومية على معالجة مسائل سياسية أيديولوجية. هذا ليس انتصاراً "للأسرلة على الفلسطنة" وسط الجمهور العربي في إسرائيل، لأن المقصود ليس لعبة حصيلتها صفر بين مكوّنيْن للهوية، بل "تأطير" حديث لهما بصورة تسمح للمواطن الإسرائيلي بالاندماج بسهولة أكبر في المجتمع وفي السياسة في إسرائيل من دون طمس هويته، وأيضاً من دون أن يؤدي ذلك إلى نشوء حالة اغتراب إزاء الحكم والمجتمع اليهوديين.
- التأييد لراعم انطوى على مزيج من التماهي مع الصورة الاجتماعية الثقافية للحزب (المحافظ الديني)، ومع التأييد للتوجه السياسي الثوري التي بشّر به الحزب. يمكن وصف راعم كهيئة تدفع قدماً بثورة محافظة تشكل منعطفاً في النظرة السياسية، مصحوبة بنظرة محافظة إلى مسائل اجتماعية، وخصوصاً بشأن كل ما له علاقة بموضوع المثلية الجنسية الذي تحول إلى خلاف كبير في المجتمع العربي وكان أحد الأسباب المركزية لخروج راعم من القائمة المشتركة.
- على الصعيد السياسي - يمثل راعم تغييراً عميقاً مقارنة بسلوك الجمهور العربي في الماضي. لقد أوضح الحزب أنه ليس في جيب أي معسكر سياسي بصورة تلقائية، وأن تأييده لهذا الطرف السياسي أو ذاك يُحدَّد فقط في ضوء أي خيار سيساعد أكثر في الدفع قدماً بمصالح الجمهور العربي. يعبّر هذا الخط عن اختفاء الحدود العامة في إسرائيل بين اليمين واليسار أيضاً في المجتمع العربي، على الرغم من أن حزب راعم طمح إلى كسر "سياسات الهوية" التقليدية التي ربطت الجمهور العربي بمعسكر معين وأضرت بقدرته على المفاوضة والمناورة. لذلك حقق عباس الهدف الاستراتيجي الذي سعى له راعم - أن يكون بيضة قبان بين اليمين واليسار.
- الضربة القاسية التي تكبدتها القائمة المشتركة في الانتخابات الأخيرة تبشر ربما بنهاية "السياسة العربية القديمة"، التي تؤيد الوقوف موقف المتفرج بدلاً من الاندماج الكامل في اللعبة السياسية (شركاء في ائتلافات وحكومات)، ونهاية وضع مسائل سياسية وأيديولوجية في مكان أعلى من موضوعات مدنية، بصورة تصعّب الاندماج الواسع في العمل السياسي وفتح حوار مع الجمهور اليهودي.
- لم تحدث في الانتخابات الأخيرة كما قلنا انعطافة في كل ما يتعلق بتأييد المواطنين العرب للأحزاب اليهودية، على الرغم من مساعي هذه الأخيرة من أجل تجنيد أصوات وسط الجمهور العربي وفتح حوار مع المواطنين العرب. لقد فهم معظم الزعماء اليهود التطورات التي تجري في الجمهور العربي وعلى رأسها السعي لحل المشكلات المدنية وتعميق الانخراط في الدولة، لكنهم لم يتغيروا بما يتلاءم مع ذلك، هذه الفجوة تجلت من خلال عدم ترشيح زعماء عرب في أماكن حقيقية في قوائم الأحزاب اليهودية.
في نظر الجمهور العربي، تشكل الانتخابات في سنة 2021 اختباراً مهماً ومصيرياً بالنسبة إلى استعداد الجمهور اليهودي لقبول الصوت العربي، وإمكان تطوير شراكة مثمرة بين الجمهورين. إقصاء الصوت العربي هذه المرة أيضاً، أو فشل الاتصالات لتشكيل ائتلاف والذهاب إلى انتخابات أُخرى، يمكن أن تكون له تداعيات سلبية على المجتمع العربي. مثل هذا السيناريو سيعمق عزلة المواطنين العرب عن الدولة - وسيفاقم الشعور بالإحباط واليأس لديهم. على هذه الخلفية قد تزداد وتتطور الاحتكاكات بين الجمهور العربي والسلطة، مع جو توتر موجود منذ البداية في الشارع العربي، في ضوء ارتفاع معدلات الجريمة والعنف والإحباط العميق لدى الجيل الشاب، وعلى خلفية التوتر العميق في داخله بين التقليديين والمعاصرين.