75 عضو كنيست من دون رؤيا
تاريخ المقال
المصدر
- هناك مَن يعتقد أن المأزق السياسي المثير لليأس ناجم عن معضلة مع بيبي/ضد بيبي. لكن ما يجري في الحقيقة هو انعكاس لمشكلة أعمق، وتعبير عن الطريق المسدود الذي وصل إليه المجتمع الإسرائيلي بعد أن خسر الرؤى التي كانت تقوده في الماضي، وتنظم التيارات السياسية المتعددة.
- من وجهة نظر سياسية، الأزمة ناجمة عن فشل الأحزاب الكثيرة المنقسمة في التوحد والعمل المشترك. لكن من وجهة نظر أيديولوجية، المشكلة هي العكس تماماً. هناك عدد كبير من الأحزاب لا يوجد فوارق أيديولوجية بينها بل خصومات شخصية؛ صراعات كلها فردية محصلتها صفر، لا تسمح ببناء جسر بين الأطراف المتعددة.
- يُظهر فحص الأحزاب اليهودية الصهيونية أنه يوجد على هامش اليمين واليسار مركزان أيديولوجيان واضحان يُستخدمان ملاذاً لأقلية صغيرة: هناك من جهة حزب الصهيونية الدينية (6 مقاعد) الذي يعبّر عن روحية حركة غوش إيمونيم التاريخية. وفي الجهة الثانية هناك حزب ميرتس وحزب العمل (13 مقعداً) اللذان يواصلان حمل روحية حركة السلام الآن.
- لكن في الوسط يوجد عدد كبير من الناخبين، أكثرية في الكنيست (75 مقعداً) موزعة على أحزاب - الليكود؛ يوجد مستقبل؛ أزرق أبيض؛ يمينا؛ أمل جديد؛ إسرائيل بيتنا- من الصعب أن ترى فروقات أيديولوجية بينها.
- حاوِلوا فحص وجهات نظر بنيامين نتنياهو ويائير لبيد وبني غانتس ونفتالي بينت وجدعون ساعر وأفيغدور ليبرمان في مجالات الاقتصاد والاجتماع والعلاقات الخارجية والأمن والحدود، لن تجدوا أي فارق بينهم. المنافسة تدور فقط حول مَن سيكون في القمة. سواء في وجهات نظرهم الأمنية أو من حيث مواقفهم الاقتصادية – الاجتماعية، جميع هذه الأحزاب تنتمي إلى الوسط أو اليمين المعتدل (المشكلة الوحيدة التي يختلفون بشأنها هي العلاقة بالمحاكم والنيابة العامة وسائر حراس الدولة).
- تعبّر ظاهرة نهاية النقاش الأيديولوجي وتحوّله إلى مسألة شخصية بحتة عن أفول الرؤى الكبرى التي وجّهت المجتمع الإسرائيلي على مر السنين. الرؤيتان اللتان قادتا هذا المجتمع في العقود الأخيرة - تقسيم أرض إسرائيل من جهة، وأرض إسرائيل الكاملة من جهة ثانية - خسرتا أهميتهما في نظر أغلبية المجتمع الإسرائيلي. ينطبق هذا على الخلافات التقليدية في مجالات الاقتصاد والاجتماع بين حركة العمل التاريخية وبين حركة حيروت.
- أخيراً، حتى بالنسبة إلى العلاقة بين الدين والدولة لا توجد فوارق كبيرة بين الأحزاب المتعددة، التي تشكل أحزاب الوسط في إسرائيل (باستثناء حزب إسرائيل بيتنا)، والتي تحرص على عدم الظهور كأحزاب دينية أو كأحزاب علمانية، وتريد البقاء في منطقة غامضة بين الهويتين.
- هذا الوضع غير قابل للحياة. مجتمع ليس لديه رؤى تقوده محكوم عليه بأن يصبح فارغاً من المعنى. ولا يبقى لديه سوى نزاعات شخصية بين زعماء مصابين بجنون العظمة.
- إذا كنا شعباً يحب الحياة، يتعين علينا أن نستغل العقد الثامن من حياة دولة إسرائيل كي نعيد صوغ رؤانا الاجتماعية كي تصبح قادرة على تحفيز المجتمع وتنظيم المجموعات المتعددة.
- يجب على هذه الرؤى أن تعيد تحديد التوترات الثلاثة العميقة التي يواجهها المجتمع الإسرائيلي: إسرائيل والمناطق [المحتلة]؛ الاقتصاد والمجتمع؛ الدين والدولة.
- أغلبية المجتمع الإسرائيلي لم يعد يتماهى مع رؤيا تقسيم البلد إلى دولتين، ولا مع رؤيا أرض إسرائيل الكاملة. هاتان الرؤيتان انهارتا على أرض الواقع. الأغلبية الإسرائيلية تشعر بصورة بديهية بالحاجة إلى إيجاد صيغة وسط لم تتبلور بوضوح بعد. هذه الرؤيا الثالثة يمكن تسميتها- "رؤيا أرض إسرائيل الكبرى" - يجب السعي لفرض السيادة اليهودية على مناطق كثيفة السكان اليهود وقليلة السكان من الفلسطينيين، من خلال التعهد للفلسطينيين بإمكانية إدارة حياتهم بأنفسهم.
- أغلبية المجتمع الإسرائيلي تخلت منذ وقت طويل عن أحلام الاقتصاد المركزي على طريقة حزب مباي، الذي رفع لواء المساواة، لكنه لم يؤمن بالصيغة الليبرالية لاقتصاد السوق الحرة. المطلوب الآن رؤيا اجتماعية-اقتصادية متوازنة، مستوحاة من مصادر يهودية يمكن تسميتها "اقتصاد أخوة".
- مارتين بوبر [1878-1965، فيلسوف نمساوي اشتهر بفلسفة الحوار] اعتاد القول - ملخِّصاً قيَم الثورة الفرنسية- إنه بعد الحرب العالمية تحركت الحرية غرباً، والمساواة شرقاً، والكل نسيَ الأخوّة. أنا أدعو إلى التفكير في مبدأ تنظيمي جديد للمجال الاجتماعي - الاقتصادي - مبدأ الأخوّة - يرسم الطريق كي تصبح إسرائيل مجتمعاً نموذجياً.
- أخيراً، السياسة الإسرائيلية القديمة كانت قائمة على انقسام واضح بين متدينين وعلمانيين. لكن أغلبية الإسرائيليين اليوم تشعر بأنها لا تنتمي إلى هذه الثنائية، وتطالب ببنى أكثر تعقيداً، مثل "تقليديون"، "متدينون ليبراليون"، "قلنسوات شفافة"، "مدارس دينية حديثة". بين المتدينين وبين العلمانيين نشأت مجموعات في الوسط، يمكن تسميتها "الإسرائيليين المؤمنين" الذين يريدون إيصال نظرتهم إلى العالم.
- إن النقاش العام لرؤى جديدة تقود المجتمع الإسرائيلي في العقود المقبلة ضروري لنا مثل الهواء للتنفس. وهذا الأمر سيساعد في خلط الأوراق القديمة وتنظيم عقد اجتماعي بصور جديدة. بهذه الطريقة ستحظى الأغلبية الإسرائيلية بأعلام جديدة يمكن أن تتوحد حولها، ولا تكون مثل رجل أعمى في الظلام تحكمه رؤى لا تعني له شيئاً. ومن المحتمل أيضاً أن يساعد هذا في بناء ائتلاف جديد.